الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                      صفحة جزء
                                                      [ ص: 203 ] إذا ثبت هذا فنقول : في الأعيان المنتفع بها قبل ورود الشرع مذاهب : أحدها : أنها على الإباحة ، وبه قال معتزلة البصرة . ، وأهل الرأي وأهل الظاهر كما قال الأستاذ أبو منصور . وقال أبو زيد الدبوسي في تقويم الأدلة " : إنه قول علماء الحنفية . وقال ابن برهان : إنه الصحيح عند المعتزلة . وحكاه ابن السمعاني في القواطع " عن القاضي أبي حامد المروذي وعن أبي إسحاق المروزي من أصحابنا . قال : وحكي عن ابن سريج أيضا . وهو قول أصحاب أبي حنيفة ، وأكثر المعتزلة وحكاه أبو عبد الله الزبيري من قدماء أصحابنا في كتابه عن كثير من أصحابنا منهم أبو الطيب بن الخلال وغيره . وحكاه القاضي أبو الطيب الطبري عن القاضي أبي حامد وحكاه سليم الرازي عن أبي إسحاق المروزي ، وابن سريج ، وأكثر الحنفية ، وأهل الظاهر . وحكاه عبد الوهاب والباجي عن أبي الفرج المالكي .

                                                      وقال صاحب المصادر " اختاره الشريف المرتضى ، وهو الصحيح . وقال صاحب الواضح " من المعتزلة : إنه قول عامة الفقهاء والمسلمين ، وبه قال أبو علي وابنه أبو هاشم الجبائيان ، وأبو عبد الله البصري ، ونصره عبد الجبار . [ ص: 204 ] والثاني : أنها على الحظر ، وبه قال معتزلة بغداد . وقال أبو عبد الله الزبيري من أصحابنا : إنه الحق . وبه قال أبو علي بن أبي هريرة ، وعلي بن أبان الطبري ، وأبو الحسين بن القطان : وممن حكاه عن ابن أبي هريرة القاضي أبو الطيب وسليم الرازي . وحكاه أيضا عن بعض الحنفية . قال : إلا أنهم خصوا التنفس بالهواء والانتقال من مكان إلى مكان فقالوا : هو على الإباحة ، وحكي عن المالكية ، وفهم من مذهب عبد الملك في الموازية " ، وقد سئل عن الطفل هل هو حلال ؟ فقال : لا : إن الله لم يحله . وقال صاحب المصادر " : اختلف القائلون بالحظر ، فمنهم من قال كل ما لا يقوم البدن إلا به ولا يتم العيش إلا معه على الإباحة ، وما عداه على الحظر ، ومنهم من سوى بين الكل في الحظر . انتهى .

                                                      وهو كما قال من وجود الخلاف . فقد قال الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني في شرح الترتيب " : كان أوائل القدرية يطلق أن البغداديين أنها على الحظر ، والبصريين على الإباحة . وفصله أبو هاشم ، وكان موفقا في تحقيق المذاهب ، فقال : الأشياء قبل الشرع عند البغداديين كالكعبي وأتباعه على الحظر ، في ما عدا ما للإنسان منه فكاك ولا يضطر إليه ، فأما ما يكون مضطرا كالتنفس والكون فلا . [ ص: 205 ] قال الأستاذ : وكان الدقاق ممن ينسب إلى أصحاب الشافعي يذهب مذهب الكعبي ويقول : إنها على الحظر ، وكان أبو حامد من أجلاء أصحاب الحديث يذهب مذهب البصريين ويقول : إنها على الإباحة ، وإنما بينا مذهبهما على أصول الاعتزال ، فنظر إلى أقاويلهما من لا معرفة له بالأصول ، فظنهما من أصحابنا لانتسابهما في الفروع إلى الشافعي وهو أبو علي الطبري .

                                                      التالي السابق


                                                      الخدمات العلمية