الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ولا ترادف في حد غير لفظي ومحدود ) أما الحد اللفظي : كالحنطة والقمح فقد تقدم الكلام أنه من المترادف . وأما غير اللفظي : كالإنسان والحيوان الناطق : فالصحيح أنه غير مترادف ، لأن الترادف من عوارض المفردات ; لأنها الموضوعة . والحد مركب ، ولأن دلالة الحد والمحدود على المعنى غير متحدة . فإن الحد يدل على أجزاء المحدود بالمطابقة ، والمحدود يدل عليها بالتضمن ، ولأن المحدود يدل عليها من حيث الجملة والوحدة المجتمعة ، والحد يدل عليها من حيث التفصيل بذكر المادة ، والصورة من غير وحدة .

( ولا ) ترادف أيضا في نحو ( شذر مذر ) على الصحيح ، ونحو شذر مذر : حسن بسن ، وعطشان نطشان ، وشغر بغر ، وشيطان ليطان ، وحار يار ، وجائع نائع ، وثقف لقف ، وحياك الله [ ص: 45 ] وبياك ، وأسوان أتوان : أي حزين . وتافه نافه ، وحل بل ، وحقير نقير ، وعين حدرة بدرة : أي عظيمة ، وغض بض ، وخراب يباب ، وسمج لمج ، وسبع لبع ، وشكس لكس ، ويوم عك أك : إذا كان حلوا ، وعفريت نفريت ، وكثير بثير ، وفسيح لقيح ، وثقة لقة ، وهو أشق أمق خنق للطويل ، وفعلت ذلك على رغمه ودغمه ; لأن الذي بعد الأول تابع لا يفيد شيئا غير التقوية ، وشرط الترادف أن يفيد أحد المترادفين لو انفرد ، لأنه مثل مرادفه في الرتبة ( ولا ) ترادف أيضا في ( تأكيد ) لأن اللفظ المؤكد به تابع للمؤكد ، فلا يرادفه لعدم استقلاله .

( وأفاد التابع التقوية ) لأنه لم يوضع عبثا ( وهو ) أي التابع ( على زنة متبوعه ) حتى لو وجد ما ليس على زنته لم يحكم بأنه من هذا الباب ( و ) اللفظ ( المؤكد ) لمتبوعه ( يقوي ) متبوعه ، لأن التأكيد هو التقوية باللفظ ( و ) يزيد على التقوية بكونه ( ينفي احتمال المجاز ) وأنكرت الملاحدة كون القرآن كلام الله تعالى بسبب وقوع التوكيد فيه ، لزعمهم القصور عن تأدية ما في النفس ، والله تعالى منزه عن ذلك ، وجهلوا كون الله تعالى وتقدس خاطب عباده على نهج لغة العرب ( ويقوم كل مترادف ) من مترادفين ( مقام الآخر في التركيب ) لأن المقصود من التركيب إنما هو المعنى دون اللفظ . فإذا صح المعنى مع أحد اللفظين وجب أن يصح مع الآخر ; لاتحاد معناهما .

ولا يرد على ذلك ما تعبد بلفظه ، كالتكبير ونحوه ; لأن المنع هناك لعارض شرعي . والبحث هنا من حيث اللغة . ( فائدة ) الفائدة في الأصل : الزيادة تحصل للإنسان ، اسم فاعل من قولك فادت له فائدة من باب باع ، وأفدته إفادة أعطيته ، وأفدت منه مالا أخذته .

وفائدة العلم والأدب من هذا ( العلم ) من أقسام الجزئي لا الكلي ، وهو ( اسم يعين مسماه ) فقولنا " اسم " جنس مخرج لما سواه من الأفعال والحروف . وقولنا " يعين مسماه " فصل مخرج للنكرات . وقولنا ( مطلقا ) مخرج لما سوى العلم من المعارف . فإنه لا يعينه إلا بقرينة : إما لفظية ، مثل " أل " أو معنوية ، [ ص: 46 ] كالحضور والغيبة ، في أنت وهو . وهذا الحد لابن مالك . وهو قسمان : قسم شخصي . وهو الموضوع للحقيقة بقيد الشخص الخارجي ، وهو المراد بقوله ( فإن كان التعيين خارجيا فعلم شخص ) كجعفر ، علم رجل ، وخرنق علم امرأة ، وأشير إلى القسم الثاني بقوله ( وإلا ) أي وإن لم يكن التعيين خارجيا ، بأن لم يوضع على شخص موجود في الخارج ، وإنما وضع للماهية بقيد الشخص الذهني ( ف ) علم ( جنس ) كأسامة ، فإنه علم على الأسد بقيد تشخص ماهيته في ذهن الواضع .

وكذا ثعالة على الثعلب ، فإن كلا منهما لم يوضع على واحد من جنسه بعينه . فتشمل الماهية كل أفراد الجنس ، ولا يختص ذلك بما لا يؤلف من الوحوش ، بل يكون أيضا لبعض المألوفات . كأبي المضاء لجنس الفرس ( و ) الاسم ( الموضوع للماهية من حيث هي ) أي لا بقيد تشخصها في الذهن ، ولا عدم تشخصها . كأسد فهو ( اسم جنس ) إذا تقرر هذا : فعلم الجنس يساوي علم الشخص في أحكامه اللفظية : من كونه لا يضاف ، ولا يدخل عليه حرف التعريف ، ولا ينعت بنكرة ، ولا يقبح مجيئه مبتدأ ، ولا انتصاب النكرة بعده على الحال ، ولا يصرف منه ما فيه سبب زائد على العلمية . ويفارقه من جهة المعنى لعمومه ، إذ هو خاص شائع في حالة واحدة . فخصوصه باعتبار تعيينه الحقيقة في الذهن ، وشياعه باعتبار أن لكل شخص من أشخاص نوعه قسطا من تلك الحقيقة في الخارج .

وأما الفرق بين علم الجنس واسم الجنس : فقال بعضهم : إن اسم الجنس الذي هو أسد : موضوع لفرد من أفراد النوع بعينه ، فالتعدد فيه من أصل الوضع ، وإن علم الجنس الذي هو أسامة موضوع للحقيقة المتحدة في الذهن . فإذا أطلقت أسدا على واحد أطلقته على أصل وضعه ، وإذا أطلقت أسامة على الواحد فإنما أردت الحقيقة ، ويلزم من ذلك التعدد في الخارج . فالتعدد فيه ضمنا لا قصدا بالوضع ، ويتساويان في صدقهما على صورة الأسد ، إلا أن علم الجنس وضع لها من حيث خصوصها باستحضارها في الذهن ، واسم الجنس وضع لها من حيث عمومها .

التالي السابق


الخدمات العلمية