الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وكلها ) أي : وكل الألفاظ من حيثية الاشتقاق وعدمه قسمان . قسم ( مشتق ) وهو ما دل على ذي صفة معينة ، كضارب وعالم ونحوهما ( و ) قسم ( غيره ) أي غير مشتق : وهو ما لم يدل على ذي صفة معينة كالجسم والإنسان والفرس ( و ) من حيث إنه وصف أو غير وصف قسمان أيضا : قسم ( صفة ) : إن دل على معنى قائم بذات كالحياة والعلم وقال العضد : " هنا الصفة ما تدل على ذات غير معينة باعتبار معنى معين كضارب " . ( و ) قسم ( غيرها ) أي غير صفة : إن لم يكن كذلك كالإنسان وزيد ونحوهما ( ويكون اللفظ الواحد متواطئا مشتركا ) باعتبارين ، كإطلاق لفظ " الخمر " على التمر والعنب . فيكون لفظ " الخمر " باعتبار نسبة التمر والعنب إليه متواطئا ، وباعتبار عدم النسبة مشتركا ( و ) يكون ( اللفظان متباينين مترادفين باعتبارين ) كلفظي " صارم " و " مهند " فإنهما متباينان بالنسبة إلى الصفة مترادفان بالنسبة إلى صدقهما على الحديدة المسماة بالسيف . وكذا " ناطق ، وفصيح " فإنهما متباينان بالنسبة إلى الاختلاف في المعنى ، مترادفان لصدقهما على موصوفهما [ ص: 43 ] من إنسان أو لسان .

( و ) اللفظ ( المشترك ) فيه ( واقع لغة ) أي في اللغة عند أصحابنا والشافعية والحنفية والأكثر من طوائف العلماء في الأسماء . كالقرء في الحيض والطهر ، والعين في الباصرة والجارية والذهب وعين الشمس وعين الميزان . وغير ذلك . وفي الأفعال كعسعس : لأقبل وأدبر ، وعسى : للترجي والإشفاق ، والمضارع للحال والاستقبال . ووقوع الماضي خبرا ودعاء . كغفر الله لنا ، وفي الحروف كالباء للتبعيض وبيان الجنس والاستعانة والسببية ونحوها ( جوازا ) لأنه لا يمتنع وضع لفظ واحد لمعنيين مختلفين على البدل من واضع واحد أو أكثر ويشتهر الوضع ، ومنع جمع وقوع المشترك في اللغة . وردوا ما قال الأكثر أنه مشترك إلى التواطؤ أو الحقيقة والمجاز ، وعلى الصحيح وهو كون المشترك واقعا في اللغة : لا فرق بين كون مفهوميه ( تباينا ) وهو أن لا يصدق أحدهما على الآخر . فإن لم يصح اجتماعهما فهما متضادان ، كالقرء الموضوع للطهر والحيض .

وإن صح اجتماعهما فهما متخالفان . قال في شرح التحرير عن الإسنوي : إنه لم يظفر لهما بمثال ( أو ) بين كون مفهوميه ( تواصلا ) بصدق أحدهما على الآخر ( بكونه ) أي بكون أحد المفهومين ( جزء ) المفهوم ( الآخر ) كلفظ " الممكن " فإنه موضوع للممكن بالإمكان العام والممكن بالإمكان الخاص ( أو ) بكونه ( لازمه ) أي لازم الآخر . كقولهم : طلعت الشمس . وجلسنا في الشمس فإن المراد بقولهم : جلسنا في الشمس : ضوء الشمس اللازم لها ( وكذا مترادف وقوعا ) يعني وكذا الخلاف في وقوع المترادف في اللغة . والصحيح الذي عليه أصحابنا والحنفية ، والشافعية : أنه واقع في اللغة في الأسماء ، والأفعال والحروف فمن أمثلته في الأسماء : الأسد والسبع والليث والغضنفر . فإنها كلها للحيوان المفترس المعروف ، وفي الأفعال : قعد وجلس وكذا مضى وذهب وفي الحروف : إلى ، وحتى . لانتهاء الغاية .

قال ابن القيم ، في روضة المحبين الأسماء الدالة على مسمى واحد نوعان .

أحدهما : أن تدل عليه باعتبار الذات فقط . فهذا هو المترادف ترادفا محضا . [ ص: 44 ] كالحنطة والبر والقمح ، [ والاسم والكنية ] واللقب إذا لم يكن فيه مدح ولا ذم ، وإنما أتى لمجرد التعريف . والنوع الثاني : أن يدل على ذات واحدة باعتبار تباين صفاتها . كأسماء الرب ، وأسماء كلامه و [ أسماء ] نبيه ، وأسماء اليوم الآخر فهذا النوع مترادف بالنسبة إلى الذات ، متباين بالنسبة إلى الصفات . فالرب والرحمن والعزيز والقدير ونحوها تدل على ذات واحدة باعتبار صفات متعددة . وكذلك : البشير والنذير ، والحاشر والعاقب ونحوها وكذلك يوم القيامة ويوم البعث ويوم الجمع ويوم التغابن ويوم الآزفة ونحوها . وكذلك القرآن والفرقان والكتاب والهدى ونحوها ، وكذلك أسماء السيف .

فإن تعددها بحسب أوصافها ، وأوصافها مختلفة ، كالمهند والعضب والصارم ونحوها . قال : وقد أنكر كثير من الناس الترادف في اللغة ، وكأنهم أرادوا هذا المعنى ، وأنه ما من اسمين لمسمى واحد إلا وبينهما فرق في صفة أو نسبة أو إضافة . سواء علمت لنا أو لم تعلم ، وهذا الذي قالوه صحيح باعتبار الواضع الواحد ، ولكن قد يقع الترادف باعتبار واضعين مختلفين ، يسمى أحدهما المسمى باسم ، ويسميه الواضع الآخر باسم غيره ، ويشتهر الوضعان عن القبيلة الواحدة ، وهذا كثير ومن هذا يقع الاشتراك أيضا فالأصل في اللغة : هو التباين ، وهو أكثر اللغة انتهى .

التالي السابق


الخدمات العلمية