الضرب الخامس : هو
nindex.php?page=treesubj&link=20802المفهوم ، ومعناه الاستدلال بتخصيص الشيء بالذكر على نفي الحكم عما عداه ، ويسمى مفهوما ; لأنه مفهوم مجرد لا يستند إلى منطوق ، وإلا فما دل عليه المنطوق أيضا مفهوم ، وربما سمي هذا دليل الخطاب ، ولا التفات إلى الأسامي ، وحقيقته أن تعليق الحكم بأحد وصفي الشيء يدل على نفيه عما يخالفه في الصفة كقوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=95ومن قتله منكم متعمدا } ، وكقوله عليه السلام : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=25141في سائمة الغنم الزكاة } {
nindex.php?page=hadith&LINKID=16761، والثيب أحق بنفسها من وليها } {
nindex.php?page=hadith&LINKID=42879، ومن باع نخلة مؤبرة فثمرتها للبائع } فتخصيص العمد ، والسوم والثيوبة ، والتأبير بهذه الأحكام هل يدل على نفي الحكم عما عداها ؟ فقال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي nindex.php?page=showalam&ids=16867، ومالك ، والأكثرون من أصحابهما : إنه يدل ، وإليه ذهب
الأشعري إذ احتج في إثبات خبر الواحد بقوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=6إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا } قال : هذا يدل على أن العدل بخلافه .
واحتج في مسألة الرؤية بقوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=83&ayano=15كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون } قال : وهذا يدل على أن المؤمنين بخلافهم ، وقال جماعة من المتكلمين ، ومنهم
nindex.php?page=showalam&ids=12604القاضي ، وجماعة من حذاق الفقهاء ، ومنهم
ابن شريح : إن ذلك لا دلالة له ، وهو الأوجه عندنا ، ويدل عليه مسالك الأول : أن إثبات زكاة السائمة مفهوم ، أما نفيها عن المعلوفة اقتباسا من مجرد الإثبات لا يعلم إلا بنقل من أهل اللغة متواتر أو جار مجرى المتواتر ، والجاري مجرى المتواتر كعلمنا بأن قولهم " ضروب ، وقتول " ، وأمثاله للتكثير ، وأن قولهم عليم ، وأعلم ، وقدير ، وأقدر " للمبالغة ، أعني : الأفعل . أما نقل الآحاد فلا يكفي إذ الحكم على لغة ينزل عليها كلام الله تعالى بقول الآحاد مع جواز الغلط لا سبيل إليه .
فإن قيل : فمن نفى المفهوم افتقر إلى نقل متواتر أيضا .
قلنا : لا حاجة إلى حجة فيما لم يضعوه فإن ذلك لا يتناهى ، إنما الحجة على من يدعي الوضع .
الثاني : حسن الاستفهام ، فإن من قال : ضربك زيد عامدا فاضربه حسن أن يقول : فإن ضربني خاطئا أفأضربه ؟ ، وإذا قال : أخرج الزكاة من ماشيتك السائمة حسن أن يقول : هل أخرجها من المعلوفة ، وحسن الاستفهام يدل على أن ذلك غير مفهوم ، فإنه لا يحسن في المنطوق ، وحسن في المسكوت عنه . فإن قيل : حسن ; لأنه قد لا يراد به النفي مجازا .
قلنا : الأصل أنه إذا احتمل ذلك كان حقيقة ، وإنما يرد إلى المجاز بضرورة دليل ، ولا دليل .
المسلك الثالث : أنا نجدهم يعلقون الحكم على الصفة تارة مع مساواة المسكوت عنه للمنطوق ، وتارة مع المخالفة فالثبوت للموصوف معلوم منطوق ، والنفي عن المسكوت محتمل ، فليكن على الوقف إلى البيان بقرينة زائدة ، ودليل آخر . أما دعوى كونه مجازا عند الموافقة حقيقة عند المخالفة فتحكم بغير دليل يعارضه عكسه من غير ترجيح .
المسلك الرابع : أن الخبر عن ذي الصفة لا ينفي غير الموصوف ، فإذا قال : قام
[ ص: 266 ] الأسود أو خرج أو قعد ، لم يدل على نفيه على الأبيض بل هو سكوت عن الأبيض ، وإن منع ذلك مانع ، وقد قيل به لزمه تخصيص اللقب ، والاسم العلم حتى يكون قولك رأيت زيدا نفيا للرؤية عن غيره ، وإذا قال : ركب زيد ، دل على نفي الركوب عن غيره ، وقد تبع هذا بعضهم ، وهو بهت ، واختراع على اللغات كلها ، فإن قولنا : رأيت زيدا لا يوجب نفي رؤيته عن ثوب زيد ، ودابته ، وخادمه ، ولا عن غيره ; إذ يلزم أن يكون قوله : زيد عالم " كفرا ; لأنه نفي للعلم عن الله ، وملائكته ، ورسله ، وقوله
عيسى نبي الله " كفرا ; لأنه نفي للنبوة عن
محمد عليه السلام ، وعن غيره من الأنبياء .
فإن قيل : هذا قياس الوصف على اللقب ، ولا قياس في اللغة .
قلنا : ما قصدنا به إلا ضرب مثال ليتنبه به حتى يعلم أن الصفة لتعريف الموصوف فقط ، كما أن أسماء الأعلام لتعريف الأشخاص ، ولا فرق بين قوله : " في الغنم زكاة " في نفي الزكاة عن البقر ، والإبل ، وبين قوله : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=25141في سائمة الغنم زكاة } في نفي الزكاة عن المعلوف .
المسلك الخامس : أنا كما أنا لا نشك في أن للعرب طريقا إلى الخبر عن مخبر واحد ، واثنين ، وثلاثة اقتصارا عليه مع السكوت عن الباقي ، فلها طريق أيضا في الخبر عن الموصوف بصفة فتقول : رأيت الظريف ، وقام الطويل ، ونكحت الثيب ، واشتريت السائمة ، وبعت النخلة المؤبرة ، فلو قال بعد ذلك : نكحت البكر أيضا ، واشتريت المعلوفة أيضا لم يكن هذا مناقضا للأول ، ورفعا له ، وتكذيبا لنفسه ، كما لو قال : ما نكحت الثيب ، وما اشتريت السائمة ، ولو فهم النفي كما فهم الإثبات لكان الإثبات بعده تكذيبا ، ومضادا لما سبق .
وقد احتج القائلون بالمفهوم بمسالك .
الأول : أن
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمه الله من جملة العرب ، ومن علماء اللغة ، وقد قال بدليل الخطاب ، وكذلك
أبو عبيدة من أئمة اللغة ، وقد قال في قوله : عليه السلام : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=33760لي الواجد ظلم يحل عرضه ، وعقوبته } فقال : دليله أن من ليس بواجد لا يحل ذلك منه ، وفي قوله : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=29603لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحا حتى يريه خير من أن يمتلئ شعرا } فقيل : إنه أراد الهجاء ، والسب أو هجو الرسول عليه السلام فقال : ذلك حرام قليله ، وكثيره امتلأ به الجوف أو قصر ، فتخصيصه بالامتلاء يدل على أن ما دونه بخلافه ، وأن من لم يتجرد للشعر ليس مرادا بهذا الوعيد .
والجواب أنهما إن قالاه عن اجتهاد فلا يجب تقليدهما ، وقد صرحا بالاجتهاد إذ قالا : لو لم يدل على النفي لما كان للتخصيص بالذكر فائدة . ، وهذا الاستدلال معرض للاعتراض كما سيأتي ، فليس على المجتهد قبول قول من لم تثبت عصمته عن الخطإ فيما يظنه بأهل اللغة ، وبالرسول ، وإن كان ما قالاه عن نقل فلا يثبت هذا بقول الآحاد ، ويعارضه أقوال جماعة أنكروه ، وقد قال قوم : لا تثبت اللغة بنقل أرباب المذاهب ، والآراء فإنهم يميلون إلى نصرة مذاهبهم فلا تحصل الثقة بقولهم
المسلك الثاني : أن الله تعالى قال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=80إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم } فقال عليه السلام : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=29353لأزيدن على السبعين } فهذا يدل على أن حكم ما عدا
[ ص: 267 ] السبعين بخلافه ، والجواب من أوجه :
الأول : أن هذا خبر واحد لا تقوم به الحجة في إثبات اللغة ، ، والأظهر أنه غير صحيح ; لأنه عليه السلام أعرف الخلق بمعاني الكلام ، وذكر السبعين جرى مبالغة في اليأس ، وقطع الطمع عن الغفران كقول القائل : اشفع أو لا تشفع ، وإن شفعت لهم سبعين مرة لم أقبل منك شفاعتك .
الثاني : أنه قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=29353لأزيدن على السبعين } ، ولم يقل ليغفر لهم ، فما كان ذلك لانتظار الغفران بل لعله لاستمالة قلوب الأحياء منهم لما رأى من المصلحة فيهم ولترغيبهم في الدين لا لانتظار غفران الله تعالى مع المبالغة في اليأس ، وقطع الطمع .
الجواب الثالث : أن تخصيص نفي المغفرة بالسبعين أدل على جواز المغفرة بعد السبعين أو على وقوعه ، فإن قلتم على وقوعه فهو خلاف الإجماع ، وإن قلتم على جوازه فقد كان الجواز ثابتا بالعقل قبل الآية فانتفى الجواز المقدر بالسبعين ، والزيادة ثبت جوازها بدليل العقل لا بالمفهوم .
المسلك الثالث لهم : أن الصحابة قالوا : الماء من الماء منسوخ بقول
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة رضي الله عنها : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=9659إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل } فلو لم يتضمن نفي الماء عن غير الماء لما كان وجوبه بسبب آخر نسخا له ، فإنه لم ينسخ وجوبه بالماء بل انحصاره عليه ، واختصاصه به ، والجواب من أوجه :
الأول : أن هذا نقل آحاد ، ولا تثبت به اللغة .
الثاني : أنه يصح عن قوم مخصوصين لا عن كافة الصحابة ، فيكون ذلك مذهبا لهم بطريق الاجتهاد ، ولا يجب تقليدهم .
الثالث : أنه يحتمل أنهم فهموا منه أن كل الماء من الماء ، ففهموا من لفظ الماء المذكور أولا العموم ، والاستغراق لجنس استعمال الماء ، وفهموا أخيرا كون خبر التقاء الختانين نسخا لعموم الأول لا لمفهومه ، ودليل خطابه ، وكل عام أريد به الاستغراق فالخاص بعده يكون نسخا لبعضه ، ويتقابلان إن اتحدت الواقعة .
الرابع : أنه نقل عنه عليه السلام أنه قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=31039لا ماء إلا من الماء } ، وهذا تصريح بطرفي النفي ، والإثبات كقوله عليه السلام {
nindex.php?page=hadith&LINKID=31084لا نكاح إلا بولي ، ولا صلاة إلا بطهور } ، وروي {
أنه أتى باب رجل من الأنصار فصاح به فلم يخرج ساعة ثم خرج ، ورأسه يقطر ماء فقال عليه السلام : عجلت عجلت ، ولم تنزل فلا تغتسل فالماء من الماء } ، وهذا تصريح بالنفي فرأوا خبر التقاء الختانين ناسخا لما فهم من هذه الأدلة .
الخامس : أنه قال في رواية : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=12449إنما الماء من الماء } ، وقد قال بعض منكري المفهوم : إن هذا للحصر ، والنفي ، والإثبات ، ولا مفهوم للقب ، والماء اسم لقب فدل أنه مأخوذ من الحصر الذي دل عليه الألف ، واللام ، وقوله : " إنما " ، ولم يقل أحد من الصحابة إن المنسوخ مفهوم هذا اللفظ ، فلعل المنسوخ عمومه أو حصره المعلوم بمجرد التخصيص ، والكلام في مجرد التخصيص .
المسلك الرابع : قولهم : إن {
nindex.php?page=hadith&LINKID=34234 nindex.php?page=showalam&ids=120يعلى بن أمية قال nindex.php?page=showalam&ids=2لعمر رضي الله عنه : ما بالنا نقصر ، وقد أمنا ؟ فقال : تعجبت مما تعجبت فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فقال : هي صدقة تصدق الله بها عليكم - أو على عباده - فاقبلوا صدقته } ، وتعجبهما من بطلان مفهوم تخصيص قوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=101إن خفتم }
قلنا : لأن الأصل الإتمام ، واستثنى حالة الخوف فكان الإتمام واجبا عند عدم الخوف بحكم الأصل لا بالتخصيص
[ ص: 268 ]
المسلك الخامس : أن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما فهم من قوله : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=12432إنما الربا في النسيئة } نفي ربا الفضل ، وكذلك عقل من قوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=11فإن كان له إخوة فلأمه السدس } أنه إن كان له أخوان فلأمه الثلث ، وكذلك قال : " الأخوات لا يرثن مع الأولاد لقوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=176إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك } فإنه لما جعل لها النصف بشرط عدم الولد دل على انتفائه عند وجود الولد . والجواب عن هذا من أوجه :
الأول : أن هذا غايته أن يكون مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، ولا حجة فيه .
الثاني : أن جميع الصحابة خالفوه في ذلك ، فإن دل مذهبه عليه دل مذهبهم على نقيضه .
الثالث : أنه لم يثبت أنه دفع ربا الفضل بمجرد هذا اللفظ بل ربما دفعه بدليل آخر ، وقرينة أخرى .
الرابع : أنه لعله اعتقد أن البيع أصله على الإباحة بدليل العقل أو عموم قوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=275، وأحل الله البيع وحرم الربا } فإذا كان النهي قاصرا على النسيئة كان الباقي حلالا بالعموم ، ودليل العقل لا بالمفهوم .
الخامس : أنه روي أنه قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=30745لا ربا إلا في النسيئة } ، وهذا نص في النفي ، والإثبات ، وقوله : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=12432إنما الربا في النسيئة } أيضا قد أقر به بعض منكري المفهوم لما فيه من الحصر .
المسلك السادس : أنه إذا قال : اشتر لي عبدا أسود ، يفهم نفي الأبيض ، وإذا قال : اضربه إذا قام : يفهم المنع إذا لم يقم .
قلنا : هذا باطل ، بل الأصل منع الشراء ، والضرب إلا فيما أذن ، والإذن قاصر فبقي الباقي على النفي ، وتولد منه درك الفرق بين الأبيض ، والأسود ، وعماد الفرق إثبات ، ونفي ، ومستند النفي الأصل ، ومستند الإثبات الإذن القاصر ، والذهن إنما يتنبه للفرق عند الإذن القاصر على الأسود فإنه يذكر الأبيض ، فيسبق إلى الأوهام العامية أن إدراك الذهن هذا الاختصاص ، والفرق من الذكر القاصر لا بل هو عند الذكر القاصر لكن أحد طرفي الفرق حصل من الذكر ، والآخر كان حاصلا في الأصل ، فيذكره عند التخصيص فكان حصول الفرق عنده لا به ; فهذا مزلة القدم ، وهو دقيق ولأجله غلط الأكثرون .
، ويدل عليه أيضا أنه لو عرض على البيع شاة ، وبقرة ، وغانما ، وسالما ، وقال : اشتر غانما ، والشاة لسبق إلى الفهم الفرق بين غانم ، وسالم ، وبين البقرة ، والشاة ، واللقب لا مفهوم له بالاتفاق عند كل محصل إذ قوله : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=29944لا تبيعوا البر بالبر } لم يدل على نفي الربا من غير الأشياء الستة بالاتفاق ، ولو دل لانحسم باب القياس ، وأن القياس فائدته إبطال التخصيص ، وتعدية الحكم من المنصوص إلى غيره ; لكن مزلة القدم ما ذكرناه ، وهو جار في كل ما يتضمن الاقتطاع من أصل ثابت كقوله : أنت طالق إن دخلت الدار ; فإن لم تدخل لم تطلق ; لأن الأصل عدم الطلاق لا لتخصيص الدخول ، بدليل أنه لو قال : إن دخلت فلست بطالق ، فلا يقع إذا لم تدخل ; لأنه ليس الأصل وقوع الطلاق حتى يكون تخصيص النفي بالدخول موجبا للرجوع إلى الأصل عند عدم الدخول ، وهذا واضح .
المسلك السابع : وعليه تعويل الأكثرين ، وهو السبب الأعظم في وقوع هذا الوهم : أن تخصيص الشيء بالذكر لا بد أن تكون له فائدة فإن استوت السائمة ، والمعلوفة ، والثيب ، والبكر ، والعمد ، والخطأ فلم خصص البعض بالذكر ، والحكم شامل ، والحاجة إلى البيان تعم
[ ص: 269 ] القسمين فلا داعي له إلى اختصاص الحكم ، وإلا صار الكلام لغوا ، والجواب من أربعة أوجه :
الأول : أن هذا عكس الواجب ، فإنكم جعلتم طلب الفائدة طريقا إلى معرفة وضع اللفظ ، وينبغي أن يفهم أولا الوضع ثم ترتب الفائدة عليه ،
nindex.php?page=treesubj&link=20820، والعلم بالفائدة ثمرة معرفة الوضع أما أن يكون الوضع تبع معرفة الفائدة فلا .
الثاني : هو أن عماد هذا الكلام أصلان
أحدهما : أنه لا بد من فائدة التخصيص
والثاني : أنه لا فائدة إلا اختصاص الحكم ، والنتيجة أنه الفائدة إذا ، ومسلم أنه لا بد من فائدة ; لكن الأصل الثاني ، وهو أنه لا فائدة إلا هذا فغير مسلم فلعل فيه فائدة ، فليست الفائدة محصورة في هذا بل البواعث على التخصيص كثيرة ، واختصاص الحكم أحد البواعث . فإن قيل : فلو كان له فائدة أو عليه باعث سوى اختصاص الحكم لعرفناه .
قلنا ولم قلتم إن كل فائدة ينبغي أن تكون معلومة لكم ؟ فلعلها حاضرة ، ولم تعثروا عليها ، فكأنما جعلتم عدم علم الفائدة علما بعدم الفائدة ، وهذا خطأ فعماد هذا الدليل هو الجهل بفائدة أخرى .
الثالث : وهو قاصمة الظهر على هذا المسلك : أن تخصيص اللقب لا يقول به محصل فلم لم تطلبوا الفائدة فيه ؟ فإذا خصص الأشياء الستة في الربا ، وعمم الحكم في المكيلات ، والمطعومات كلها ، وخصص الغنم بالزكاة مع وجوبها في الإبل ، والبقر فما سببه مع استواء الحكم ؟ فيقال : لعل إليه داعيا من سؤال أو حاجة أو سبب لا نعرفه ، فليكن كذلك في تخصيص الوصف .
الرابع : أن في تخصيص الحكم بالصفة الخاصة فوائد .
الأولى : أنه لو استوعب جميع محل الحكم لم يبق للاجتهاد مجال فأراد بتخصيص بعض الألقاب ، والأوصاف بالذكر أن يعرض المجتهدين لثواب جزيل في الاجتهاد إذ بذلك تتوفر دواعيهم على العلم ، ويدوم العلم محفوظا بإقبالهم ، ونشاطهم في الفكر ، والاستنباط ، ولولا هذا لذكر لكل حكم رابطة عامة جامعة لجميع مجاري الحكم حتى لا يبقى للقياس مجال .
الثانية : أنه لو قال : " في الغنم زكاة " ، ولم يخصص السائمة لجاز للمجتهد إخراج السائمة عن العموم بالاجتهاد الذي ينقدح له ، فخص السائمة بالذكر لتقاس المعلوفة عليها إن رأى أنها في معناها أو لا تلحق بها فتبقى السائمة بمعزل عن محل الاجتهاد ، وكذلك لو قال : " لا تبيعوا الطعام بالطعام " ربما أدى اجتهاد مجتهد إلى إخراج البر ، والتمر ، فنص على ما لا وجه لإخراجه ، وترك ما هو موكول إلى الاجتهاد لا سيما ، ولو ذكر الطعام أو الغنم ، وهو لفظ عام لصار عند
الواقفية محتملا للعموم وللبر خاصة أو التمر خاصة وللمعلوفة خاصة وللسائمة خاصة ، فأخرج المخصوص عن محل الوقف ، والشك ورد الباقي إلى الاجتهاد لما رأى فيه من اللطف ، والصلاح .
الثالثة : أن يكون الباعث على التخصيص للأشياء الستة عموم وقوع أو خصوص سؤال أو وقوع واقعة أو اتفاق معاملة فيها خاصة أو غير ذلك من أسباب لا نطلع عليها ، فعدم علمنا بذلك لا ينزل بمنزلة علمنا بعدم ذلك ، بل نقول : لعل إليه داعيا لم نعرفه فكذلك في الأوصاف .
المسلك الثامن : قولهم إن التعليق بالصفة كالتعليق بالعلة ، وذلك يوجب الثبوت بثبوت العلة ، والانتفاء بانتفائها ، والجواب : أن الخلاف في العلة ، والصفة واحدة فتعليق الحكم بالعلة يوجب ثبوته بثبوتها أما انتفاؤه بانتفائها فلا بل يبقى بعد انتفاء العلة على ما
[ ص: 270 ] يقتضيه الأصل ، وكيف ، ونحن نجوز تعليل الحكم بعلتين ؟ فلو كان إيجاب القتل بالردة نافيا للقتل عند انتفائها لكان إيجاب القصاص نسخا لذلك النفي ، بل فائدة ذكر العلة معرفة الرابطة فقط ، وليس من فائدته أيضا تعدية العلة من محلها إلى غير محلها فإن ذلك عرف بورود التعبد بالقياس ، ولولاه لكان قوله : حرمت عليكم الخمر لشدتها ، لا يوجب تحريم النبيذ المشتد بل يجوز أن تكون العلة شدة الخمر خاصة إلى أن يرد دليل ، وتعبد باتباع العلة ، وترك الالتفات إلى المحل .
المسلك التاسع : استدلالهم بتخصيصات في الكتاب ، والسنة خالف الموصوف فيها غير الموصوف بتلك الصفات ، وسبيل الجواب عن جميعها إما لبقائها على الأصل أو معرفتها بدليل آخر أو بقرينة ، ولو دل ما ذكروه لدلت تخصيصات في الكتاب ، والسنة لا أثر لها على نقيضه كقوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=95ومن قتله منكم متعمدا } في جزاء الصيد إذ يجب على الخاطئ ، وقوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=92ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة } إذ تجب على العامد عند
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمه الله ، وقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=101ليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم } الآية ، وقوله في الخلع : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=35وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها } ، وقوله عليه السلام : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=8984أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها } إلى أمثال له لا تحصى .
الضَّرْبُ الْخَامِسُ : هُوَ
nindex.php?page=treesubj&link=20802الْمَفْهُومُ ، وَمَعْنَاهُ الِاسْتِدْلَال بِتَخْصِيصِ الشَّيْءِ بِالذِّكْرِ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَاهُ ، وَيُسَمَّى مَفْهُومًا ; لِأَنَّهُ مَفْهُومٌ مُجَرَّدٌ لَا يَسْتَنِدُ إلَى مَنْطُوقٍ ، وَإِلَّا فَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْمَنْطُوقُ أَيْضًا مَفْهُومٌ ، وَرُبَّمَا سُمِّيَ هَذَا دَلِيلَ الْخِطَابِ ، وَلَا الْتِفَاتَ إلَى الْأَسَامِي ، وَحَقِيقَتُهُ أَنَّ تَعْلِيقَ الْحُكْمِ بِأَحَدِ وَصْفَيْ الشَّيْءِ يَدُلُّ عَلَى نَفْيِهِ عَمَّا يُخَالِفُهُ فِي الصِّفَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=95وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا } ، وَكَقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=25141فِي سَائِمَةِ الْغَنَمِ الزَّكَاةُ } {
nindex.php?page=hadith&LINKID=16761، وَالثَّيِّبُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا } {
nindex.php?page=hadith&LINKID=42879، وَمَنْ بَاعَ نَخْلَةً مُؤَبَّرَةً فَثَمَرَتُهَا لِلْبَائِعِ } فَتَخْصِيصُ الْعَمْدِ ، وَالسَّوْمِ وَالثُّيُوبَةِ ، وَالتَّأْبِيرِ بِهَذِهِ الْأَحْكَامِ هَلْ يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَاهَا ؟ فَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ nindex.php?page=showalam&ids=16867، وَمَالِكٌ ، وَالْأَكْثَرُونَ مِنْ أَصْحَابِهِمَا : إنَّهُ يَدُلُّ ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ
الْأَشْعَرِيُّ إذْ احْتَجَّ فِي إثْبَاتِ خَبَرِ الْوَاحِدِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=6إنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا } قَالَ : هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعَدْلَ بِخِلَافِهِ .
وَاحْتَجَّ فِي مَسْأَلَةِ الرُّؤْيَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=83&ayano=15كَلًّا إنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ } قَالَ : وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ بِخِلَافِهِمْ ، وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ ، وَمِنْهُمْ
nindex.php?page=showalam&ids=12604الْقَاضِي ، وَجَمَاعَةٌ مِنْ حُذَّاقِ الْفُقَهَاءِ ، وَمِنْهُمْ
ابْنُ شُرَيْحٍ : إنَّ ذَلِكَ لَا دَلَالَةَ لَهُ ، وَهُوَ الْأَوْجَهُ عِنْدَنَا ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَسَالِكُ الْأَوَّلُ : أَنَّ إثْبَاتَ زَكَاةِ السَّائِمَةِ مَفْهُومٌ ، أَمَّا نَفْيُهَا عَنْ الْمَعْلُوفَةِ اقْتِبَاسًا مِنْ مُجَرَّدِ الْإِثْبَاتِ لَا يُعْلَمُ إلَّا بِنَقْلٍ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ مُتَوَاتِرٍ أَوْ جَارٍ مَجْرَى الْمُتَوَاتِرِ ، وَالْجَارِي مَجْرَى الْمُتَوَاتِرِ كَعِلْمِنَا بِأَنَّ قَوْلَهُمْ " ضَرُوبٌ ، وَقَتُولٌ " ، وَأَمْثَالَهُ لِلتَّكْثِيرِ ، وَأَنَّ قَوْلَهُمْ عَلِيمٌ ، وَأَعْلَمُ ، وَقَدِيرٌ ، وَأَقْدَرُ " لِلْمُبَالَغَةِ ، أَعْنِي : الْأَفْعَلَ . أَمَّا نَقْلُ الْآحَادِ فَلَا يَكْفِي إذْ الْحُكْمُ عَلَى لُغَةٍ يُنَزَّلُ عَلَيْهَا كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى بِقَوْلِ الْآحَادِ مَعَ جَوَازِ الْغَلَطِ لَا سَبِيلَ إلَيْهِ .
فَإِنْ قِيلَ : فَمَنْ نَفَى الْمَفْهُومَ افْتَقَرَ إلَى نَقْلٍ مُتَوَاتِرٍ أَيْضًا .
قُلْنَا : لَا حَاجَةَ إلَى حُجَّةٍ فِيمَا لَمْ يَضَعُوهُ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَتَنَاهَى ، إنَّمَا الْحُجَّةُ عَلَى مَنْ يَدَّعِي الْوَضْعَ .
الثَّانِي : حُسْنُ الِاسْتِفْهَامِ ، فَإِنَّ مَنْ قَالَ : ضَرَبَكَ زَيْدٌ عَامِدًا فَاضْرِبْهُ حَسُنَ أَنْ يَقُولَ : فَإِنْ ضَرَبَنِي خَاطِئًا أَفَأَضْرِبْهُ ؟ ، وَإِذَا قَالَ : أَخْرِجْ الزَّكَاةَ مِنْ مَاشِيَتِكَ السَّائِمَةِ حَسُنَ أَنْ يَقُولَ : هَلْ أُخْرِجُهَا مِنْ الْمَعْلُوفَةِ ، وَحُسْنُ الِاسْتِفْهَامِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مَفْهُومٍ ، فَإِنَّهُ لَا يَحْسُنُ فِي الْمَنْطُوقِ ، وَحَسُنَ فِي الْمَسْكُوتِ عَنْهُ . فَإِنْ قِيلَ : حَسُنَ ; لِأَنَّهُ قَدْ لَا يُرَادُ بِهِ النَّفْيُ مَجَازًا .
قُلْنَا : الْأَصْلُ أَنَّهُ إذَا احْتَمَلَ ذَلِكَ كَانَ حَقِيقَةً ، وَإِنَّمَا يُرَدُّ إلَى الْمَجَازِ بِضَرُورَةِ دَلِيلٍ ، وَلَا دَلِيلَ .
الْمَسْلَكُ الثَّالِثُ : أَنَّا نَجِدُهُمْ يُعَلِّقُونَ الْحُكْمَ عَلَى الصِّفَةِ تَارَةً مَعَ مُسَاوَاةِ الْمَسْكُوتِ عَنْهُ لِلْمَنْطُوقِ ، وَتَارَةً مَعَ الْمُخَالَفَةِ فَالثُّبُوتُ لِلْمَوْصُوفِ مَعْلُومٌ مَنْطُوقٌ ، وَالنَّفْيُ عَنْ الْمَسْكُوتِ مُحْتَمَلٌ ، فَلْيَكُنْ عَلَى الْوَقْفِ إلَى الْبَيَانِ بِقَرِينَةٍ زَائِدَةٍ ، وَدَلِيلٍ آخَرَ . أَمَّا دَعْوَى كَوْنِهِ مَجَازًا عِنْدَ الْمُوَافَقَةِ حَقِيقَةً عِنْدَ الْمُخَالَفَةِ فَتَحَكُّمٌ بِغَيْرِ دَلِيلٍ يُعَارِضُهُ عَكْسُهُ مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ .
الْمَسْلَكُ الرَّابِعُ : أَنَّ الْخَبَرَ عَنْ ذِي الصِّفَةِ لَا يَنْفِي غَيْرَ الْمَوْصُوفِ ، فَإِذَا قَالَ : قَامَ
[ ص: 266 ] الْأَسْوَدُ أَوْ خَرَجَ أَوْ قَعَدَ ، لَمْ يَدُلَّ عَلَى نَفْيِهِ عَلَى الْأَبْيَضِ بَلْ هُوَ سُكُوتٌ عَنْ الْأَبْيَضِ ، وَإِنْ مَنَعَ ذَلِكَ مَانِعٌ ، وَقَدْ قِيلَ بِهِ لَزِمَهُ تَخْصِيصُ اللَّقَبِ ، وَالِاسْمِ الْعَلَمِ حَتَّى يَكُونَ قَوْلُكَ رَأَيْتُ زَيْدًا نَفْيًا لِلرُّؤْيَةِ عَنْ غَيْرِهِ ، وَإِذَا قَالَ : رَكِبَ زَيْدٌ ، دَلَّ عَلَى نَفْيِ الرُّكُوبِ عَنْ غَيْرِهِ ، وَقَدْ تَبِعَ هَذَا بَعْضُهُمْ ، وَهُوَ بُهْتٌ ، وَاخْتِرَاعٌ عَلَى اللُّغَاتِ كُلِّهَا ، فَإِنَّ قَوْلَنَا : رَأَيْتُ زَيْدًا لَا يُوجِبُ نَفْيَ رُؤْيَتِهِ عَنْ ثَوْبِ زَيْدٍ ، وَدَابَّتِهِ ، وَخَادِمِهِ ، وَلَا عَنْ غَيْرِهِ ; إذْ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ : زَيْدٌ عَالِمٌ " كُفْرًا ; لِأَنَّهُ نَفْيٌ لِلْعِلْمِ عَنْ اللَّهِ ، وَمَلَائِكَتِهِ ، وَرُسُلِهِ ، وَقَوْلُهُ
عِيسَى نَبِيُّ اللَّهِ " كُفْرًا ; لِأَنَّهُ نَفْيٌ لِلنُّبُوَّةِ عَنْ
مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَعَنْ غَيْرِهِ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ .
فَإِنْ قِيلَ : هَذَا قِيَاسُ الْوَصْفِ عَلَى اللَّقَبِ ، وَلَا قِيَاسَ فِي اللُّغَةِ .
قُلْنَا : مَا قَصَدْنَا بِهِ إلَّا ضَرْبَ مِثَالٍ لِيُتَنَبَّهَ بِهِ حَتَّى يُعْلَمَ أَنَّ الصِّفَةَ لِتَعْرِيفِ الْمَوْصُوفِ فَقَطْ ، كَمَا أَنَّ أَسْمَاءَ الْأَعْلَامِ لِتَعْرِيفِ الْأَشْخَاصِ ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ قَوْلِهِ : " فِي الْغَنَمِ زَكَاةٌ " فِي نَفْيِ الزَّكَاةِ عَنْ الْبَقَرِ ، وَالْإِبِلِ ، وَبَيْنَ قَوْلِهِ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=25141فِي سَائِمَةِ الْغَنَمِ زَكَاةٌ } فِي نَفْيِ الزَّكَاةِ عَنْ الْمَعْلُوفِ .
الْمَسْلَكُ الْخَامِسُ : أَنَّا كَمَا أَنَّا لَا نَشُكُّ فِي أَنَّ لِلْعَرَبِ طَرِيقًا إلَى الْخَبَرِ عَنْ مُخْبِرٍ وَاحِدٍ ، وَاثْنَيْنِ ، وَثَلَاثَةٍ اقْتِصَارًا عَلَيْهِ مَعَ السُّكُوتِ عَنْ الْبَاقِي ، فَلَهَا طَرِيقٌ أَيْضًا فِي الْخَبَرِ عَنْ الْمَوْصُوفِ بِصِفَةٍ فَتَقُولُ : رَأَيْتُ الظَّرِيفَ ، وَقَامَ الطَّوِيلُ ، وَنَكَحْتُ الثَّيِّبَ ، وَاشْتَرَيْتُ السَّائِمَةَ ، وَبِعْتُ النَّخْلَةَ الْمُؤَبَّرَةَ ، فَلَوْ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ : نَكَحْتُ الْبِكْرَ أَيْضًا ، وَاشْتَرَيْتُ الْمَعْلُوفَةَ أَيْضًا لَمْ يَكُنْ هَذَا مُنَاقِضًا لِلْأَوَّلِ ، وَرَفْعًا لَهُ ، وَتَكْذِيبًا لِنَفْسِهِ ، كَمَا لَوْ قَالَ : مَا نَكَحْتُ الثَّيِّبَ ، وَمَا اشْتَرَيْتُ السَّائِمَةَ ، وَلَوْ فُهِمَ النَّفْيُ كَمَا فُهِمَ الْإِثْبَاتُ لَكَانَ الْإِثْبَاتُ بَعْدَهُ تَكْذِيبًا ، وَمُضَادًّا لِمَا سَبَقَ .
وَقَدْ احْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِالْمَفْهُومِ بِمَسَالِكَ .
الْأَوَّلُ : أَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْعَرَبِ ، وَمِنْ عُلَمَاءِ اللُّغَةِ ، وَقَدْ قَالَ بِدَلِيلِ الْخِطَابِ ، وَكَذَلِكَ
أَبُو عُبَيْدَةَ مِنْ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ ، وَقَدْ قَالَ فِي قَوْلِهِ : عَلَيْهِ السَّلَامُ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=33760لَيُّ الْوَاجِدِ ظُلْمٌ يُحِلُّ عِرْضَهُ ، وَعُقُوبَتَهُ } فَقَالَ : دَلِيلُهُ أَنَّ مَنْ لَيْسَ بِوَاجِدٍ لَا يَحِلُّ ذَلِكَ مِنْهُ ، وَفِي قَوْلِهِ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=29603لَأَنْ يَمْتَلِئَ جَوْفُ أَحَدِكُمْ قَيْحًا حَتَّى يَرِيَهُ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَمْتَلِئَ شِعْرًا } فَقِيلَ : إنَّهُ أَرَادَ الْهِجَاءَ ، وَالسَّبَّ أَوْ هَجْوَ الرَّسُولِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَالَ : ذَلِكَ حَرَامٌ قَلِيلُهُ ، وَكَثِيرُهُ امْتَلَأَ بِهِ الْجَوْفُ أَوْ قَصُرَ ، فَتَخْصِيصُهُ بِالِامْتِلَاءِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَا دُونَهُ بِخِلَافِهِ ، وَأَنَّ مَنْ لَمْ يَتَجَرَّدْ لِلشِّعْرِ لَيْسَ مُرَادًا بِهَذَا الْوَعِيدِ .
وَالْجَوَابُ أَنَّهُمَا إنْ قَالَاهُ عَنْ اجْتِهَادٍ فَلَا يَجِبُ تَقْلِيدُهُمَا ، وَقَدْ صَرَّحَا بِالِاجْتِهَادِ إذْ قَالَا : لَوْ لَمْ يَدُلَّ عَلَى النَّفْيِ لَمَا كَانَ لِلتَّخْصِيصِ بِالذِّكْرِ فَائِدَةٌ . ، وَهَذَا الِاسْتِدْلَال مُعَرَّضٌ لِلِاعْتِرَاضِ كَمَا سَيَأْتِي ، فَلَيْسَ عَلَى الْمُجْتَهِدِ قَبُولُ قَوْلِ مَنْ لَمْ تَثْبُتْ عِصْمَتُهُ عَنْ الْخَطَإِ فِيمَا يَظُنُّهُ بِأَهْلِ اللُّغَةِ ، وَبِالرَّسُولِ ، وَإِنْ كَانَ مَا قَالَاهُ عَنْ نَقْلٍ فَلَا يَثْبُتُ هَذَا بِقَوْلِ الْآحَادِ ، وَيُعَارِضُهُ أَقْوَالُ جَمَاعَةٍ أَنْكَرُوهُ ، وَقَدْ قَالَ قَوْمٌ : لَا تَثْبُتُ اللُّغَةُ بِنَقْلِ أَرْبَابِ الْمَذَاهِبِ ، وَالْآرَاءِ فَإِنَّهُمْ يَمِيلُونَ إلَى نُصْرَةِ مَذَاهِبِهِمْ فَلَا تَحْصُلُ الثِّقَةُ بِقَوْلِهِمْ
الْمَسْلَكُ الثَّانِي : أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=80إنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ } فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=29353لَأَزِيدَنَّ عَلَى السَّبْعِينَ } فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ حُكْمَ مَا عَدَا
[ ص: 267 ] السَّبْعِينَ بِخِلَافِهِ ، وَالْجَوَابُ مِنْ أَوْجُهٍ :
الْأَوَّلُ : أَنَّ هَذَا خَبَرُ وَاحِدٍ لَا تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ فِي إثْبَاتِ اللُّغَةِ ، ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ ; لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَعْرَفُ الْخَلْقِ بِمَعَانِي الْكَلَامِ ، وَذِكْرُ السَّبْعِينَ جَرَى مُبَالَغَةً فِي الْيَأْسِ ، وَقَطْعِ الطَّمَعِ عَنْ الْغُفْرَانِ كَقَوْلِ الْقَائِلِ : اشْفَعْ أَوْ لَا تَشْفَعْ ، وَإِنْ شَفَعْت لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً لَمْ أَقْبَلْ مِنْكَ شَفَاعَتَكَ .
الثَّانِي : أَنَّهُ قَالَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=29353لَأَزِيدَنَّ عَلَى السَّبْعِينَ } ، وَلَمْ يَقُلْ لِيُغْفَرَ لَهُمْ ، فَمَا كَانَ ذَلِكَ لِانْتِظَارِ الْغُفْرَانِ بَلْ لَعَلَّهُ لِاسْتِمَالَةِ قُلُوبِ الْأَحْيَاءِ مِنْهُمْ لِمَا رَأَى مِنْ الْمَصْلَحَةِ فِيهِمْ وَلِتَرْغِيبِهِمْ فِي الدِّينِ لَا لِانْتِظَارِ غُفْرَانِ اللَّهِ تَعَالَى مَعَ الْمُبَالَغَةِ فِي الْيَأْسِ ، وَقَطْعِ الطَّمَعِ .
الْجَوَابُ الثَّالِثُ : أَنَّ تَخْصِيصَ نَفْيِ الْمَغْفِرَةِ بِالسَّبْعِينَ أَدَلُّ عَلَى جَوَازِ الْمَغْفِرَةِ بَعْدَ السَّبْعِينَ أَوْ عَلَى وُقُوعِهِ ، فَإِنْ قُلْتُمْ عَلَى وُقُوعِهِ فَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ ، وَإِنْ قُلْتُمْ عَلَى جَوَازِهِ فَقَدْ كَانَ الْجَوَازُ ثَابِتًا بِالْعَقْلِ قَبْلَ الْآيَةِ فَانْتَفَى الْجَوَازُ الْمُقَدَّرُ بِالسَّبْعِينَ ، وَالزِّيَادَةُ ثَبَتَ جَوَازُهَا بِدَلِيلِ الْعَقْلِ لَا بِالْمَفْهُومِ .
الْمَسْلَكُ الثَّالِثُ لَهُمْ : أَنَّ الصَّحَابَةَ قَالُوا : الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ مَنْسُوخٌ بِقَوْلِ
nindex.php?page=showalam&ids=25عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=9659إذَا الْتَقَى الْخِتَانَانِ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ } فَلَوْ لَمْ يَتَضَمَّنْ نَفْيَ الْمَاءِ عَنْ غَيْرِ الْمَاءِ لَمَا كَانَ وُجُوبُهُ بِسَبَبٍ آخَرَ نَسْخًا لَهُ ، فَإِنَّهُ لَمْ يُنْسَخْ وُجُوبُهُ بِالْمَاءِ بَلْ انْحِصَارُهُ عَلَيْهِ ، وَاخْتِصَاصُهُ بِهِ ، وَالْجَوَابُ مِنْ أَوْجُهٍ :
الْأَوَّلُ : أَنَّ هَذَا نَقْلُ آحَادٍ ، وَلَا تَثْبُتُ بِهِ اللُّغَةُ .
الثَّانِي : أَنَّهُ يَصِحُّ عَنْ قَوْمٍ مَخْصُوصِينَ لَا عَنْ كَافَّةِ الصَّحَابَةِ ، فَيَكُونُ ذَلِكَ مَذْهَبًا لَهُمْ بِطَرِيقِ الِاجْتِهَادِ ، وَلَا يَجِبُ تَقْلِيدُهُمْ .
الثَّالِثُ : أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُمْ فَهِمُوا مِنْهُ أَنَّ كُلَّ الْمَاءِ مِنْ الْمَاءِ ، فَفَهِمُوا مِنْ لَفْظِ الْمَاءِ الْمَذْكُورِ أَوَّلًا الْعُمُومَ ، وَالِاسْتِغْرَاقَ لِجِنْسِ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ ، وَفَهِمُوا أَخِيرًا كَوْنَ خَبَرِ الْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ نَسْخًا لِعُمُومِ الْأَوَّلِ لَا لِمَفْهُومِهِ ، وَدَلِيلِ خِطَابِهِ ، وَكُلُّ عَامٍّ أُرِيدَ بِهِ الِاسْتِغْرَاقُ فَالْخَاصُّ بَعْدَهُ يَكُونُ نَسْخًا لِبَعْضِهِ ، وَيَتَقَابَلَانِ إنْ اتَّحَدَتْ الْوَاقِعَةُ .
الرَّابِعُ : أَنَّهُ نُقِلَ عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=31039لَا مَاءَ إلَّا مِنْ الْمَاءِ } ، وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِطَرَفَيْ النَّفْيِ ، وَالْإِثْبَاتِ كَقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=31084لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ ، وَلَا صَلَاةَ إلَّا بِطُهُورٍ } ، وَرُوِيَ {
أَنَّهُ أَتَى بَابَ رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ فَصَاحَ بِهِ فَلَمْ يَخْرُجْ سَاعَةً ثُمَّ خَرَجَ ، وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ مَاءً فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ : عَجَّلْت عَجَّلْت ، وَلَمْ تُنْزِلْ فَلَا تَغْتَسِلْ فَالْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ } ، وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِالنَّفْيِ فَرَأَوْا خَبَرَ الْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ نَاسِخًا لِمَا فُهِمَ مِنْ هَذِهِ الْأَدِلَّةِ .
الْخَامِسُ : أَنَّهُ قَالَ فِي رِوَايَةٍ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=12449إنَّمَا الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ } ، وَقَدْ قَالَ بَعْضُ مُنْكِرِي الْمَفْهُومِ : إنَّ هَذَا لِلْحَصْرِ ، وَالنَّفْي ، وَالْإِثْبَاتِ ، وَلَا مَفْهُومَ لِلَّقَبِ ، وَالْمَاءُ اسْمُ لَقَبٍ فَدَلَّ أَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ الْحَصْرِ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ الْأَلِفُ ، وَاللَّامُ ، وَقَوْلُهُ : " إنَّمَا " ، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ إنَّ الْمَنْسُوخَ مَفْهُومُ هَذَا اللَّفْظِ ، فَلَعَلَّ الْمَنْسُوخَ عُمُومُهُ أَوْ حَصْرُهُ الْمَعْلُومُ بِمُجَرَّدِ التَّخْصِيصِ ، وَالْكَلَامُ فِي مُجَرَّدِ التَّخْصِيصِ .
الْمَسْلَكُ الرَّابِعُ : قَوْلُهُمْ : إنَّ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=34234 nindex.php?page=showalam&ids=120يَعْلَى بْنَ أُمَيَّةَ قَالَ nindex.php?page=showalam&ids=2لِعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : مَا بَالُنَا نَقْصُرُ ، وَقَدْ أَمِنَّا ؟ فَقَالَ : تَعَجَّبْتُ مِمَّا تَعَجَّبْتَ فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : هِيَ صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْكُمْ - أَوْ عَلَى عِبَادِهِ - فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ } ، وَتَعَجُّبُهُمَا مِنْ بُطْلَانِ مَفْهُومِ تَخْصِيصِ قَوْله تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=101إنْ خِفْتُمْ }
قُلْنَا : لِأَنَّ الْأَصْلَ الْإِتْمَامُ ، وَاسْتَثْنَى حَالَةَ الْخَوْفِ فَكَانَ الْإِتْمَامُ وَاجِبًا عِنْدَ عَدَمِ الْخَوْفِ بِحُكْمِ الْأَصْلِ لَا بِالتَّخْصِيصِ
[ ص: 268 ]
الْمَسْلَكُ الْخَامِسُ : أَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَهِمَ مِنْ قَوْلِهِ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=12432إنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ } نَفْيَ رِبَا الْفَضْلِ ، وَكَذَلِكَ عَقَلَ مِنْ قَوْله تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=11فَإِنْ كَانَ لَهُ إخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ } أَنَّهُ إنْ كَانَ لَهُ أَخَوَانِ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ ، وَكَذَلِكَ قَالَ : " الْأَخَوَاتُ لَا يَرِثْنَ مَعَ الْأَوْلَادِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=176إنْ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ } فَإِنَّهُ لَمَّا جَعَلَ لَهَا النِّصْفَ بِشَرْطِ عَدَمِ الْوَلَدِ دَلَّ عَلَى انْتِفَائِهِ عِنْدَ وُجُودِ الْوَلَدِ . وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا مِنْ أَوْجُهٍ :
الْأَوَّلُ : أَنَّ هَذَا غَايَتُهُ أَنْ يَكُونَ مَذْهَبَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَلَا حُجَّةَ فِيهِ .
الثَّانِي : أَنَّ جَمِيعَ الصَّحَابَةِ خَالَفُوهُ فِي ذَلِكَ ، فَإِنْ دَلَّ مَذْهَبُهُ عَلَيْهِ دَلَّ مَذْهَبُهُمْ عَلَى نَقِيضِهِ .
الثَّالِثُ : أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ دَفَعَ رِبَا الْفَضْلِ بِمُجَرَّدِ هَذَا اللَّفْظِ بَلْ رُبَّمَا دَفَعَهُ بِدَلِيلٍ آخَرَ ، وَقَرِينَةٍ أُخْرَى .
الرَّابِعُ : أَنَّهُ لَعَلَّهُ اعْتَقَدَ أَنَّ الْبَيْعَ أَصْلُهُ عَلَى الْإِبَاحَةِ بِدَلِيلِ الْعَقْلِ أَوْ عُمُومِ قَوْله تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=275، وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا } فَإِذَا كَانَ النَّهْيُ قَاصِرًا عَلَى النَّسِيئَةِ كَانَ الْبَاقِي حَلَالًا بِالْعُمُومِ ، وَدَلِيلِ الْعَقْلِ لَا بِالْمَفْهُومِ .
الْخَامِسُ : أَنَّهُ رُوِيَ أَنَّهُ قَالَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=30745لَا رِبَا إلَّا فِي النَّسِيئَةِ } ، وَهَذَا نَصٌّ فِي النَّفْي ، وَالْإِثْبَاتِ ، وَقَوْلُهُ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=12432إنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ } أَيْضًا قَدْ أَقَرَّ بِهِ بَعْضُ مُنْكِرِي الْمَفْهُومِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْحَصْرِ .
الْمَسْلَكُ السَّادِسُ : أَنَّهُ إذَا قَالَ : اشْتَرِ لِي عَبْدًا أَسْوَدَ ، يُفْهَمُ نَفْيُ الْأَبْيَضِ ، وَإِذَا قَالَ : اضْرِبْهُ إذَا قَامَ : يُفْهَمُ الْمَنْعُ إذَا لَمْ يَقُمْ .
قُلْنَا : هَذَا بَاطِلٌ ، بَلْ الْأَصْلُ مَنْعُ الشِّرَاءِ ، وَالضَّرْبِ إلَّا فِيمَا أَذِنَ ، وَالْإِذْنُ قَاصِرٌ فَبَقِيَ الْبَاقِي عَلَى النَّفْيِ ، وَتَوَلَّدَ مِنْهُ دَرْكُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْأَبْيَضِ ، وَالْأَسْوَدِ ، وَعِمَادُ الْفَرْقِ إثْبَاتٌ ، وَنَفْيٌ ، وَمُسْتَنَدُ النَّفْيِ الْأَصْلُ ، وَمُسْتَنَدُ الْإِثْبَاتِ الْإِذْنُ الْقَاصِرُ ، وَالذِّهْنُ إنَّمَا يَتَنَبَّهُ لِلْفَرْقِ عِنْدَ الْإِذْنِ الْقَاصِرِ عَلَى الْأَسْوَدِ فَإِنَّهُ يَذْكُرُ الْأَبْيَضَ ، فَيَسْبِقُ إلَى الْأَوْهَامِ الْعَامِّيَّةِ أَنَّ إدْرَاكَ الذِّهْنِ هَذَا الِاخْتِصَاصَ ، وَالْفَرْقَ مِنْ الذِّكْرِ الْقَاصِرِ لَا بَلْ هُوَ عِنْدَ الذِّكْرِ الْقَاصِرِ لَكِنَّ أَحَدَ طَرَفَيْ الْفَرْقِ حَصَلَ مِنْ الذِّكْرِ ، وَالْآخَرَ كَانَ حَاصِلًا فِي الْأَصْلِ ، فَيَذْكُرُهُ عِنْدَ التَّخْصِيصِ فَكَانَ حُصُولُ الْفَرْقِ عِنْدَهُ لَا بِهِ ; فَهَذَا مَزَلَّةُ الْقَدَمِ ، وَهُوَ دَقِيقٌ وَلِأَجْلِهِ غَلِطَ الْأَكْثَرُونَ .
، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا أَنَّهُ لَوْ عَرَضَ عَلَى الْبَيْعِ شَاةً ، وَبَقَرَةً ، وَغَانِمًا ، وَسَالِمًا ، وَقَالَ : اشْتَرِ غَانِمًا ، وَالشَّاةَ لَسَبَقَ إلَى الْفَهْمِ الْفَرْقُ بَيْنَ غَانِمٍ ، وَسَالِمٍ ، وَبَيْنَ الْبَقَرَةِ ، وَالشَّاةِ ، وَاللَّقَبُ لَا مَفْهُومَ لَهُ بِالِاتِّفَاقِ عِنْدَ كُلِّ مُحَصَّلٍ إذْ قَوْلُهُ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=29944لَا تَبِيعُوا الْبُرَّ بِالْبُرِّ } لَمْ يَدُلَّ عَلَى نَفْيِ الرِّبَا مِنْ غَيْرِ الْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ بِالِاتِّفَاقِ ، وَلَوْ دَلَّ لَانْحَسَمَ بَابُ الْقِيَاسِ ، وَأَنَّ الْقِيَاسَ فَائِدَتُهُ إبْطَالُ التَّخْصِيصِ ، وَتَعْدِيَةُ الْحُكْمِ مِنْ الْمَنْصُوصِ إلَى غَيْرِهِ ; لَكِنَّ مَزَلَّةَ الْقَدَمِ مَا ذَكَرْنَاهُ ، وَهُوَ جَارٍ فِي كُلِّ مَا يَتَضَمَّنُ الِاقْتِطَاعَ مِنْ أَصْلٍ ثَابِتٍ كَقَوْلِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ ; فَإِنْ لَمْ تَدْخُلْ لَمْ تَطْلُقْ ; لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الطَّلَاقِ لَا لِتَخْصِيصِ الدُّخُولِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ : إنْ دَخَلْتِ فَلَسْتِ بِطَالِقٍ ، فَلَا يَقَعُ إذَا لَمْ تَدْخُلْ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ الْأَصْلُ وُقُوعَ الطَّلَاقِ حَتَّى يَكُونَ تَخْصِيصُ النَّفْيِ بِالدُّخُولِ مُوجِبًا لِلرُّجُوعِ إلَى الْأَصْلِ عِنْدَ عَدَمِ الدُّخُولِ ، وَهَذَا وَاضِحٌ .
الْمَسْلَكُ السَّابِعُ : وَعَلَيْهِ تَعْوِيلُ الْأَكْثَرِينَ ، وَهُوَ السَّبَبُ الْأَعْظَمُ فِي وُقُوعِ هَذَا الْوَهْمِ : أَنَّ تَخْصِيصَ الشَّيْءِ بِالذِّكْرِ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ لَهُ فَائِدَةٌ فَإِنْ اسْتَوَتْ السَّائِمَةُ ، وَالْمَعْلُوفَةُ ، وَالثَّيِّبُ ، وَالْبِكْرُ ، وَالْعَمْدُ ، وَالْخَطَأُ فَلِمَ خَصَّصَ الْبَعْضَ بِالذِّكْرِ ، وَالْحُكْمُ شَامِلٌ ، وَالْحَاجَةُ إلَى الْبَيَانِ تَعُمُّ
[ ص: 269 ] الْقِسْمَيْنِ فَلَا دَاعِيَ لَهُ إلَى اخْتِصَاصِ الْحُكْمِ ، وَإِلَّا صَارَ الْكَلَامُ لَغْوًا ، وَالْجَوَابُ مِنْ أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ :
الْأَوَّلُ : أَنَّ هَذَا عَكْسُ الْوَاجِبِ ، فَإِنَّكُمْ جَعَلْتُمْ طَلَبَ الْفَائِدَةِ طَرِيقًا إلَى مَعْرِفَةِ وَضْعِ اللَّفْظِ ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُفْهَمَ أَوَّلًا الْوَضْعُ ثُمَّ تُرَتَّبُ الْفَائِدَةُ عَلَيْهِ ،
nindex.php?page=treesubj&link=20820، وَالْعِلْمُ بِالْفَائِدَةِ ثَمَرَةُ مَعْرِفَةِ الْوَضْعِ أَمَّا أَنْ يَكُونَ الْوَضْعُ تَبَعَ مَعْرِفَةِ الْفَائِدَةِ فَلَا .
الثَّانِي : هُوَ أَنَّ عِمَادَ هَذَا الْكَلَامِ أَصْلَانِ
أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ فَائِدَةِ التَّخْصِيصِ
وَالثَّانِي : أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ إلَّا اخْتِصَاصُ الْحُكْمِ ، وَالنَّتِيجَةُ أَنَّهُ الْفَائِدَةُ إذًا ، وَمُسَلَّمٌ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ فَائِدَةٍ ; لَكِنَّ الْأَصْلَ الثَّانِيَ ، وَهُوَ أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ إلَّا هَذَا فَغَيْرُ مُسَلَّمٍ فَلَعَلَّ فِيهِ فَائِدَةً ، فَلَيْسَتْ الْفَائِدَةُ مَحْصُورَةً فِي هَذَا بَلْ الْبَوَاعِثُ عَلَى التَّخْصِيصِ كَثِيرَةٌ ، وَاخْتِصَاصُ الْحُكْمِ أَحَدُ الْبَوَاعِثِ . فَإِنْ قِيلَ : فَلَوْ كَانَ لَهُ فَائِدَةٌ أَوْ عَلَيْهِ بَاعِثٌ سِوَى اخْتِصَاصِ الْحُكْمِ لَعَرَفْنَاهُ .
قُلْنَا وَلِمَ قُلْتُمْ إنَّ كُلَّ فَائِدَةٍ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ مَعْلُومَةً لَكُمْ ؟ فَلَعَلَّهَا حَاضِرَةٌ ، وَلَمْ تَعْثُرُوا عَلَيْهَا ، فَكَأَنَّمَا جَعَلْتُمْ عَدَمَ عِلْمِ الْفَائِدَةِ عِلْمًا بِعَدَمِ الْفَائِدَةِ ، وَهَذَا خَطَأٌ فَعِمَادُ هَذَا الدَّلِيلِ هُوَ الْجَهْلُ بِفَائِدَةٍ أُخْرَى .
الثَّالِثُ : وَهُوَ قَاصِمَةُ الظَّهْرِ عَلَى هَذَا الْمَسْلَكِ : أَنَّ تَخْصِيصَ اللَّقَبِ لَا يَقُولُ بِهِ مُحَصِّلٌ فَلِمَ لَمْ تَطْلُبُوا الْفَائِدَةَ فِيهِ ؟ فَإِذَا خَصَّصَ الْأَشْيَاءَ السِّتَّةَ فِي الرِّبَا ، وَعَمَّمَ الْحُكْمَ فِي الْمَكِيلَاتِ ، وَالْمَطْعُومَاتِ كُلِّهَا ، وَخَصَّصَ الْغَنَمَ بِالزَّكَاةِ مَعَ وُجُوبِهَا فِي الْإِبِلِ ، وَالْبَقَرِ فَمَا سَبَبُهُ مَعَ اسْتِوَاءِ الْحُكْمِ ؟ فَيُقَالُ : لَعَلَّ إلَيْهِ دَاعِيًا مِنْ سُؤَالٍ أَوْ حَاجَةٍ أَوْ سَبَبٍ لَا نَعْرِفُهُ ، فَلْيَكُنْ كَذَلِكَ فِي تَخْصِيصِ الْوَصْفِ .
الرَّابِعُ : أَنَّ فِي تَخْصِيصِ الْحُكْمِ بِالصِّفَةِ الْخَاصَّةِ فَوَائِدَ .
الْأُولَى : أَنَّهُ لَوْ اسْتَوْعَبَ جَمِيعَ مَحَلِّ الْحُكْمِ لَمْ يَبْقَ لِلِاجْتِهَادِ مَجَالٌ فَأَرَادَ بِتَخْصِيصِ بَعْضِ الْأَلْقَابِ ، وَالْأَوْصَافِ بِالذِّكْرِ أَنْ يُعَرِّضَ الْمُجْتَهِدِينَ لِثَوَابٍ جَزِيلٍ فِي الِاجْتِهَادِ إذْ بِذَلِكَ تَتَوَفَّرُ دَوَاعِيهِمْ عَلَى الْعِلْمِ ، وَيَدُومُ الْعِلْمُ مَحْفُوظًا بِإِقْبَالِهِمْ ، وَنَشَاطِهِمْ فِي الْفِكْرِ ، وَالِاسْتِنْبَاطِ ، وَلَوْلَا هَذَا لَذَكَرَ لِكُلِّ حُكْمٍ رَابِطَةً عَامَّةً جَامِعَةً لِجَمِيعِ مَجَارِي الْحُكْمِ حَتَّى لَا يَبْقَى لِلْقِيَاسِ مَجَالٌ .
الثَّانِيَةُ : أَنَّهُ لَوْ قَالَ : " فِي الْغَنَمِ زَكَاةٌ " ، وَلَمْ يُخَصِّصْ السَّائِمَةَ لَجَازَ لِلْمُجْتَهِدِ إخْرَاجُ السَّائِمَةِ عَنْ الْعُمُومِ بِالِاجْتِهَادِ الَّذِي يَنْقَدِحُ لَهُ ، فَخَصَّ السَّائِمَةَ بِالذِّكْرِ لِتُقَاسَ الْمَعْلُوفَةُ عَلَيْهَا إنْ رَأَى أَنَّهَا فِي مَعْنَاهَا أَوْ لَا تَلْحَقُ بِهَا فَتَبْقَى السَّائِمَةُ بِمَعْزِلٍ عَنْ مَحَلِّ الِاجْتِهَادِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ : " لَا تَبِيعُوا الطَّعَامَ بِالطَّعَامِ " رُبَّمَا أَدَّى اجْتِهَادُ مُجْتَهِدٍ إلَى إخْرَاجِ الْبُرِّ ، وَالتَّمْرِ ، فَنَصَّ عَلَى مَا لَا وَجْهَ لِإِخْرَاجِهِ ، وَتَرَكَ مَا هُوَ مَوْكُولٌ إلَى الِاجْتِهَادِ لَا سِيَّمَا ، وَلَوْ ذُكِرَ الطَّعَامُ أَوْ الْغَنَمُ ، وَهُوَ لَفْظٌ عَامٌّ لَصَارَ عِنْدَ
الْوَاقِفِيَّةِ مُحْتَمِلًا لِلْعُمُومِ وَلِلْبُرِّ خَاصَّةً أَوْ التَّمْرِ خَاصَّةً وَلِلْمَعْلُوفَةِ خَاصَّةً وَلِلسَّائِمَةِ خَاصَّةً ، فَأَخْرَجَ الْمَخْصُوصَ عَنْ مَحَلِّ الْوَقْفِ ، وَالشَّكِّ وَرَدَّ الْبَاقِيَ إلَى الِاجْتِهَادِ لِمَا رَأَى فِيهِ مِنْ اللُّطْفِ ، وَالصَّلَاحِ .
الثَّالِثَةُ : أَنْ يَكُونَ الْبَاعِثُ عَلَى التَّخْصِيصِ لِلْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ عُمُومَ وُقُوعٍ أَوْ خُصُوصَ سُؤَالٍ أَوْ وُقُوعَ وَاقِعَةٍ أَوْ اتِّفَاقَ مُعَامَلَةٍ فِيهَا خَاصَّةٍ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ أَسْبَابٍ لَا نَطَّلِعُ عَلَيْهَا ، فَعَدَمُ عِلْمِنَا بِذَلِكَ لَا يُنَزَّلُ بِمَنْزِلَةِ عِلْمِنَا بِعَدَمِ ذَلِكَ ، بَلْ نَقُولُ : لَعَلَّ إلَيْهِ دَاعِيًا لَمْ نَعْرِفْهُ فَكَذَلِكَ فِي الْأَوْصَافِ .
الْمَسْلَكُ الثَّامِنُ : قَوْلُهُمْ إنَّ التَّعْلِيقَ بِالصِّفَةِ كَالتَّعْلِيقِ بِالْعِلَّةِ ، وَذَلِكَ يُوجِبُ الثُّبُوتَ بِثُبُوتِ الْعِلَّةِ ، وَالِانْتِفَاءَ بِانْتِفَائِهَا ، وَالْجَوَابُ : أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْعِلَّةِ ، وَالصِّفَةُ وَاحِدَةٌ فَتَعْلِيقُ الْحُكْمِ بِالْعِلَّةِ يُوجِبُ ثُبُوتَهُ بِثُبُوتِهَا أَمَّا انْتِفَاؤُهُ بِانْتِفَائِهَا فَلَا بَلْ يَبْقَى بَعْدَ انْتِفَاءِ الْعِلَّةِ عَلَى مَا
[ ص: 270 ] يَقْتَضِيهِ الْأَصْلُ ، وَكَيْفَ ، وَنَحْنُ نُجَوِّزُ تَعْلِيلَ الْحُكْمِ بِعِلَّتَيْنِ ؟ فَلَوْ كَانَ إيجَابُ الْقَتْلِ بِالرِّدَّةِ نَافِيًا لِلْقَتْلِ عِنْدَ انْتِفَائِهَا لَكَانَ إيجَابُ الْقِصَاصِ نَسْخًا لِذَلِكَ النَّفْيِ ، بَلْ فَائِدَةُ ذِكْرِ الْعِلَّةِ مَعْرِفَةُ الرَّابِطَةِ فَقَطْ ، وَلَيْسَ مِنْ فَائِدَتِهِ أَيْضًا تَعْدِيَةُ الْعِلَّةِ مِنْ مَحَلِّهَا إلَى غَيْرِ مَحَلِّهَا فَإِنَّ ذَلِكَ عُرِفَ بِوُرُودِ التَّعَبُّدِ بِالْقِيَاسِ ، وَلَوْلَاهُ لَكَانَ قَوْلُهُ : حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْخَمْرُ لِشِدَّتِهَا ، لَا يُوجِبُ تَحْرِيمَ النَّبِيذِ الْمُشْتَدِّ بَلْ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْعِلَّةُ شِدَّةَ الْخَمْرِ خَاصَّةً إلَى أَنْ يَرِدَ دَلِيلٌ ، وَتَعَبَّدَ بِاتِّبَاعِ الْعِلَّةِ ، وَتَرْكِ الِالْتِفَاتِ إلَى الْمَحَلِّ .
الْمَسْلَكُ التَّاسِعُ : اسْتِدْلَالُهُمْ بِتَخْصِيصَاتٍ فِي الْكِتَابِ ، وَالسُّنَّةِ خَالَفَ الْمَوْصُوفُ فِيهَا غَيْرَ الْمَوْصُوفِ بِتِلْكَ الصِّفَاتِ ، وَسَبِيلُ الْجَوَابِ عَنْ جَمِيعِهَا إمَّا لِبَقَائِهَا عَلَى الْأَصْلِ أَوْ مَعْرِفَتِهَا بِدَلِيلٍ آخَرَ أَوْ بِقَرِينَةٍ ، وَلَوْ دَلَّ مَا ذَكَرُوهُ لَدَلَّتْ تَخْصِيصَاتٌ فِي الْكِتَابِ ، وَالسُّنَّةِ لَا أَثَرَ لَهَا عَلَى نَقِيضِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=95وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا } فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ إذْ يَجِبُ عَلَى الْخَاطِئِ ، وقَوْله تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=92وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ } إذْ تَجِبُ عَلَى الْعَامِدِ عِنْدَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=101لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنْ الصَّلَاةِ إنْ خِفْتُمْ } الْآيَةِ ، وَقَوْلِهِ فِي الْخُلْعِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=35وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا } ، وَقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=8984أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا } إلَى أَمْثَالٍ لَهُ لَا تُحْصَى .