الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              3733 [ 1883 ] وعن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كل مسكر خمر، وكل مسكر حرام، ومن شرب الخمر في الدنيا فمات وهو يدمنها ولم يتب لم يشربها في الآخرة.

                                                                                              وفي رواية: من شرب الخمر في الدنيا لم يشربها في الآخرة، إلا أن يتوب.

                                                                                              رواه البخاري (5575) ومسلم (2003) (73 و 74) والترمذي (1861) والنسائي (8 \ 318). [ ص: 270 ]

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              [ ص: 270 ] و(قوله: من شرب الخمر في الدنيا لم يشربها في الآخرة )، أو: ( حرمها في الآخرة ) ظاهره تأبيد التحريم، وإن دخل الجنة فشرب جميع أشربة الجنة من ماء وعسل ولبن، ولا يشرب الخمر، ومع ذلك: فلا يتألم لعدم شربها، ولا يتنغص من فقدها، ولا يحسد من يشربها، فإن الجنة محل مطهر منزه عن ذلك كله.

                                                                                              وإنما يكون حال هذا مع فقد شرب الخمر كحاله مع المنازل التي رفع بها غيره عليه مع علمه برفعتها، وبأن صاحبها أعلى منه درجة، وأفضل منه عند الله تعالى، ومع ذلك فلا يحسده، ولا يتألم بفقد شيء من ذلك استغناء بالذي أعطي، وغبطة به، ولأن الله تعالى قد طهرهم من كل نقص وصفة مذمومة، ألا ترى قوله تعالى: ونـزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين [الحجر: 47] ؟

                                                                                              وقال بهذا المعنى جماعة من العلماء. وقيل: ينسى خمر الجنة. وقيل: لا يشتهيها. وكل ذلك محتمل. والأولى: الوجه الأول، والله تعالى أعلم.

                                                                                              وقيل: معنى الحديث: أن حرمانه الخمر إنما هو في الوقت الذي يعذب في النار، ويسقى من طينة الخبال، فإذا خرج من النار بالشفاعة، أو بالرحمة العامة - المعبر عنها في الحديث بالقبضة - أدخل الجنة، ولم يحرم شيئا منها، لا خمرا ولا حريرا ولا غيره. قال هذا القائل: فإن حرمان شيء من لذات الجنة لمن كان في [ ص: 271 ] الجنة نوع عقوبة ومؤاخذة فيها، والجنة ليست بدار عقوبة، ولا مؤاخذة فيها بوجه من الوجوه. والله تعالى أعلم.

                                                                                              وكذلك القول في قوله - صلى الله عليه وسلم -: (من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة) ومن شرب في آنية الذهب والفضة لم يشرب بها في الآخرة، يجري فيهما كل ما ذكرناه.




                                                                                              الخدمات العلمية