واعلم أن في جواز
nindex.php?page=treesubj&link=22183نسخ الحكم المعلق بالتأبيد وجهين ، حكاهما
الماوردي ،
والروياني وغيرهما : أحدهما : المنع ، لأن صريح التأبيد مانع من احتمال النسخ . قال : وأشبههما الجواز . قلت : ونسبه
ابن برهان إلى معظم العلماء ،
وأبو الحسين [ ص: 218 ] في " المعتمد " إلى المحققين . قال : لأن العادة في لفظ التأبيد المستعمل في لفظ الأمر المبالغة لا الدوام . وقال
الماوردي : لأن المطلق يقتضي التأبيد كالمؤكد . ولأنه لما جاز انقطاع المؤبد بالاستثناء في قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=4ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا } الآية جاز انقطاعه بالنسخ كالمطلق . ونظير المسألة تخصيص الحكم المؤكد . وقال صاحب " الكبريت الأحمر " : ظاهر كلام الجمهور جواز نسخ الحكم المصرح فيه بكلمة التأبيد ، ومنعه جماعة .
وقال
الجصاص : الصحيح عند أصحابنا امتناع نسخه ، لأن الله تعالى ألزمنا اعتقاد الحكم باقيا على سبيل التأبيد بالتنصيص عليه ، فلا يجوز أن يكون بقاؤه مؤقتا إلى وقت ، وعلى ذلك جرى
أبو منصور الماتريدي ،
والدبوسي ،
nindex.php?page=showalam&ids=13867والبزدويان الأخوان ، وادعى شارح
البزدوي في " الكشف " الاتفاق على أن التنصيص في وقت من أوقات الزمان بخصوصه يمنع النسخ ، وليس كما قال . ثم ظاهر كلام
nindex.php?page=showalam&ids=12671ابن الحاجب تخصيص الجواز بما إذا كان إنشاء ، نحو : صوموا أبدا ، بخلاف ما إذا كان خبرا مثل : الصوم واجب مستمر أبدا ،
[ ص: 219 ] فلا يجوز نسخه . وفي كلام
الآمدي إشارة إليه . والفرق واضح إذ يلزم من نسخ الخبر الخلاف . وكذلك
إمام الحرمين حيث قال في أول النسخ : فإن قيل : لو قال : هذا الحكم مؤبد لا ينسخه شيء ، فهل يجوز تقدير نسخه ؟ قلنا : لا ، لأن في تقدير وروده تجويز الخلف . ا هـ . ولكن هذه العلة لا خصوصية لها بالمؤبد ، فإن الخبر من حيث هو يمتنع فيه النسخ ، لا من حيث التأبيد . وصواب العبارة أن يقال : التقييد بالتأبيد لا يزيد حكما متجددا ، بل هو تأكيد ، سواء كان في الخبر أم الإنشاء . أما في الخبر فلا خلاف ، وأما في الإنشاء فعلى المختار . وقال بعضهم : إنما منع
nindex.php?page=showalam&ids=12671ابن الحاجب بعض الإنشاءات فكأنه فصل بين أن يكون التأبيد قيدا في فعل المكلف ، نحو : صوموا أبدا ، فيجوز ، وبين أن يكون قيدا للوجوب وبيانا لمدة بقائه واستمراره فلا يجوز .
قلت : وهذا هو الصواب كما صرح به في المنتهى . .
وَاعْلَمْ أَنَّ فِي جَوَازِ
nindex.php?page=treesubj&link=22183نَسْخِ الْحُكْمِ الْمُعَلَّقِ بِالتَّأْبِيدِ وَجْهَيْنِ ، حَكَاهُمَا
الْمَاوَرْدِيُّ ،
وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا : أَحَدُهُمَا : الْمَنْعُ ، لِأَنَّ صَرِيحَ التَّأْبِيدِ مَانِعٌ مِنْ احْتِمَالِ النَّسْخِ . قَالَ : وَأَشْبَهَهُمَا الْجَوَازُ . قُلْت : وَنَسَبَهُ
ابْنُ بَرْهَانٍ إلَى مُعْظَمِ الْعُلَمَاءِ ،
وَأَبُو الْحُسَيْنِ [ ص: 218 ] فِي " الْمُعْتَمَدِ " إلَى الْمُحَقِّقِينَ . قَالَ : لِأَنَّ الْعَادَةَ فِي لَفْظِ التَّأْبِيدِ الْمُسْتَعْمَلِ فِي لَفْظِ الْأَمْرِ الْمُبَالَغَةُ لَا الدَّوَامُ . وَقَالَ
الْمَاوَرْدِيُّ : لِأَنَّ الْمُطْلَقَ يَقْتَضِي التَّأْبِيدَ كَالْمُؤَكَّدِ . وَلِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ انْقِطَاعُ الْمُؤَبَّدِ بِالِاسْتِثْنَاءِ فِي قَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=4وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا } الْآيَةَ جَازَ انْقِطَاعُهُ بِالنَّسْخِ كَالْمُطْلَقِ . وَنَظِيرُ الْمَسْأَلَةِ تَخْصِيصُ الْحُكْمِ الْمُؤَكَّدِ . وَقَالَ صَاحِبُ " الْكِبْرِيتِ الْأَحْمَرِ " : ظَاهِرُ كَلَامِ الْجُمْهُورِ جَوَازُ نَسْخِ الْحُكْمِ الْمُصَرَّحِ فِيهِ بِكَلِمَةِ التَّأْبِيدِ ، وَمَنَعَهُ جَمَاعَةٌ .
وَقَالَ
الْجَصَّاصُ : الصَّحِيحُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا امْتِنَاعُ نَسْخِهِ ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَلْزَمَنَا اعْتِقَادَ الْحُكْمِ بَاقِيًا عَلَى سَبِيلِ التَّأْبِيدِ بِالتَّنْصِيصِ عَلَيْهِ ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَقَاؤُهُ مُؤَقَّتًا إلَى وَقْتٍ ، وَعَلَى ذَلِكَ جَرَى
أَبُو مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيُّ ،
وَالدَّبُوسِيُّ ،
nindex.php?page=showalam&ids=13867والبزدويان الْأَخَوَانِ ، وَادَّعَى شَارِحُ
الْبَزْدَوِيِّ فِي " الْكَشْفِ " الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّ التَّنْصِيصَ فِي وَقْتٍ مِنْ أَوْقَاتِ الزَّمَانِ بِخُصُوصِهِ يَمْنَعُ النَّسْخَ ، وَلَيْسَ كَمَا قَالَ . ثُمَّ ظَاهِرُ كَلَامِ
nindex.php?page=showalam&ids=12671ابْنِ الْحَاجِبِ تَخْصِيصُ الْجَوَازِ بِمَا إذَا كَانَ إنْشَاءً ، نَحْوُ : صُومُوا أَبَدًا ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ خَبَرًا مِثْلَ : الصَّوْمُ وَاجِبٌ مُسْتَمِرٌّ أَبَدًا ،
[ ص: 219 ] فَلَا يَجُوزُ نَسْخُهُ . وَفِي كَلَامِ
الْآمِدِيَّ إشَارَةٌ إلَيْهِ . وَالْفَرْقُ وَاضِحٌ إذْ يَلْزَمُ مِنْ نَسْخِ الْخَبَرِ الْخِلَافُ . وَكَذَلِكَ
إمَامُ الْحَرَمَيْنِ حَيْثُ قَالَ فِي أَوَّلِ النَّسْخِ : فَإِنْ قِيلَ : لَوْ قَالَ : هَذَا الْحُكْمُ مُؤَبَّدٌ لَا يَنْسَخُهُ شَيْءٌ ، فَهَلْ يَجُوزُ تَقْدِيرُ نَسْخِهِ ؟ قُلْنَا : لَا ، لِأَنَّ فِي تَقْدِيرِ وُرُودِهِ تَجْوِيزَ الْخُلْفِ . ا هـ . وَلَكِنَّ هَذِهِ الْعِلَّةَ لَا خُصُوصِيَّةَ لَهَا بِالْمُؤَبَّدِ ، فَإِنَّ الْخَبَرَ مِنْ حَيْثُ هُوَ يَمْتَنِعُ فِيهِ النَّسْخُ ، لَا مِنْ حَيْثُ التَّأْبِيدُ . وَصَوَابُ الْعِبَارَةِ أَنْ يُقَالَ : التَّقْيِيدُ بِالتَّأْبِيدِ لَا يَزِيدُ حُكْمًا مُتَجَدِّدًا ، بَلْ هُوَ تَأْكِيدٌ ، سَوَاءٌ كَانَ فِي الْخَبَرِ أَمْ الْإِنْشَاءِ . أَمَّا فِي الْخَبَرِ فَلَا خِلَافَ ، وَأَمَّا فِي الْإِنْشَاءِ فَعَلَى الْمُخْتَارِ . وَقَالَ بَعْضُهُمْ : إنَّمَا مَنَعَ
nindex.php?page=showalam&ids=12671ابْنُ الْحَاجِبِ بَعْضَ الْإِنْشَاءَاتِ فَكَأَنَّهُ فَصَلَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ التَّأْبِيدُ قَيْدًا فِي فِعْلِ الْمُكَلَّفِ ، نَحْوُ : صُومُوا أَبَدًا ، فَيَجُوزُ ، وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ قَيْدًا لِلْوُجُوبِ وَبَيَانًا لِمُدَّةِ بَقَائِهِ وَاسْتِمْرَارِهِ فَلَا يَجُوزُ .
قُلْت : وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُنْتَهَى . .