الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر أحمد بن نصر بن مالك الخزاعي

وفي هذه السنة تحرك ببغداذ قوم مع أحمد بن نصر بن مالك بن الهيثم الخزاعي ، وجده مالك أحد نقباء بني العباس ، وقد تقدم ذكره .

وكان سبب هذه الحركة أن أحمد بن نصر كان يغشاه أصحاب الحديث كابن معين ، وابن الدورقي ، وأبي زهير ، وكان يخالف من يقول القرآن مخلوق ، ويطلق لسانه فيه ، مع غلظة بالواثق ، وكان يقول ، إذا ذكر الواثق : فعل هذا الخنزير ، وقال هذا الكافر ، وفشا ذلك ، فكان يغشاه رجل يعرف بأبي هارون الشداخ ، وآخر يقال له : طالب ، وغيرهما ، ودعوا الناس إليه ، فبايعوه على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وفرق أبو هارون وطالب في الناس مالا فأعطيا كل رجل دينارا ، واتعدوا ليلة الخميس لثلاث خلت من شعبان ليضربوا بالطبل فيها ، ويثوروا على السلطان .

وكان أحدهما في الجانب الشرقي من بغداد والآخر في الجانب الغربي ، فاتفق أن ممن بايعهم رجلين من بني الأشرس شربا نبيذا ليلة الأربعاء ، قبل الموعد بليلة ، فلما أخذ منهم ضربوا الطبل فلم يجبهم أحد .

وكان إسحاق بن إبراهيم صاحب الشرطة غائبا عن بغداد ، وخليفته أخوه محمد بن [ ص: 98 ] إبراهيم ، فأرسل إليهم محمد يسألهم عن قصتهم ، فلم يظهر أحد ، فدل على رجل يكون في الحمام مصاب العين ، يعرف بعيسى الأعور ، فأحضره وقرره ، فأقر على بني الأشرس ، وعلى أحمد بن نصر ، وغيرهما ؛ فأخذ بعض من سمي ، وفيهم طالب ، وأبو هارون ، ورأى في منزل بني الأشرس علمين أخضرين ، ثم أخذ خادما لأحمد بن نصر ، فقرره ، فأقر بمثل ما قال عيسى ، فأرسل إلى أحمد بن نصر ، فأخذه وهو في الحمام ، وحمل إليه ، وفتش بيته ، فلم يجد فيه سلاحا ، ولا شيء من الآلات ، فسيرهم محمد بن إبراهيم إلى الواثق مقيدين على أكف بغال ليس تحتهم وطاء إلى سامرا .

فلما علم الواثق بوصولهم جلس لهم مجلسا عاما فيه أحمد بن أبي دؤاد ، وكان كارها لقتل أحمد بن نصر ، فلما حضر أحمد عند الواثق ، لم يذكر له شيئا من فعله والخروج عليه ، ولكنه قال له : ما تقول في القرآن ؟ قال : كلام الله ، وكان أحمد قد استقتل ، فتطيب ، وتنور ، وقال الواثق : أمخلوق هو ؟ قال : كلام الله . قال : فما تقول في ربك أتراه يوم القيامة ؟ قال : يا أمير المؤمنين ! قد جاءت الأخبار عن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : ترون ربكم يوم القيامة كما ترون القمر ، قال : لا تضامون في رؤيته ، فنحن على الخبر ، وحدثني سفيان بحديث رفعه : أن قلب ابن آدم ( المؤمن ) بين أصبعين من أصابع الرحمان ، يقلبه .

وكان النبي ، صلى الله عليه وسلم ، يدعو : " يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلبي على دينك " . قال إسحاق بن إبراهيم : انظر ما يقول . قال : أنت أمرتني بذلك ، فخاف إسحاق ، [ ص: 99 ] وقال أنا أمرتك ؟ قال : نعم ، أمرتني أن أنصح له ، ونصيحتي له أن لا يخالف حديث رسول الله عليه وسلم ، فقال الواثق لمن حوله : ما تقولون فيه ؟ فقال عبد الرحمن بن إسحاق ، وكان قاضيا على الجانب الغربي : وعزك يا أمير المؤمنين هو حلال الدم .

وقال بعض أصحاب ابن أبي دؤاد : ( اسقني دمه ، وقال ابن أبي دؤاد ) : هو كافر يستتاب لعل به عاهة ونقص عقل ، كأنه كره أن يقتل بسببه ، فقال الواثق : إذا رأيتموني قد قمت إليه فلا يقومن أحد ، فإني أحتسب خطاي إليه ، ودعا بالصمصامة سيف عمرو بن معدي كرب الزبيدي ، ومشى إليه ، وهو في وسط الدار على نطع ، فضربه على حبل عاتقه ، ثم ضربه أخرى على رأسه ، ثم ضرب سيما الدمشقي رقبته ، وحز رأسه ، وطعنه الواثق بطرف الصمصامة في بطنه ، وحمل حتى صلب عند بابك ، وحمل رأسه إلى بغداد ، فنصب بها ، وأقيم عليه الحرس ، وكتب في أذنه رقعة : هذا رأس الكافر ، المشرك ، الضال ، أحمد بن نصر .

وتتبع أصحابه ، فجعلوا في الحبوس .

التالي السابق


الخدمات العلمية