الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              4137 [ 2171 ] وعن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قال: من أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة.

                                                                                              رواه أحمد (4 \ 68) ومسلم (2230).

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              وقوله: "من أتى عرافا لم تقبل له صلاة أربعين يوما " العراف هو الحازي والمنجم الذي يدعي الغيب، وهذا يدل على أن إتيان العرافين كبيرة، وظاهره أن صلاته في هذه الأربعين تحبط وتبطل، وهو خارج على أصول الخوارج الفاسدة في تكفيرهم بالذنوب، وقد بينا فساد هذا الأصل فيما تقدم، وأنه لا يحبط الأعمال إلا الردة. وأما غيرها فالحسنات تبطل السيئات كما قال تعالى: إن الحسنات يذهبن السيئات وهذا مذهب أهل السنة والجماعة ، فليس معنى قوله: " لا تقبل له صلاة " أن تحبط، بل إنما معناه - والله أعلم - أنها [ ص: 636 ] لا تقبل قبول الرضا وتضعيف الأجر. لكنه إذا فعلها على شروطها الخاصة بها فقد برئت ذمته من المطالبة بالصلاة وتقصى عن عهدة الخطاب بها، ويفوته قبول المرضي عنه وإكرامه وثوابه، ويتضح ذلك باعتبار ملوك الأرض، ولله المثل الأعلى، وذلك أن المهدي إما مردود عليه أو مقبول منه، والمقبول إما مقرب مكرم مثاب وإما ليس كذلك، فالأول هو المبعد المطرود، والثاني هو المقبول القبول التام الكامل، والثالث لا يصدق عليه أنه مثل الأول فإنه لم ترد هديته، بل قد التفت إليه وقبلت منه، لكنه لما لم يثب ولم يقرب صار كأنه غير مقبول منه، فيصدق عليه أنه لم يقبل منه إذ لم يحصل له ثواب ولا إكرام.

                                                                                              وتخصيصه - صلى الله عليه وسلم - الأربعين بالذكر قد جاء في مواضع كثيرة من الشرع; منها: قوله في شارب الخمر: "لا تقبل له صلاة أربعين يوما" وقوله: "والذي نفسي بيده، إنه ليجمع خلق أحدكم في بطن أمه أربعين يوما، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك" وقوله: "من أخلص لله أربعين ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه". ومنه قوله تعالى: وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة ومنه توقيته - صلى الله عليه وسلم - في قص الشارب وتقليم الأظفار وحلق العانة ألا تترك أكثر من أربعين ليلة، فتخصيص هذه المواضع بهذا العدد الخاص هو سر من أسرار الشريعة لم يطلع عليه نصا، غير أنه قد تنسم منه بعض علمائنا أمرا تسكن النفس إليه، وذلك أنه قال: إن هذا العدد في هذه المواضع إنما خص بالذكر؛ لأنه مدة يكمل فيها ما ضربت له، فينتقل إلى غيره ويحصل فيها تبدله وبيانه بانتقال أطوار الخلقة في كل أربعين منها يكمل فيها طور، فينتقل عند انتهائه إلى غيره، [ ص: 637 ] كما قد نص عليه في الحديث.

                                                                                              وكذلك في الأربعين الميعادية: أمر بنو إسرائيل أن يكملوا تهيؤهم لسماع كلام الله، فكمل لهم ذلك عند انتهائها، ومثل ذلك في الأربعين الإخلاصية. وأما أربعون شارب الخمر فليتبدل لحم شارب الخمر بغيره، ويؤيده أن أهل التجارب قالوا: إن السمن يظهر في الحيوان في أربعين يوما، وقريب من هذا الأربعون المضروبة لخصال الفطرة; لأنها عند انتهائها يكمل فحشها واستقذارها، فينبغي أن تغير عن حالها.

                                                                                              وأما أربعون إتيان العراف فلأنها - والله أعلم - المدة التي ينتهي إليها تأثير تلك المعصية في قلب فاعلها وفي جوارحه، وعند انتهائها ينتهي ذلك التأثير، والله تعالى أعلم.




                                                                                              الخدمات العلمية