الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            ثم قال تعالى : ( قالوا لو نعلم قتالا لاتبعناكم هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان ) وهذا هو الجواب الذي ذكره المنافقون وفيه وجهان :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : أن يكون المراد أن الفريقين لا يقتتلان البتة ، فلهذا رجعنا .

                                                                                                                                                                                                                                            الثاني : أن يكون المعنى لو نعلم ما يصلح أن يسمى قتالا لاتبعناكم ، يعني أن الذي يقدمون عليه لا يقال له [ ص: 70 ] قتال ، وإنما هو إلقاء النفس في التهلكة ؛ لأن رأي عبد الله كان في الإقامة بالمدينة ، وما كان يستصوب الخروج .

                                                                                                                                                                                                                                            واعلم أنه إن كان المراد من هذا الكلام هو الوجه الأول فهو فاسد ، وذلك لأن الظن في أحوال الدنيا قائم مقام العلم ، وأمارات حصول القتال كانت ظاهرة في ذلك اليوم ، ولو قيل لهذا المنافق الذي ذكر هذا الجواب : فينبغي لك لو شاهدت من شهر سيفه في الحرب أن لا تقدم على مقاتلته لأنك لا تعلم منه قتالا ، وكذا القول في سائر التصرفات في أمور الدنيا ، بل الحق أن الجهاد واجب عند ظهور أمارات المحاربة ، ولا أمارات أقوى من قربهم من المدينة عند جبل أحد ، فدل ذكر هذا الجواب على غاية الخزي والنفاق ، وأنه كان غرضهم من ذكر هذا الجواب إما التلبيس ، وإما الاستهزاء . وأما إن كان مراد المنافق هو الوجه الثاني فهو أيضا باطل ; لأن الله تعالى لما وعدهم بالنصرة والإعانة لم يكن الخروج إلى ذلك القتال إلقاءا للنفس في التهلكة .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية