الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              3815 [ 1935 ] وعن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن في عجوة العالية شفاء، وإنها ترياق أول البكرة.

                                                                                              رواه أحمد (6 \ 77) ومسلم (2048). [ ص: 321 ]

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              [ ص: 321 ] (12 و 13 و 14 و 15) ومن باب: بركة عجوة المدينة والكمأة

                                                                                              قوله: ( من أكل سبع تمرات مما بين لابتيها حين يصبح لم يضره ذلك اليوم سم ) وفي أخرى: ( من تصبح في سبع تمرات عجوة لم يضره ذلك اليوم سم ولا سحر ) ولم يذكر: مما بين لابتيها.

                                                                                              قد تقدم الكلام في اللابة، وأنها الحجارة السود التي في المدينة ، وأعاد الضمير على المدينة ولم يجر لها ذكر في اللفظ، لكنه مما يدل الحال والمشاهدة عليه.

                                                                                              ومطلق هاتين الروايتين مقيد بالأخرى، فحيث أطلق العجوة هنا إنما أراد به عجوة المدينة ، وكذلك في حديث عائشة : لما أطلق العالية فمراده به المدينة وجهاتها. ومعنى تصبح: أكل عند [ ص: 322 ] الصباح، كما جاء مفسرا في الرواية الأخرى، وهذا على طريقة: تغدى، وتعشى، وتسحر: إذا أكل في تلك الأوقات.

                                                                                              وظاهر هذه الأحاديث: خصوصية عجوة المدينة بدفع السم، وإبطال السحر. وهذا كما توجد بعض الأدوية مخصوصة ببعض المواضع، وببعض الأزمان.

                                                                                              وهل هذا من باب الخواص التي لا تدرك بقياس طبي، أو هو مما يرجع إلى قياس طبي؟

                                                                                              اختلف علماؤنا فيه، فمنهم من تكلفه وقال: إن السموم إنما تقتل لإفراط برودتها، فإذا دام على التصبح بالعجوة تحكمت فيه الحرارة، واستعانت بها الحرارة الغريزية، فقابل ذلك برودة السم ما لم يستحكم، فبرأ صاحبه بإذن الله تعالى.

                                                                                              قلت: وهذا يرفع خصوصية عجوة المدينة ، بل خصوصية العجوة مطلقا، بل خصوصية التمر، فإن هناك من الأدوية الحارة ما هو أولى بذلك منه، كما هو معروف عند أهله. والذي ينبغي أن يقال: إن ذلك خاصة عجوة المدينة كما أخبر به الصادق - صلى الله عليه وسلم -.

                                                                                              ثم هل ذلك مخصوص بزمان نطقه - صلى الله عليه وسلم - أو هو في كل زمان؟ كل ذلك محتمل، والذي يرفع هذا الاحتمال التجربة المتكررة، فإن وجدنا ذلك كذلك في هذا الزمان علمنا أنها خاصة دائمة، وإن لم نجده مع كثرة التجربة علمنا أن ذلك مخصوص بزمان ذلك القول. والله تعالى أعلم.

                                                                                              وأما تخصيصه بسبع: فخاصية لهذا العدد قطعا، وقد جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في [ ص: 323 ] مواطن كثيرة; منها قوله - صلى الله عليه وسلم - في مرضه: (صبوا علي من سبع قرب) ومنها: غسل الإناء من ولوغ الكلب سبعا. ومنها: قوله للرجل المريض الذي وجهه للحارث بن كلدة وقال: (ليأخذ سبع تمرات، وليلده بهن) وتعويذه سبع مرات، ومثله كثير.

                                                                                              وقد جاء هذا العدد في غير الطب; كقوله تعالى: سبع بقرات سمان و سبع عجاف [يوسف: 46] وسبع كسبع يوسف، و وسبع سنبلات [يوسف: 46] وكذلك السبعون، والسبعمائة قد جاء في مواضع كثيرة.

                                                                                              فما جاء من هذا العدد مجيء التداوي فذلك بخاصية لا يعلمها إلا الله ورسوله، ومن أطلعه الله عليها. وأما ما جاء لا في معرض التداوي، فقال بعض اللغويين: العرب تضع هذا العدد موضع الكثرة وإن لم ترد عددا بعينه ولا حصرا. والله أعلم.

                                                                                              و(الترياق): دواء مركب معلوم، ينفع من السموم، ويقال عليه: درياق، وطرياق، وترياق.




                                                                                              الخدمات العلمية