الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              2391 باب منه

                                                                                                                              وذكره النووي في: (باب سفر المرأة مع محرم، إلى حج وغيره)

                                                                                                                              حديث الباب

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 109 - 110 ج9 المطبعة المصرية

                                                                                                                              [عن أبي معبد، قال: سمعت ابن عباس يقول: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يقول: "لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم. ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم". فقام رجل فقال: يا رسول الله! إن امرأتي خرجت حاجة. وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا. قال: "انطلق فحج مع امرأتك" ].

                                                                                                                              [ ص: 218 ]

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              [ ص: 218 ] (الشرح)

                                                                                                                              (عن ابن عباس) رضي الله عنهما، (قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم - يخطب يقول: "لا يخلون رجل بامرأة، إلا ومعها ذو محرم".)

                                                                                                                              هذا استثناء منقطع؛ لأنه متى كان معها محرم لم تبق خلوة.

                                                                                                                              فتقدير الحديث: (لا يقعدن رجل مع امرأة، إلا ومعها محرم).

                                                                                                                              وقوله: (معها ذو محرم). يحتمل أن يريد محرما لها، ويحتمل أن يريد محرما لها وله.

                                                                                                                              وهذا الثاني: هو الجاري على طريقة الفقهاء.

                                                                                                                              فإنه لا فرق بين أن يكون معها محرم لها: كابنها، وأخيها، وأمها، وأختها. أو يكون محرما له: كأخته، وبنته، وعمته، وخالته.

                                                                                                                              فيجوز القعود معها، في هذه الأحوال.

                                                                                                                              ثم إن الحديث مخصوص أيضا بالزوج، فإنه لو كان معها زوجها كان كالمحرم. وأولى بالجواز.

                                                                                                                              وأما إذا خلا الأجنبي بالأجنبية من غير ثالث معهما، فهو حرام باتفاق العلماء.

                                                                                                                              [ ص: 219 ] وكذا لو كان معهما من لا يستحى منه لصغره: كابن سنتين وثلاث ونحو ذلك؛ فإن وجوده كالعدم.

                                                                                                                              وكذا لو اجتمع رجال بامرأة أجنبية، فهو حرام. بخلاف ما لو اجتمع رجل بنسوة أجانب، فإن الصحيح جوازه.

                                                                                                                              قال النووي : وقد أوضحت المسألة في (شرح المهذب).

                                                                                                                              والمختار: أن الخلوة بالأمرد الأجنبي الحسن: كالمرأة، فتحرم الخلوة به حيث حرمت بالمرأة. إلا إذا كان في جمع من الرجال المصونين.

                                                                                                                              قالت الشافعية : ولا فرق في تحريم الخلوة (حيث حرمناها) ، بين الخلوة في صلاة أو غيرها.

                                                                                                                              ويستثنى من هذا كله، مواضع الضرورة، بأن يجد امرأة أجنبية منقطعة في الطريق، أو نحو ذلك، فيباح له استصحابها، بل يلزمه ذلك إذا خاف عليها لو تركها.

                                                                                                                              وهذا لا اختلاف فيه. ويدل عليه حديث عائشة (رضي الله عنها) ، في قصة الإفك. والله أعلم.

                                                                                                                              ( "ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم"، فقام رجل فقال: يا رسول الله! إن امرأتي خرجت حاجة، وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا، قال: "انطلق فحج مع امرأتك" .) "فيه": تقديم الأهم من الأمور المتعارضة، لأنه لما تعارض سفره في [ ص: 220 ] الغزو وفي الحج معها: رجح الحج معها، لأن الغزو يقوم غيره مقامه عنه، بخلاف الحج معها.

                                                                                                                              قال في (نيل الأوطار): فيه: دليل على أن الزوج داخل في مسمى المحرم، أو قائم مقامه.

                                                                                                                              قال في (الفتح): وقد أخذ بظاهر الحديث بعض أهل العلم، فأوجب على الزوج السفر مع امرأته، إذا لم يكن لها غيره.

                                                                                                                              وبه قال أحمد . وهو وجه للشافعي .

                                                                                                                              والمشهور: أنه لا يلزمه، (كالولي) في الحج عن المريض.

                                                                                                                              فلو امتنع إلا بأجرة لزمتها، لأنه من سبيلها، فصار في حقها كالمئونة.

                                                                                                                              واستدل به على أنه: ليس للزوج منع امرأته من حج الفرض. وبه قال أحمد .

                                                                                                                              وهو وجه للشافعية . والأصح عندهم: أن له منعها، لكون الحج على التراخي.

                                                                                                                              وقد روى الدارقطني عن ابن عمر مرفوعا، في امرأة لها زوج ولها مال، ولا يأذن لها في الحج: ليس لها أن تنطلق إلا بإذن زوجها.

                                                                                                                              وأجيب عنه: بأنه محمول على حج التطوع، جمعا بين الحديثين.

                                                                                                                              [ ص: 221 ] ونقل ابن المنذر الإجماع: على أن للرجل منع زوجته عن الخروج، في الأسفار كلها .

                                                                                                                              وإنما اختلفوا فيما إذا كان واجبا.

                                                                                                                              وقد استدل ابن حزم بهذا الحديث، على أنه يجوز للمرأة السفر بغير زوج ولا محرم، لكونه -صلى الله عليه وسلم- لم يعب عليها ذلك السفر بعد أن أخبره زوجها.

                                                                                                                              وتعقب بأنه لو لم يكن ذلك شرطا، لما أمر زوجها بالسفر معها وترك الغزو الذي اكتتب فيه. والله أعلم.




                                                                                                                              الخدمات العلمية