الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
قال ( وإذا وقعت الجيفة ، أو النجاسة في الحوض فإن كان صغيرا فهو قياس الأواني والجباب يتنجس ، والأصل فيه الحديث { يغسل الإناء من ولوغ الكلب سبعا } ، وإن كان الحوض كبيرا فهو قياس البحر لا يتنجس ) لقوله صلى الله عليه وسلم في البحر { هو الطهور ماؤه ، والحل ميتته } .

والفصل بين الصغير ، والكبير يعرف بالخلوص فإذا كان بحال لو ألقى فيه الصبغ يظهر أثره في الجانب الآخر فهو صغير ; لأنا علمنا أن النجاسة تخلص إلى الجانب الآخر كما خلص اللون هكذا حكي عن الشيخ الإمام أبي حفص الكبير رحمه الله تعالى ، والمذهب الظاهر في تفسير الخلوص أنه إذا كان بحال لو حرك جانب منه يتحرك الجانب الآخر فهو صغير ، وإن كان لا يتحرك الجانب الآخر فهو كبير .

وصفة التحريك المروي فيه عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى أنه اعتبر تحريك المتوضئ وأبو يوسف رحمه الله اعتبر تحريك [ ص: 71 ] المنغمس فرواية أبي حنيفة ، أوسع ، ثم قال بعض مشايخنا في الحوض الكبير أنه لا يتنجس بوقوع النجاسة فيه ; لأنه كالماء الجاري ، والأصح أن الموضع الذي وقع فيه النجاسة يتنجس ، وإليه أشار في الكتاب ، وقال لا بأس بأن يتوضأ من ناحية أخرى ، ومعناه أنه يترك من موضع النجاسة قدر الحوض الصغير ، ثم يتوضأ ; لأن النجاسة لا تخلص إلى ما وراء ذلك هو مفسر في الإملاء عن أبي يوسف عن أبي حنيفة - رحمهما الله تعالى - وعلى هذا قالوا : من استنجى في موضع من حوض لا يجزئه أن يتوضأ من ذلك الموضع قبل تحريك الماء .

وأما التقدير بالمساحة فقد قال أبو عصمة كان محمد رحمه الله تعالى يقدر في ذلك عشرة في عشرة ، ثم رجع إلى قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى ، وقال : لا أقدر فيه شيئا ، والمشهور عن محمد رحمه الله أنه لما سئل عن هذا فقال : إن كان مثل مسجدي هذا فهو كبير فلما قام مسحوا مسجده فروي أنه كان ثمانيا في ثمان ، وروي أنه اثنا عشر في اثني عشر فكان من روى ثمانيا في ثمان مسح المسجد من داخل ، ومن روى اثني عشر مسحه من خارج ، ولا عبرة بعمق الماء حتى قالوا إذا كان بحيث لا ينحسر بالاغتراف فهذا القدر يكفي .

هذا كله في بيان مذهبنا ( وقال الشافعي ) إذا كان الماء بقدر القلتين لا يتنجس بوقوع النجاسة فيه حتى يتغير أحد أوصافه ، والقلة اسم لجرة تحمل من اليمن تسع فيها قربتين وشيئا فالقلتان خمس قرب كل قربة خمسون منا فيكون جملته مائتين ، وخمسين منا .

واستدل بما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { إذا بلغ الماء قلتين لا يحمل خبثا } ( قلنا ) هذا ضعيف فقد قال الشافعي رحمه الله تعالى في كتابه بلغني بإسناد لم يحضرني من ذكره { إذا بلغ الماء قلتين } الحديث ، ومثل هذا دون المرسل ، ثم قيل معناه ليس لهذا القدر من القوة ما يحتمل النجاسة فيتنجس به كما يقال : مال فلان لا يحتمل السرف لقلته .

وقد تكلم الناس في القلة فقيل إنها القامة ، وقيل إنه رأس الجبل فيكون معناه إذا بلغ ماء الوادي قامتين ، أو رأس الجبلين ، ومثل هذا يكون معناه بحرا ، وبه نقول ( وكان ) مالك رحمه الله تعالى يقول القليل ، والكثير سواء لا يتنجس إلا بتغير أحد أوصافه ، وقد بينا مذهبه .

التالي السابق


الخدمات العلمية