الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( لو ) ( " لو " حرف امتناع لامتناع ) في قول أكثر العلماء ، أي يدل على امتناع الثاني لامتناع الأول ، فقولك : لو جئتني لأكرمتك . دال على انتفاء الإكرام ، لانتفاء المجيء .

واعترض عليه بأن جوابها قد لا يكون ممتنعا بما رواه أبو نعيم في الحلية : { أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في سالم مولى أبي حذيفة - إنه شديد الحب لله لو كان لا يخاف الله ما عصاه } وأجيب عنه : بأن لانتفاء المعصية سببين ، المحبة والخوف فلو انتفى الخوف لم توجد المعصية لوجود الآخر ، وهو المحبة . وقال سيبويه : إنها حرف لما كان سيقع لوقوع غيره ، يعني أنها تقتضي فعلا ماضيا كان يتوقع ثبوته لثبوت غيره . والمتوقع غير واقع . فكأنه قال : حرف يقتضي فعلا امتنع لامتناع ما كان ثبت لثبوته . وقيل : إنها لمجرد الربط ، أي إنما تدل على التعليق في الماضي كما تدل " إن " على التعليق في المستقبل ، ولا تدل على امتناع شرط ولا جواب .

وقيل : إنها حرف يقتضي في الماضي امتناع ما يليه ، واستلزامه لتاليه ، أي تقتضي أمرين أحدهما : امتناع ما يليه ، وهو شرطه . والأمر الثاني : كون ما يليه مستلزما لتاليه ، وهو جوابه ، ولا يدل على امتناع الجواب في نفس الأمر ولا ثبوته . فإذا قلت : لو قام زيد لقام عمرو . فقيام زيد محكوم بانتفائه فيما مضى ، ويكون ثبوته مستلزما لثبوت قيام عمرو ، وهل لعمرو قيام أو لا ؟ ليس في الكلام تعرض له . وصحح هذه العبارة السبكي وولده التاج . وهي في بعض نسخ التسهيل . قال المرادي في شرح الألفية : قال في شرح الكافية : العبارة الجيدة في " لو " أن يقال : حرف يدل على امتناع تال : [ ص: 88 ] يلزم لثبوته ثبوت تاليه . فقيام زيد من قولك : لو قام زيد لقام عمرو ، محكوم بانتفائه فيما مضى . وكونه مستلزما ثبوته لثبوت قيام عمرو . وهل لعمرو قيام آخر غير اللازم عن قيام زيد ، أو ليس له ؟ لا تعرض لذلك ، بل الأكثر كون الأول .

والثاني غير واقعين ( و ) تأتي " لو " ( شرطا ل ) فعل ( ماض ، فيصرف المضارع إليه ) أي إلى المضي ، عكس " إن " الشرطية . فإنها تصرف الماضي إلى الاستقبال وأنكر قوم كونها حرف شرط ; لأن الشرط في الاستقبال . و " لو " للتعليق في الماضي وذكر بعضهم أن النزاع لفظي فإن أريد بالشرط الربط المعنوي الحكمي فهو شرط وإن أريد به ما يعمل في الجزأين فلا ( و ) تأتي شرطا ( لمستقبل قليلا ، فيصرف الماضي إليه ) أي إلى الاستقبال .

نحو قوله تعالى ( { وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين } ) قال جماعة وخطأهم ابن الحاج بأنك لا تقول : لو يقوم زيد فعمرو منطلق كما تقول : إن لا يقم زيد فعمرو منطلق . وكذا قال بدر الدين بن مالك : عندي أنها لا تكون لغير الشرط في الماضي ولا حجة فيما تمسكوا به لصحة حمله على المضي ( و ) تأتي أيضا لو ( لتمن ) نحو ( { فلو أن لنا كرة } ) أي فليت لنا كرة .

ولهذا نصب " فنكون " وهل هي امتناعية أشربت معنى التمني ، أو قسم برأسه ، أو هي المصدرية أغنت عن التمني ؟ فيه ثلاثة أقوال ( و ) تأتي لو أيضا ل ( عرض ) نحو : لو تنزل عندنا فتصيب خيرا ( و ) تأتي أيضا ل ( تحضيض ) نحو لو فعلت كذا ، أي افعل كذا . والفرق بينهما : أن العرض طلب بلين ورفق ، والتحضيض : طلب بحث ( و ) تأتي أيضا ل ( تقليل ) نحو قوله صلى الله عليه وسلم { ردوا السائل ، ولو بظلف محرق } و { التمس ولو خاتما من حديد } و { اتقوا النار ولو بشق تمرة } أثبته ابن هشام الخضراوي وابن السمعاني في القواطع قال الزركشي ، شارح جمع الجوامع : والحق أنه مستفاد مما بعدها . لا من الصيغة ( و ) تأتي أيضا " لو " لمعنى ( مصدري ) أثبته الفراء والفارسي والتبريزي وأبو البقاء وابن مالك وغيرهم . وعلامتها : أن يصلح في موضعها " أن " وأكثر وقوعها بعد ما يدل على تمن ، نحو قوله تعالى ( { يود أحدهم لو يعمر ألف سنة } ) وأنكر ذلك الأكثر . وقالوا : الآية ونحوها على حذف مفعول " يود " .

وجواب " لو " [ ص: 89 ] أي يود أحدهم طول العمر لو يعمر ألف سنة لسر بذلك . ( لولا ) ( " لولا " حرف يقتضي في جملة اسمية امتناع جوابه لوجود شرط ) نحو : لولا زيد لأكرمتك ، أي لولا زيد موجود . فامتناع الإكرام لوجود زيد ( و ) تقتضي ( في ) جملة ( مضارعة ) أي مصدرة بفعل مضارع ( تحضيضا ) نحو لولا تستغفرون الله . فهو للتحضيض وهو طلب بحث ( و ) وتقتضي في جملة ( ماضية ) أي مصدرة بفعل ماض ( توبيخا ) نحو ( { لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء } ) ( و ) تقتضي أيضا في الجملة الماضية ( عرضا ) نحو قوله تعالى ( { لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق } ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية