الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
3636 [ 1960 ] وعن nindex.php?page=showalam&ids=9أنس قال: nindex.php?page=hadith&LINKID=660644nindex.php?page=treesubj&link=32125_3679_16975_33120_33253ضحى النبي صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين أقرنين، ذبحهما بيده، وسمى وكبر، ووضع رجله على صفاحهما.
و(قوله: nindex.php?page=treesubj&link=32125_3679_16975_33120_33253ضحى بكبشين أملحين أقرنين ) اختلف في الأملح. فقال nindex.php?page=showalam&ids=13721الأصمعي : هو الأبيض; لون الملح ونحوه. قال nindex.php?page=showalam&ids=12585ابن الأعرابي : هو النقي البياض. وقال غيرهما: الملحة من الألوان: بياض يخالطه سواد. يقال: كبش أملح إذا كان شعره خليسا. هذا الذي حكاه في الصحاح، ولم يحك ما ذكر عن nindex.php?page=showalam&ids=13721الأصمعي nindex.php?page=showalam&ids=12585وابن الأعرابي .
و( المدية ): السكين، وتجمع: مدى، كغرفة وغرف.
و(الشحذ): الحد، ومنه قوله:
[ ص: 362 ]
فيا حجر الشحذ حتى متى تسن الحديد ولا تقطع؟
وفيه الأمر بحد آلة الذبح، كما قال في الحديث الآخر: nindex.php?page=hadith&LINKID=663699 (إذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته). وهو من باب الرفق بالبهيمة بالإجهاز عليها، وترك التعذيب، فلو ذبح بسكين كالة، أو بشيء له حد، وإن لم يكن مجهزا بل معذبا فقد أساء، ولكنه إن أصاب سنة الذبح; لم تحرم الذبيحة، وبئس ما صنع، إلا إذا لم يجد إلا تلك الآلة.
وفيه من الفقه: nindex.php?page=treesubj&link=3987استحباب العدد في الأضاحي، ما لم يقصد المباهاة. وأن nindex.php?page=treesubj&link=26902_3679المضحي يلي ذبح أضحيته بنفسه; لأنه المخاطب بذلك، ولأنه من باب التواضع. وكذلك الهدايا، فلو استناب مسلما جاز. واختلف في الذمي، فأجاز ذلك nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء ابتداء. وهو أحد قولي nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك . وقال له في قول له آخر: لا يجزئه، وعليه إعادة الأضحية. وكره ذلك جماعة من السلف، وعامة أئمة الأمصار، إلا أنهم قالوا: يجزئه إذا فعل.
وفيه: استحباب nindex.php?page=treesubj&link=17004إضجاع الذبيحة، ولا تذبح قائمة، ولا باركة. وكذلك مضى العمل بإضجاعها على الشق الأيسر; لأنه أمكن من ذبحها.
وفيه: استحباب nindex.php?page=treesubj&link=33253_34388_17001وضع الرجل على جانب عنق الذبيحة، وهو المعبر عنه بالصفاح. وصفحة كل شيء: جانبه وصفحه أيضا، وإنما يستحب ذلك لئلا تضطرب الذبيحة [ ص: 363 ] فتزل يد الذابح عند الذبح. وقد روي نهي عن ذلك، والصحيح: ما ذكر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من وضعه رجله على صفاحهما.
وفيه من الفقه: nindex.php?page=treesubj&link=16975تعيين التسمية ; فإنه قال: باسم الله، والله أكبر. وقد اختلف في ذلك، فقال nindex.php?page=showalam&ids=11956أبو ثور : التسمية متعينة كالتكبير في الصلاة. وكافة العلماء على استحباب ذلك. فلو قال ذكرا آخر فيه اسم من أسماء الله وأراد به التسمية جاز، وكذلك لو قال: الله أكبر - فقط - أو: لا إله إلا الله، قاله nindex.php?page=showalam&ids=13055ابن حبيب ، فلو لم يرد التسمية لم تجزئ عن التسمية، ولا تؤكل. قاله nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، nindex.php?page=showalam&ids=16908ومحمد بن الحسن . وكره كافة العلماء من أصحابنا، وغيرهم الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - عند التسمية في الذبح، أو ذكره، وقالوا: لا يذكر هنا إلا الله وحده. وأجاز nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - عند الذبح.
و(قوله: اللهم تقبل من محمد ، وآل محمد ، ومن أمة محمد ) هذا دليل للجمهور على جواز nindex.php?page=treesubj&link=4134قول المضحي: اللهم تقبل مني، على nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة ; حيث كره أن يقول شيئا من ذلك، وكذلك عند الذبح. وقد استحسنه بعض أصحابنا، واستحب بعضهم أن يقول ذلك بنص الآية: nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=127ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم وكره nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك قولهم: اللهم منك وإليك، وقال: هذه بدعة. وأجاز ذلك nindex.php?page=showalam&ids=13055ابن حبيب من أصحابنا، والحسن .
قلت: وقد روى nindex.php?page=showalam&ids=11998أبو داود من حديث nindex.php?page=showalam&ids=36جابر بن عبد الله قال: nindex.php?page=hadith&LINKID=674336ذبح النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم الذبح كبشين أقرنين موجئين، أملحين، فلما وجههما قال: nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=79إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وقرأ إلى قوله: nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=163وأنا أول المسلمين اللهم منك وإليك عن محمد وأمته، باسم [ ص: 364 ] الله، والله أكبر، ثم ذبح. فهذا الحديث حجة للحسن nindex.php?page=showalam&ids=13055وابن حبيب . وأما nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك : فلعل هذا الحديث لم يبلغه، أو لم يصح عنده، أو رأى أن العمل يخالفه. وعلى هذا يدل قوله: إنه بدعة.
وفيه من الفقه ما يدل على جواز nindex.php?page=treesubj&link=4141تشريك الرجل أهل بيته في أضحيته ، وأن ذلك يجزئ عنهم. وكافة علماء الأمصار على جواز ذلك، مع استحباب nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك أن يكون لكل واحد من أهل البيت أضحية واحدة، وكان nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة ، وأصحابه، nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري يكرهون ذلك. وقال nindex.php?page=showalam&ids=14695الطحاوي : لا يجزئ. وزعم أن الحديث في ذلك من فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - منسوخ، أو مخصوص. وممن قال بالمنع: nindex.php?page=showalam&ids=16418عبد الله بن المبارك .
قلت: وهذه المسألة فيها نظر، وذلك أن الأصل أن كل واحد مخاطب بأضحية، وهذا متفق عليه، فكيف يسقط عنهم بفعل أحدهم؟!
وقوله: ( اللهم تقبل من محمد وآل محمد ) ليس نصا في إجزاء ذلك عن أهل بيته، بل هو دعاء لمن ضحى بالقبول. ويدل عليه قوله: ( ومن أمة محمد )، وقد اتفق الكل على أن أضحية النبي - صلى الله عليه وسلم - لا تجزئ عن أمته، ولو سلم ذلك لكان يلزم عليه أن تجزئ أضحية النبي - صلى الله عليه وسلم - عن آل النبي - صلى الله عليه وسلم - حيث كانوا، وإن لم يكونوا في بيته، ثم يلزم عليه ألا يدخل أزواجه فيهم; فإنهم ليسوا آلا له على الحقيقة اللغوية. وقد تقدم القول على آل النبي - صلى الله عليه وسلم - في الزكاة. والذي يظهر لي: أن الحجة للجمهور على ذلك: ما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ضحى عن نسائه ببقرة، وروي: بالبقر. وأيضا فلم يرو أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر كل واحدة من نسائه بأضحية، ولو كان ذلك لنقل؛ لتكرار سني الضحايا عليهن معه، ولكثرتهن. فالعادة تقتضي أن ذلك لو كان لنقل كما نقل غير ذلك من جزئيات أحوالهن، فدل ذلك على أنه كان يكتفي بما يضحي عنه وعنهن. والله تعالى أعلم.
[ ص: 365 ] وقد روى nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي عن nindex.php?page=showalam&ids=16572عطاء بن يسار ، قال: nindex.php?page=hadith&LINKID=663795سألت nindex.php?page=showalam&ids=50أبا أيوب الأنصاري : كيف كانت الضحايا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فقال: كان الرجل يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته، فيأكلون، ويطعمون، حتى تباهى الناس فيها كما ترى . قال: هذا حديث حسن صحيح.
قال القاضي : وضبط من يصح أن يدخله الرجل في الأضحية عندنا بثلاث صفات:
أحدها: أن يكونوا من قرابته، وحكم الزوجين وأم الولد حكمهم عند nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك والكافة. وأباه nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في أم الولد، وقال: لا أجيز لها، ولا للمكاتب، والمدبر، والعبد أن يضحوا.
والثاني: أن يكونوا في نفقته، وجبت عليه أو تطوع بها.
والثالث: أن يكونوا في بيته، ومساكنته غير نائين عنه.
فإن انخرم شيء من هذه الشروط لم يصح اشتراكهم في ضحيته. قال: ولا يجوز عند جميعهم شركة جماعة في ضحية يشترونها، ويذبحونها عن أنفسهم، أو في هدي إذا كانوا أكثر من سبعة. واختلفوا فيما دونها. فمذهب nindex.php?page=showalam&ids=15124الليث ، nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك : أن الشركة لا تجوز بوجه فيها; كانت بدنة، أو بقرة، أو شاة، أهدوا أو ضحوا. وذهب جمهور العلماء من الحجازيين، والكوفيين، والشاميين: إلى جواز nindex.php?page=treesubj&link=33055_4141إشراك السبعة فما دون ذلك في البقرة، والبدنة، في الهدي والضحية، ولا تجزئ شاة إلا عن واحد.
وقد حصل من مجموع حديث nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة nindex.php?page=showalam&ids=9وأنس nindex.php?page=showalam&ids=36وجابر أن الأولى في الأضحية نهاية الكمال في الخلق والصفة. وهو متفق عليه، وأن الوجاء ليس منقصا; لأنه وإن كان نقصان عضو، فإنه يصلح اللحم ويطيبه. وقد قلنا: إن الطيب في الأضحية هو المقصود الأول. وأما العيوب المنقصة، فقال القاضي : أجمعوا أن العيوب الأربعة المذكورة في حديث nindex.php?page=showalam&ids=48البراء ; من: المرض، والعجف، والعور، [ ص: 366 ] والعرج، لا تجزئ بها الضحية. وكذلك ما هو من نوعها أشنع، كالعمى، وقطع الرجل. واختلف فيما عدا ذلك. فذهب قوم إلى أنها تجزئ بكل عيب غير هذه الأربعة; إذ لم ينص النبي - صلى الله عليه وسلم - على غيرها، وهو موضع بيان. وبه قال بعض أئمتنا البغداديين. وذهب الجمهور إلى اعتبار ما كان نقصا وعيبا، ثم اختلفوا في أعيانها على ما ترتب في كتب الفقه.
قال: ولم يخرج nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ، ولا nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم حديث عيوب الضحايا; لأنه مما تفرد به عبيد بن فيروز عن البراء ، ولا يعرف إلا بهذا الحديث. وقد أدخله nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك في "الموطأ" لما صحبه عنده العمل من المسلمين، ولاتفاقهم على قبوله.
قلت: يعني القاضي : حديث nindex.php?page=showalam&ids=48البراء الذي خرجه nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك عن nindex.php?page=showalam&ids=16700عمرو بن الحارث المصري عن عبيد بن فيروز ، عن nindex.php?page=showalam&ids=48البراء بن عازب : nindex.php?page=hadith&LINKID=698772أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سئل: ماذا يتقى من الضحايا؟ فأشار بيده وقال: (أربع... ) ، وذكر الحديث. وهذا الحديث صحيح، وانفراد الثقة به لا يضره، وإنما لم يخرجه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ولا nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم ; لأنه ليس على ما شرطاه في كتابيهما، وقد خرجه nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي ، nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي ، وقال: حديث حسن صحيح غريب، لا نعرفه إلا من حديث عبيد بن فيروز .
وكذلك خرج nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي أيضا حديث nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - من طرق قال فيه: nindex.php?page=hadith&LINKID=670557أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نستشرف العين والأذن، وألا نضحي بعوراء، ولا مقابلة، ولا مدابرة، ولا شرقاء، ولا خرقاء. وفي أخرى: ولا بتراء. وفي أخرى: ولا جدعاء . وصححه nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي .
وقوله: nindex.php?page=hadith&LINKID=670557أمرنا أن نستشرف العين والأذن. أي: نرفع نظرنا إلى ذلك، ونختار السالم من عيوب ذينك. ثم فسر ذلك [ ص: 367 ] بقوله: nindex.php?page=hadith&LINKID=670558nindex.php?page=treesubj&link=4001ولا نضحي بعوراء، وبما بعده.
و(المقابلة) هي: التي يقطع بعض أذنها، ويترك معلقا على وجهها. و(المدابرة): أن يترك معلقا إلى خلفها. و(الشرقاء) هي: المشقوقة الأذن طولا. و(الخرقاء): التي خرق من غير شق. و(الجدعاء): المقطوعة الأذن. وظاهر عطف هذه العيوب على العوراء - وهي لا تجزئ باتفاق - ألا تجزئ الأضحية مع شيء من هذه العيوب. وهو أصل الظاهرية، لكن لما كانت العوراء مقيدة بالبين عورها، كما قال في حديث nindex.php?page=showalam&ids=48البراء تحققنا: أن المنهي عنه من هذه العيوب ما تفاحش منها، ولا شك أن ما أذهب الأذن من هذه الأمور، أو جلها، لا تجزئ به، وما لم يكن كذلك، فقال أصحابنا في المقطوع بعض أذنها: إن زاد القطع على الثلث منع الإجزاء، وإن نقص عنه أجزأت. واختلف في الثلث: هل يجزئ أو لا؟ على قولين. وكذلك القول في البتراء، والنظر في آحاد العيوب، وتفصيل الخلاف يستدعي تطويلا، فلنقتصر على ما ذكرناه.