الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        [ ص: 38 ] فصل

                                                                                                                                                                        أقر بعض الورثة بعفو أحدهم عن القصاص ، وعينه أو لم يعينه ، سقط القصاص ، وأما الدية ، فإن لم يعين العافي ، فللورثة كلهم الدية ، وإن عينه ، وأنكر ، فكذلك ، ويصدق بيمينه في كونه لم يعف ، وإن أقر بالعفو ، فلغير العافي حقهم من الدية ، والعافي وإن عفا على الدية ، فكذلك ، وإن أطلق العفو ، فعلى القولين في وجوب الدية بالعفو المطلق ، ولو شهد بعض الورثة بعفو أحدهم ، فإن كان فاسقا أو لم يعين العافي ، فحكمه حكم الإقرار ، وإن كان عدلا وعين العافي ، وشهد بأنه عفا عن القصاص والدية جميعا ، فللجاني أن يحلف معه ، ويسقط القصاص والدية ، أما القصاص ، فبالإقرار الذي تضمنته الشهادة ، وأما الدية ، فلأن العفو عن المال يثبت بشاهد ويمين ، وكذا الحكم لو شهد رجل وامرأتان من الورثة .

                                                                                                                                                                        وإذا حلف الجاني ، فيحلف : لقد عفا عن الدية ، وقيل : يحلف : لقد عفا عن القصاص والدية ، وهو ظاهر النص ، وهو ضعيف ، والنص مؤول ; لأن القصاص سقط بالإقرار ، وإذا ادعى الجاني على الورثة أو بعضهم العفو عن القصاص على الدية ، فأنكروه ، فهم المصدقون باليمين ، فإن نكلوا ، حلف ، وثبت العفو بيمين الرد ، وإن أقام بينة على العفو ، لم يقبل إلا رجلان ، ولو آل الأمر إلى المال ، فادعى على بعضهم عفوه عن حصته من الدية فله إثباته برجل وامرأتين ، وشاهد ويمين .

                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        إذا اختلف شاهدا القتل في زمان ، بأن قال أحدهما : قتله بكرة ، وقال الآخر : عشية ، أو مكان ، فقال أحدهما : في البيت ، والآخر : في [ ص: 39 ] السوق ، أو آلة ، فقال أحدهما : قتله بسيف ، والآخر : برمح أو عصا ، أو هيئة ، فقال أحدهما : حزه ، والآخر : قده ، لم يثبت القتل ، وهكذا حكم ما يشهدان به ، ويختلفان فيه من الأفعال والألفاظ المنشأة ، ولا يكون ذلك لوثا على المذهب ، ولو شهد أحدهما أنه أقر بالقتل عمدا ، أو خطأ يوم السبت ، والآخر أنه أقر به يوم الأحد ، ثبت القتل ; لأنه لا اختلاف في القتل وصفته ، ولو قال أحدهما : أقر أنه قتله بمكة يوم كذا ، وقال الآخر : أقر أنه قتله بمصر ذلك اليوم ، سقط قولهما ، ولو شهد أحدهما أنه قتله ، والآخر أنه أقر بقتله ، لم يثبت القتل ، ولكنه لوث ، فإن كان المدعى قتل عمد ، وأقسم الولي ، ترتب على القسامة حكمها ، وإن كان قتل خطأ ، حلف مع أي الشاهدين شاء ، وتعدد اليمين واتحادها على ما سبق ، فإن حلف مع شاهد القتل ، فالدية على العاقلة ، وإن حلف مع شاهد الإقرار ، ففي مال الجاني ، وإن ادعى قتل عمد ، فشهد أحدهما على إقراره بقتل عمد ، والآخر على إقراره بقتل مطلق أو أحدهما بقتل عمد ، والآخر بقتل مطلق ، ثبت أصل القتل ، لاتفاقهما عليه ، حتى لا يقبل من المدعى عليه إنكاره ، ويسأل عن صفة القتل ، فإن أصر على إنكار أصله ، قال له الحاكم : إن لم تبين صفته ، جعلتك ناكلا ، ورددت اليمين على المدعي أنك قتلت عمدا ، وحكمت عليك بالقصاص ، فإن بين صفته ، فقال : قتلته عمدا ، أجرى عليه حكمه ، وإن قال : قتلته خطأ ، وكذبه الولي ، فأطلق مطلقون أنه يصدق في نفي العمدية ، فيحلف وتجب دية خطأ في ماله ; لأنها تثبت بإقراره ، وإن نكل ، حلف ، ووجب القصاص ، واستدرك الإمام والغزالي ، فقالا : يصدق في نفي العمدية إن لم يكن هناك لوث ، فإن كان ، أقسم المدعي ويشبه أن يكون المراد لوث العمدية ، وإلا فأصل اللوث حاصل بأصل القتل لاتفاق الشاهدين ، وقد سبق خلاف في أنه لو ظهر لوث بأصل القتل دون كونه خطأ أو عمدا ، هل تثبت القسامة ؟ وهذا نازع إليه .

                                                                                                                                                                        [ ص: 40 ] فرع

                                                                                                                                                                        شهد أحدهما أنه قتله عمدا ، والآخر أنه قتله خطأ ، والدعوى بقتل عمد ، ففي ثبوت أصل القتل وجهان ، أصحهما : يثبت ، فإن قلنا : لا يثبت ، فحكمه كما سبق في صور التكاذب ، وإن قلنا : يثبت ، سئل الجاني ، فإن أقر بالعمد ، ثبت ، أو بخطأ وصدقه الولي ، ثبت ، وإن كذبه ، فللولي أن يقسم ; لأن معه شاهدا ، وذلك لوث هنا قطعا ، فإن أقسم الولي ، حكم بمقتضى القسامة ، وإلا فيحلف الجاني ، فإن حلف ، فالدية مخففة في ماله ، وإن نكل ، ففي رد اليمين على المدعي قولان سبقا ، فإن ردت ، وحلف ، ثبت موجب العمد ، فإن لم ترد ، أو ردت ، وامتنع من الحلف ، تثبت دية الخطأ في ماله ، وقال البغوي : إن كان المدعى قتل عمد ، فشهادة الخطأ لغو ، ويحلف الولي مع شاهد العمد خمسين يمينا ، ويثبت مقتضى القسامة ، وإن كان قتل خطأ ، فشهادة العمد لغو ، ويحلف مع شاهد الخطأ ، وتجب دية على العاقلة ، قال : ولو شهد أحدهما أنه أقر بقتله عمدا ، والآخر أنه أقر بقتله خطأ ، فالحكم كذلك إلا أنه إذا حلف مع شاهد الخطأ ، فالدية على الجاني إلا أن تصدقه العاقلة .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        شهدا أنه ضرب ملفوفا في ثوب ، فقده نصفين ، ولم يتعرضا لحياته وقت الضرب ، لم يثبت القتل بشهادتهما ، فلو اختلف الولي والجاني في حياته حينئذ ، فأيهما يصدق ؟ فيه قولان سبقا ، أظهرهما : الولي ، وفي موضع القولين ثلاث طرق ، أصحهما : إطلاقهما ، والثاني قاله أبو إسحاق : ينظر إلى الدم السائل ، فإن قال أهل الخبرة : هو دم حي ، صدق الولي ، وإن قالوا : دم ميت ، صدق الجاني ، وإن اشتبه ، ففيه [ ص: 41 ] القولان ، والثالث قاله أبو الحسن الطيبي ، بكسر الطاء وبالباء الموحدة : أنه إن كان ملفوفا في ثياب الأحياء ، صدق الولي ، وإن كان في الكفن ، صدق الجاني ، وإن اشتبه ، ففيه القولان ، فإن صدقنا الجاني ، فحلف ، برئ ، وإن صدقنا الولي ، فله الدية ، وفي القصاص وجهان ، قال الشيخ أبو حامد : لا ، للشبهة وقال الماسرجسي والقاضي أبو الطيب وغيرهما : يجب القصاص ; لأنه مقتضى تصديقه .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        شهد رجل على رجل أنه قتل زيدا ، وشهد آخر أنه قتل عمرا ، حصل اللوث في حقهما جميعا ، فيقسم الوليان ، نص عليه في " الأم " رضي الله عنه وبالله التوفيق .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية