الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              أما أمثلة قياس الشبه فهي كثيرة ، ولعل جل أقيسة الفقهاء ترجع إليها ، إذ يعسر إظهار تأثير العلل بالنص والإجماع والمناسبة المصلحية .

              المثال الأول : قول أبي حنيفة مسح الرأس لا يتكرر " تشبيها له بمسح الخف والتيمم ، والجامع أنه مسح فلا يستحب فيه التكرار قياسا على التيمم ومسح الخف .

              ولا مطمع فيما ذكره أبو زيد من تأثير المسح ، فإنه أورد هذا مثالا للقياس المؤثر ، وقال : ظهر تأثير المسح في التخفيف في الخف والتيمم ، فهو تعليل بمؤثر وقد غلط فيه إذ ليس يسلم الشافعي أن الحكم في الأصل معلل بكونه مسحا بل لعله تعبد ولا علة له أو معلل بمعنى آخر مناسب لم يظهر لنا .

              والنزاع واقع في علة الأصل ، وهو أن مسح الخف لم لا يستحب تكراره ، أيقال إنه تعبد لا يعلل ؟ ; أو لأن تكراره يؤدي إلى تمزيق الخف ؟ ; أو لأنه وظيفة تعبدية تمرينية لا تفيد فائدة الأصل إذ لا نظافة فيه لكن وضع لكي لا تركن النفس إلى الكسل ؟ ; أو لأنه وظيفة على بدل محل الوضوء لا على الأصل ؟ فمن سلم أن العلة المؤثرة في الأصل هي المسح يلزمه فالشافعي يقول : أصل يؤدى بالماء فيتكرر كالأعضاء الثلاثة ، فكأنه يقول : هي إحدى الوظائف الأربع في الوضوء ; فالأشبه التسوية بين الأركان الأربعة ، ولا يمكن ادعاء التأثير والمناسبة في العلتين على المذهبين ، ولا ينكر تأثير كل واحد من الشبهين في تحريك الظن إلى أن يترجح .

              المثال الثاني : قال الشافعي رحمه الله [ ص: 318 ] في مسألة النية طهارتان فكيف يفترقان ؟ وقد يقال : طهارة موجبها في غير محل موجبها فتفتقر إلى النية كالتيمم وهذا يوهم الاجتماع في مناسب هو مأخذ النية وأن يطلع على ذلك المناسب .

              المثال الثالث : تشبيه الأرز والزبيب بالتمر والبر لكونهما مطعومين أو قوتين ، فإن ذلك إذا قوبل بالتشبيه بكونهما مقدرين أو مكيلين ظهر الفرق ، إذ يعلم أن الربا ثبت لسر ومصلحة والطعم والقوت وصف ينبئ عن معنى به قوام النفس ، والأغلب على الظن أن تلك المصلحة في ضمنهما لا في ضمن الكيل الذي هو عبارة عن تقدير الأجسام .

              والمثال الرابع : تعليلنا وجوب الضمان في يد السوم بأنه أخذ لغرض نفسه من غير استحقاق ونعديه إلى يد العارية ، وتعليل أبي حنيفة بأنه أخذ على جهة الشراء والمأخوذ على جهة الشراء كالمأخوذ على حقيقته ويعديه إلى الرهن ، فكل واحدة من العلتين ليست مناسبة ولا مؤثرة إذ لم يظهر بالنص أو الإجماع إضافة الحكم إلى هذين الوصفين في غير يد السوم ، وهو في يد السوم متنازع فيه .

              المثال الخامس : قولنا : إن قليل أرش الجناية يضرب على العاقلة ; لأنه بدل الجناية على الآدمي كالكثيرة ، فإنا نقول : ثبت ضرب الدية وضرب أرش اليد والأطراف ونحن لا نعرف معنى مناسبا يوجب الضرب على العاقلة فإنه على خلاف المناسب ، لكن يظن أن ضابط الحكم الذي تميز به عن الأموال هو أنه بدل الجناية على الآدمي فهو مظنة المصلحة التي غابت عنا .

              المثال السادس : قولنا في مسألة التبييت : إنه صوم مفروض فافتقر إلى التبييت كالقضاء ، وهم يقولون : صوم عين فلا يفتقر إلى التبييت كالتطوع ، وكأن الشرع رخص في التطوع ومنع من القضاء ، فظهر لنا أن فاصل الحكم هو الفرضية فهذا وأمثاله مما يكثر شبهه ، ربما ينقدح لبعض المنكرين للشبه في بعض هذه الأمثلة إثبات العلة بتأثير أو مناسبة أو بالتعرض للفارق وإسقاط أثره فيقول : هي مأخذ الذي ظهر لهذا الناظر ، وعند انتفائه يبقى ما ذكرناه من الإيهام وهو كتقديرنا في تمثيل المناسب بإسكار الخمر عدم ورود الإيماء في قوله تعالى : { إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء } والمقصود أن المثال ليس مقصودا في نفسه ; فإن انقدح في بعض الصور معنى زائد على الإيهام المذكور فليقدر انتفاؤه هذا حقيقة الشبه وأمثلته .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية