الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                      صفحة جزء
                                                      تنبيه [ تعلق الأحكام ] علم من تعريف الحكم بالتعلق بفعل المكلف أن الأحكام لا تتعلق بالأعيان ، وسيأتي إن شاء الله تعالى في باب المجمل أن نحو { حرمت عليكم [ ص: 159 ] أمهاتكم } أنه من باب الحذف بقرينة دلالة العقل أن الأحكام إنما تتعلق بالأفعال دون الأعيان . ولكن هذا ليس متفقا عليه ، فقد ذهب جمع من الحنفية إلى أن الحكم يتعلق بالعين كما يتعلق بالفعل ، ومعنى حرمة العين خروجها من أن تكون محلا للفعل شرعا كما أن حرمة الفعل خروج من الأعيان شرعا ، وذكر صاحب " الميزان " من الحنفية : أن الحل والحرمة إذا أضيفا إلى الأعيان فهي أوصاف لها كما تكون أوصافا للأفعال في قول الحنفية خلافا ، للمعتزلة .

                                                      قال : وإنما أنكرت المعتزلة إضافة التحريم إلى الأعيان لئلا يلزمهم نسبة خلق القبيح إلى الله تعالى بناء على أن كل محرم قبيح . وذكر صاحب " الأسرار " منهم أن الحل والحرمة معا إذا كان لمعنى في العين أضيف إليها ; لأنها نسبة كما يقال : جرى الميزاب ، وقال : حرمت الميتة ; لأن تحريمها لمعنى فيها ، ولا يقال : حرمت ; لأن حرمتها احترام المالك فحصل في تعليق الأحكام بالأعيان ثلاثة مذاهب ، وذكر هذه المسألة هنا من الغرائب ، وذكر القاضي في " التقريب " أن الشيء قد يوصف بما يعود إلى نفس الذات أو صفة نفسية ، أو معنوية قائمة بالذات ، أو صفة تعلق لا يرجع منها شيء إلى الذات ، وقد اختلف في الأحكام هل يكتسب بها الذوات صفة أم لا ؟ .

                                                      الجمهور على أنها من صفات التعلق فإذا قيل : هذا نجس فليس النجاسة [ ص: 160 ] ولا كونه نجسا راجعا إلى نفسه ، ولا إلى صفة نفسية أو معنوية للذات ، بل هي حال الطهارة والنجاسة على حد سواء لم يفد هذا الحكم صفة زائدة قائمة بها لأجل الحكم ، ومعنى النجاسة تعلق قول الله تعالى إنها مجتنبة في الصلاة ونحوه ، وكذا قولنا : شرب الخمر حرام ليس المراد تجرعها وحركات الشارب ، وإنما التحريم راجع إلى تعلق قول الله في النهي عن شربها ، وقد تحقق في علم الكلام أن صفات التعلق لا تقتضي إفادة وصف عائد إلى الذات ، وهذا كمن علم أن زيدا قاعد بين يديه فإن علمه وإن تعلق بزيد لم يغير من صفات زيد شيئا ، ولا حدثت لزيد صفة لأجل تعلق العلم به ، وذهب بعضهم إلى استفادة الذوات من الأحكام فائدة ، ورأوا أن التحريم والوجوب يرجع إلى ذات الفعل المحرم والواجب ، وقدروه وصفا ذاتيا .

                                                      قال القاضي : واعتلوا لذلك بضرب من الجهل ، وهو أنه لو توهم عدم الفعل لعدمت أحكامه بأسرها فوجب أن يكون أحكامه هي هو . قال : وهذا باطل ; لأنه يوجب أن تكون جميع صفات الأجسام ، وأحكامها وأقوالها وأفعالها هي هي ; لأنه لو تصور عدم الجسم لعدمت أحواله وألوانه وجميع تصرفاته ، فيجب أن تكون عبارة عن أفعاله ولا يقوله عاقل ، ونسب غيره هذا إلى المعتزلة ، فقال : الأحكام ترجع إلى تعلق الخطاب وهي صفة إضافية ، وقالت المعتزلة : إلى صفات الأفعال ، وهي نفسية [ ص: 161 ]

                                                      وقال الغزالي : وقولنا : الخمر محرمة تجوز ، فإنه جماد لا يتعلق به خطاب ، وإنما المحرم تناولها ، وقال إلكيا الطبري : الحكم لا يرجع إلى ذات المحكوم ولا إلى صفة ذاتية له إن قلنا : إنها زائدة على الذات ، أو صفة عرضية له ، وإنما هو تعلق أمر الله بالمخاطب ، وهذا التعلق معقول من غير وصف محدث للمتعلق به كالعلم . يتعلق بالمعلوم ، وإذا سمعت الفقيه يقول : حقي يتعلق بالعين فمعناه أنه ثبت لمعنى في العين كالخمر حرمت لمعنى فيها ، فتعلق الحكم تابعا للمعنى ، فكانت على حال ما يتعلق بالعين ، وإن لم تتعلق بها حقيقة . قال : وهذا أصل كبير في الشرع تمس الحاجة إليه في مواضع .

                                                      التالي السابق


                                                      الخدمات العلمية