الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                      صفحة جزء
                                                      [ ص: 272 ] فائدة : الفرق بين قول الفقهاء : الواجب أحد الأمرين ، وبين قولهم : الواجب هذا والآخر بدل عن هذا ، كما في القتل العمد ، هل الواجب القود والدية بدل عنه أو أحدهما ؟ أن الثاني فيه ترتيب كالماء والتراب ، والأول لا ترتيب فيه . فائدة ثانية حكي عن أبي إسحاق المروزي أنه قال : إذا أمر الله بأشياء ، وعطف بعضها على بعض نظرت ، فإن بدأ بالأغلظ ، ثم ذكر بعده الأخف كان دليلا على الترتيب بدليل كفارة الظهار ، وإن بدأ بالأخف كان دليلا على التخيير بدليل كفارة اليمين . حكاه بعض شراح اللمع " . وقد يورد عليه كفارة قتل الصيد ، فإنها مبدوءة بالأغلظ ، وهو إيجاب مثل الصيد مع أنها للتخيير . نعم حكى أبو ثور عن الشافعي أنها على الترتيب ; لأن كفارات النفوس لا تخيير فيها ، ككفارة قتل الآدمي . وقال أبو منصور الماتريدي في " تفسيره : كلمة " أو " متى ذكرت بين الأجزية المختلفة الأسباب فهي للترتيب ، كآية المحاربة ، وإلا فللتخيير ككفارة اليمين . [ ص: 273 ] وروى الشافعي في الأم " عن عمرو بن دينار : كل شيء في القرآن فيه " أو " فهو على التخيير .

                                                      قال ابن جريج : إلا قوله تعالى { إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله } فليس بمخير فيها . قال الشافعي رحمه الله تعالى : وبما قال ابن جريج أقول . أي : إنها ليست للتخيير بل لبيان أنواع العقوبة المختلفة بحسب اختلاف الحرمة ، ومثله { قوله صلى الله عليه وسلم في صدقة الفطر صاعا من تمر ، أو صاعا من شعير } فإن أصح قولي الشافعي أنه لا يتخير في ذلك بناء على أن " أو " فيه للتنويع لا للتخيير أي : صاعا من [ ص: 274 ] تمر إن كان غالب قوت بلده ، أو من شعير إن كان غالب قوت بلده . تنبيه [ تمثيل الواجب المخير بآية الكفارة ] استشكل العبدري في شرح المستصفى " تمثيل الأئمة للواجب المخير بآية الكفارة من جهة أن النحويين نصوا على أن " أو " تكون في الخبر للشك وفي الأمر والنهي للتخيير أو للإباحة ، وفرقوا بينهما ، فقالوا : إذا فعل المأمور الفعلين في التخيير كان عاصيا ، وإذا فعلهما أو أحدهما في الإباحة كان مطيعا . قال : فالشائع في اللغة : أن تسمى الكفارة واجبا مباحة أنواعه ، لا واجب مخير في أنواعه . وهذا السؤال أورده صاحب البسيط " عن النحويين ، وأجاب عنه بأنه إنما يمتنع الجمع بينهما في المحظور ; لأن أحدهما ينصرف إليه الأمر ، والآخر يبقى محظورا لا يجوز له فعله ، ولا يمتنع في خصال الكفارة ; لأنه يأتي بما عدا الواجب تبرعا ، ولا يمنع من التبرع . والأحسن في الجواب : أن الممنوع منه في الجمع الإتيان بكل واحد على أنه الواجب ، أما لو أتى بالجميع لا على هذا المعنى فهو جائز قطعا ، وأن الإتيان بالمأمور به إنما يكون في واحد منها ، وجواز غيرها إنما هو بحكم الإباحة الأصلية . حتى لو لم يكن مباحا لم يجز ، كما إذا قال : بع هذا العبد أو ذاك .

                                                      التالي السابق


                                                      الخدمات العلمية