الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                وأما بيان ما يسقط الحد بعد وجوبه فنقول : ما يسقطه بعد وجوبه أنواع : منها تكذيب المسروق منه السارق في إقراره بالسرقة بأن يقول له : لم تسرق مني ، ومنها تكذيبه البينة بأن يقول : شهد شهودي بزور ; لأنه إذا كذب فقد بطل الإقرار والشهادة ; فسقط القطع ، ومنها رجوع السارق عن الإقرار بالسرقة فلا يقطع ، ويضمن المال ; لأن الرجوع يقبل في الحدود ، ولا يقبل في المال ; لأنه يورث شبهة في الإقرار ، والحد يسقط بالشبهة ، ولا يسقط المال رجلان أقرا بسرقة ثوب يساوي مائة درهم ، ثم قال أحدهما : الثوب ثوبنا لم نسرقه ، أو قال : هذا لي درئ القطع عنهما ; لأنهما لما أقرا بالسرقة فقد ثبتت الشركة بينهما في السرقة .

                                                                                                                                ثم لما أنكر أحدهما فقد رجع عن إقراره فبطل الحد عنه برجوعه فيورث شبهة في حق الشريك ; لاتحاد السرقة ولو قال أحدهما : سرقنا هذا الثوب من فلان فكذبه الآخر ، وقال كذبت لم نسرقه قطع المقر وحده في قول أبي حنيفة ، وقال أبو يوسف : لا يقطع واحد منهما .

                                                                                                                                ( وجه ) قول أبي يوسف : أنه أقر بسرقة واحدة بينهما على الشركة ، فإذا لم تثبت في حق شريكه بإنكاره يؤثر ذلك في حق صاحبه ضرورة اتحاد السرقة ، وهذا ، بخلاف ما إذا أقر بالزنا بامرأة فأنكرت : إنه يحد الرجل على أصله ; لأن إنكار المرأة لا يؤثر في إقرار الرجل إذ ليس من ضرورة عدم الزنا من جانبها عدمه من جانبه ، كما لو زنى بصبية ، أو مجنونة ، بخلاف الإقرار بالسرقة ; لأن ذلك وجد من أحدهما على وجه الشركة ، فعدم السرقة من أحدهما يؤثر في حق الآخر .

                                                                                                                                ( وجه ) قول أبي حنيفة : أن إقراره بالشركة في السرقة إقرار بوجود السرقة من كل واحد منهما ، إلا أنه لما أنكر صاحبه السرقة لم يثبت منه فعل السرقة ، وعدم الفعل منه لا يؤثر في وجود الفعل من صاحبه فبقي إقرار صاحبه على نفسه بالسرقة فيؤخذ به ، بخلاف إقرار الرجل على نفسه بالزنا بامرأة ، وهي تجحد ; إنه لا يجب الحد على الرجل على أصله ; لأن الزنا لا يقوم إلا بالرجل والمرأة فإذا أنكرت لم يثبت منها فلا يتصور الوجود من الرجل ، بخلاف الإقرار بالسرقة على ما بينا ، والله - سبحانه وتعالى - أعلم .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية