[ ص: 37 ] في بيان
nindex.php?page=treesubj&link=21405الطرق التي بها تعرف جهة الفعل من كونه واجبا ، ومندوبا ، ومباحا ; لأن وجوب المتابعة يتوقف على ذلك . اعلم أن فعله عليه السلام ينحصر فيما ذكرنا ; لأن المحرم يمتنع صدوره منه إجماعا ، وكذلك المكروه عندنا ، بل لا يتصور منه وقوعه ; لأنه إنما يفعله لقصد التشريع ، فهو أفضل في حقه من الترك ، وإن كان فعله مكروها لنا ، ثم الطريق قد يعم هذه الأمور ، وقد يخص البعض . فالعام أربعة : أحدها : أن ينص على كونه من القسم الفلاني . ثانيها : أن يسويه بفعل علمت جهته . ثالثها : أن يقع امتثالا لآية مجملة ، دلت على أحد هذه الثلاثة . رابعها : أن يقع بيانا لآية مجملة دلت على أحدها .
وأما الخاص بالوجوب ، فعرف بطرق . أحدها : أن يقع على صفة تقرر في الشرع أنها أمارة الوجوب ، كالصلاة بأذان وإقامة . ثانيها : أن يقع قضاء لعبادة علم وجوبها عليه . ثالثها : أن يقع جزاء شرط كفعل ما وجب بالنذر . قلنا : إن النذر غير مكروه .
[ ص: 38 ] رابعها : أن يداوم على الفعل مع عدم ما يدل على عدم الوجوب ; لأنه لو كان غير واجب لأخل بتركه . خامسها : ذكر
الصيرفي أن يفعله فصلا بين المتداعيين جزاء ، فهو دليل على وجوبه . قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=65ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت } وكذلك ما أخذه من مال رجل وأعطاه لآخر ، فيعلم أن ذلك الأخذ واجب . سادسها : أن يكون ممنوعا منه لو لم يجب ،
nindex.php?page=treesubj&link=1180_21405كالإتيان بالركوعين في صلاة الخسوف . فإن الزيادة في الصلاة مبطلة في غير الخسوف ، فمشروعيتها دليل على وجوبها . وهذا المعنى نقلوه عن
ابن سريج في إيجاب الختان ، وهو منتقض بصور كثيرة . منها سجود السهو ،
nindex.php?page=treesubj&link=22734_21405والتلاوة في الصلاة ، فإنه ممنوع منه ، ولما جاز لم يجب . وكذلك
nindex.php?page=treesubj&link=22670_21405_1144رفع اليدين على التوالي في تكبيرات العيد ، وغيره ، وقال
الخفاف في الخصال : فعل النبي صلى الله عليه وسلم غير واجب علينا إلا في خصلتين ، أن يكون فعله بيانا أو يقارنه دلالة . وأما الخاص بالندب فأمور : منها قصد القربة مجردا عن أمارة دالة على الوجوب ، فإنه يدل على كونه مندوبا ، وبكونه قضاء لمندوب ، ومداومته على الفعل ثم يخل بتركه ، كتركه الجلوس للتشهد الأول ، وكذا تركه
nindex.php?page=treesubj&link=26671_21405الوضوء مما مسته النار بعد وجوبه ، فيه دليل على أنه كان غير واجب فيه .
قاله
nindex.php?page=showalam&ids=16392الأستاذ أبو منصور ، ومنها بالدلالة على أنه كان مخيرا بينه وبين فعل آخر ثبت [ عدم ] وجوبه ; لأن التخيير لا يقع بين واجب وغير واجب ، وقد يكون بعض الندوب آكد من بعض .
[ ص: 39 ] قال
القفال في " محاسن الشريعة " : ومما تعرف بها الآكدية المداومة عليه ; لأنه أعرف بمواقع الشكر ، فيقدم على ما لم يداوم عليه . ومنها أداؤه في جماعة ، فيكون آكد مما شرعه منفردا ; لأن الجماعة من شعائر الفرائض . ومنها التوقيت ، فالفعل المؤقت أفضل مما لا وقت له ; لأن التوقيت من معالم الفروض . وجعل منه الوتر والرواتب ، وما نقص عن ذلك كان بعده في الرتبة ، وذكر
الإمام في " النهاية " من أسباب الآكدية أن ما اتفق عليه آكد مما اختلف فيه . وهذا خارج عما نحن فيه . وتعرف الإباحة بمجرد الفعل وتنتفي ندبيته ووجوبه بالبقاء على حكم الأصل ، فيعرف أنه مباح : قال في المحصول : وبأنه ثبت أنه لا يفعل راجح الترك ، فيعلم أن فعله غير راجح الترك ، والأصل عدم رجحان الفعل فثبتت الإباحة . قال
الصيرفي : وبأن يفعله بعد نهي منه ، فيعلم زوال النهي . ومثله بأمره بالصلاة قعودا خلف الإمام القاعد ، ثم صلى قاعدا ، والناس قيام خلفه . قال : وهذا إنما يقع في السنة ; لأن السنة لا تنسخ القرآن .
[ ص: 37 ] فِي بَيَانِ
nindex.php?page=treesubj&link=21405الطُّرُقِ الَّتِي بِهَا تُعْرَفُ جِهَةُ الْفِعْلِ مِنْ كَوْنِهِ وَاجِبًا ، وَمَنْدُوبًا ، وَمُبَاحًا ; لِأَنَّ وُجُوبَ الْمُتَابَعَةِ يَتَوَقَّفُ عَلَى ذَلِكَ . اعْلَمْ أَنَّ فِعْلَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَنْحَصِرُ فِيمَا ذَكَرْنَا ; لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ يَمْتَنِعُ صُدُورُهُ مِنْهُ إجْمَاعًا ، وَكَذَلِكَ الْمَكْرُوهُ عِنْدَنَا ، بَلْ لَا يَتَصَوَّرُ مِنْهُ وُقُوعُهُ ; لِأَنَّهُ إنَّمَا يَفْعَلُهُ لِقَصْدِ التَّشْرِيعِ ، فَهُوَ أَفْضَلُ فِي حَقِّهِ مِنْ التَّرْكِ ، وَإِنْ كَانَ فِعْلُهُ مَكْرُوهًا لَنَا ، ثُمَّ الطَّرِيقُ قَدْ يَعُمُّ هَذِهِ الْأُمُورَ ، وَقَدْ يَخُصُّ الْبَعْضَ . فَالْعَامُّ أَرْبَعَةٌ : أَحَدُهَا : أَنْ يَنُصَّ عَلَى كَوْنِهِ مِنْ الْقِسْمِ الْفُلَانِيِّ . ثَانِيهَا : أَنْ يُسَوِّيَهُ بِفِعْلٍ عُلِمَتْ جِهَتُهُ . ثَالِثُهَا : أَنْ يَقَعَ امْتِثَالًا لِآيَةٍ مُجْمَلَةٍ ، دَلَّتْ عَلَى أَحَدِ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ . رَابِعُهَا : أَنْ يَقَعَ بَيَانًا لِآيَةٍ مُجْمَلَةٍ دَلَّتْ عَلَى أَحَدِهَا .
وَأَمَّا الْخَاصُّ بِالْوُجُوبِ ، فَعُرِفَ بِطُرُقٍ . أَحَدُهَا : أَنْ يَقَعَ عَلَى صِفَةٍ تَقَرَّرَ فِي الشَّرْعِ أَنَّهَا أَمَارَةُ الْوُجُوبِ ، كَالصَّلَاةِ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ . ثَانِيهَا : أَنْ يَقَعَ قَضَاءً لِعِبَادَةٍ عُلِمَ وُجُوبُهَا عَلَيْهِ . ثَالِثُهَا : أَنْ يَقَعَ جَزَاءَ شَرْطٍ كَفِعْلِ مَا وَجَبَ بِالنَّذْرِ . قُلْنَا : إنَّ النَّذْرَ غَيْرُ مَكْرُوهٍ .
[ ص: 38 ] رَابِعُهَا : أَنْ يُدَاوِمَ عَلَى الْفِعْلِ مَعَ عَدَمِ مَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ ; لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ غَيْرَ وَاجِبٍ لَأَخَلَّ بِتَرْكِهِ . خَامِسُهَا : ذَكَرَ
الصَّيْرَفِيُّ أَنْ يَفْعَلَهُ فَصْلًا بَيْنَ الْمُتَدَاعِيَيْنِ جَزَاءً ، فَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِهِ . قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=65ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ } وَكَذَلِكَ مَا أَخَذَهُ مِنْ مَالِ رَجُلٍ وَأَعْطَاهُ لِآخَرَ ، فَيُعْلَمُ أَنَّ ذَلِكَ الْأَخْذَ وَاجِبٌ . سَادِسُهَا : أَنْ يَكُونَ مَمْنُوعًا مِنْهُ لَوْ لَمْ يَجِبْ ،
nindex.php?page=treesubj&link=1180_21405كَالْإِتْيَانِ بِالرُّكُوعَيْنِ فِي صَلَاةِ الْخُسُوفِ . فَإِنَّ الزِّيَادَةَ فِي الصَّلَاةِ مُبْطِلَةٌ فِي غَيْرِ الْخُسُوفِ ، فَمَشْرُوعِيَّتُهَا دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِهَا . وَهَذَا الْمَعْنَى نَقَلُوهُ عَنْ
ابْنِ سُرَيْجٍ فِي إيجَابِ الْخِتَانِ ، وَهُوَ مُنْتَقِضٌ بِصُوَرٍ كَثِيرَةٍ . مِنْهَا سُجُودُ السَّهْوِ ،
nindex.php?page=treesubj&link=22734_21405وَالتِّلَاوَةِ فِي الصَّلَاةِ ، فَإِنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْهُ ، وَلَمَّا جَازَ لَمْ يَجِبْ . وَكَذَلِكَ
nindex.php?page=treesubj&link=22670_21405_1144رَفْعُ الْيَدَيْنِ عَلَى التَّوَالِي فِي تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ ، وَغَيْرِهِ ، وَقَالَ
الْخَفَّافُ فِي الْخِصَالِ : فِعْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَيْنَا إلَّا فِي خَصْلَتَيْنِ ، أَنْ يَكُونَ فِعْلُهُ بَيَانًا أَوْ يُقَارِنُهُ دَلَالَةٌ . وَأَمَّا الْخَاصُّ بِالنَّدْبِ فَأُمُورٌ : مِنْهَا قَصْدُ الْقُرْبَةِ مُجَرَّدًا عَنْ أَمَارَةٍ دَالَّةٍ عَلَى الْوُجُوبِ ، فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى كَوْنِهِ مَنْدُوبًا ، وَبِكَوْنِهِ قَضَاءً لِمَنْدُوبٍ ، وَمُدَاوَمَتُهُ عَلَى الْفِعْلِ ثُمَّ يُخِلُّ بِتَرْكِهِ ، كَتَرْكِهِ الْجُلُوسَ لِلتَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ ، وَكَذَا تَرْكُهُ
nindex.php?page=treesubj&link=26671_21405الْوُضُوءَ مِمَّا مَسَّتْهُ النَّارُ بَعْدَ وُجُوبِهِ ، فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ غَيْرَ وَاجِبٍ فِيهِ .
قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=16392الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ ، وَمِنْهَا بِالدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّهُ كَانَ مُخَيَّرًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ فِعْلٍ آخَرَ ثَبَتَ [ عَدَمُ ] وُجُوبِهِ ; لِأَنَّ التَّخْيِيرَ لَا يَقَعُ بَيْنَ وَاجِبٍ وَغَيْرِ وَاجِبٍ ، وَقَدْ يَكُونُ بَعْضُ النُّدُوبِ آكِدٌ مِنْ بَعْضٍ .
[ ص: 39 ] قَالَ
الْقَفَّالُ فِي " مَحَاسِنِ الشَّرِيعَةِ " : وَمِمَّا تُعْرَفُ بِهَا الْآكَدِيَّةُ الْمُدَاوَمَةُ عَلَيْهِ ; لِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِمَوَاقِعِ الشُّكْرِ ، فَيُقَدَّمُ عَلَى مَا لَمْ يُدَاوِمْ عَلَيْهِ . وَمِنْهَا أَدَاؤُهُ فِي جَمَاعَةٍ ، فَيَكُونُ آكَدَ مِمَّا شَرَعَهُ مُنْفَرِدًا ; لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ مِنْ شَعَائِرِ الْفَرَائِضِ . وَمِنْهَا التَّوْقِيتُ ، فَالْفِعْلُ الْمُؤَقَّتُ أَفْضَلُ مِمَّا لَا وَقْتَ لَهُ ; لِأَنَّ التَّوْقِيتَ مِنْ مَعَالِمِ الْفُرُوضِ . وَجُعِلَ مِنْهُ الْوِتْرُ وَالرَّوَاتِبُ ، وَمَا نَقَصَ عَنْ ذَلِكَ كَانَ بَعْدَهُ فِي الرُّتْبَةِ ، وَذَكَرَ
الْإِمَامُ فِي " النِّهَايَةِ " مِنْ أَسْبَابِ الْآكَدِيَّةِ أَنَّ مَا اُتُّفِقَ عَلَيْهِ آكَدُ مِمَّا اُخْتُلِفَ فِيهِ . وَهَذَا خَارِجٌ عَمَّا نَحْنُ فِيهِ . وَتُعْرَفُ الْإِبَاحَةُ بِمُجَرَّدِ الْفِعْلِ وَتَنْتَفِي نَدْبِيَّتُهُ وَوُجُوبُهُ بِالْبَقَاءِ عَلَى حُكْمِ الْأَصْلِ ، فَيُعْرَفُ أَنَّهُ مُبَاحٌ : قَالَ فِي الْمَحْصُولِ : وَبِأَنَّهُ ثَبَتَ أَنَّهُ لَا يَفْعَلُ رَاجِحَ التَّرْكِ ، فَيُعْلَمُ أَنَّ فِعْلَهُ غَيْرُ رَاجِحِ التَّرْكِ ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ رُجْحَانِ الْفِعْلِ فَثَبَتَتْ الْإِبَاحَةُ . قَالَ
الصَّيْرَفِيُّ : وَبِأَنْ يَفْعَلَهُ بَعْدَ نَهْيٍ مِنْهُ ، فَيُعْلَمُ زَوَالُ النَّهْيِ . وَمِثْلُهُ بِأَمْرِهِ بِالصَّلَاةِ قُعُودًا خَلْفَ الْإِمَامِ الْقَاعِدِ ، ثُمَّ صَلَّى قَاعِدًا ، وَالنَّاسُ قِيَامٌ خَلْفَهُ . قَالَ : وَهَذَا إنَّمَا يَقَعُ فِي السُّنَّةِ ; لِأَنَّ السُّنَّةَ لَا تَنْسَخُ الْقُرْآنَ .