الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              3017 [ ص: 95 ] باب في الشفعة

                                                                                                                              وقال النووي: ( باب الشفعة ) .

                                                                                                                              وفي المنتقى: (كتاب الشفعة ) .

                                                                                                                              حديث الباب

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي ص46 ج11 المطبعة المصرية

                                                                                                                              [ عن جابر؛ قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشفعة، في كل شركة لم تقسم؛ "ربعة أو حائط": لا يحل له: أن يبيع حتى يؤذن شريكه. فإن شاء أخذ. وإن شاء ترك. فإذا باع ولم يؤذنه، فهو أحق به .]

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              (عن جابر ) رضي الله عنه، (قال: قضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالشفعة ) .

                                                                                                                              قال أهل اللغة: "الشفعة" من شفعت الشيء، إذا ضممته، وثنيته. ومنه: "شفع الأذان". وسميت: "شفعة"، لضم نصيب إلى نصيب.

                                                                                                                              قال في الفتح: هو بضم المعجمة وسكون الفاء. وغلط من حركها.

                                                                                                                              وهي مأخوذة "لغة": من "الشفع" وهو الزوج.

                                                                                                                              وقيل: من الزيادة.

                                                                                                                              وقيل: من الإعانة.

                                                                                                                              [ ص: 96 ] وفي الشرع: انتقال حصة شريك إلى شريك، كانت انتقلت إلى أجنبي: بمثل العوض المسمى.

                                                                                                                              ولم يختلف العلماء في مشروعيتها، إلا ما نقل عن أبي بكر الأصم، من إنكارها. انتهى.

                                                                                                                              (في كل شركة لم تقسم ) . ظاهر هذا العموم: ثبوت الشفعة في جميع الأشياء. وأنه لا فرق بين الحيوان، والجماد، والمنقول، وغيره.

                                                                                                                              (ربعة ) "الربع" بفتح الراء وإسكان الباء: الدار، والمسكن، ومطلق الأرض. وأصله: المنزل الذي كانوا يرتبعون فيه.

                                                                                                                              والربعة: تأنيث "الربع". وقيل: واحده.

                                                                                                                              والجمع الذي هو اسم الجنس: "ربع"، كتمرة وتمر.

                                                                                                                              قال النووي: أجمع المسلمون على ثبوتها للشريك في العقار، ما لم يقسم.

                                                                                                                              والحكمة في ثبوتها: إزالة الضرر عن الشريك. وخصت بالعقار: لأنه أكثر الأنواع ضررا.

                                                                                                                              واتفقوا: على أنه لا شفعة في الحيوان، والثياب، والأمتعة، وسائر المنقول.

                                                                                                                              (أو حائط ) : يعني بستانا.

                                                                                                                              [ ص: 97 ] (لا يحل له: أن يبيع حتى يؤذن شريكه. فإن شاء أخذ. وإن شاء ترك. فإذا باع ولم يؤذنه، فهو أحق به ) .

                                                                                                                              ظاهره: أنه يجب هذا الإيذان. وفي شرح الإرشاد: الحديث يقتضي أنه يحرم البيع، قبل العرض على الشريك. قال ابن الرفعة: ولم أظفر به عن أحد من أصحابنا، ولا محيد عنه. وقد قال الشافعي: إذا صح الحديث، فاضربوا بقولي عرض الحائط. قال الأوزاعي: إنه الذي يقتضيه نص الشافعي. وحمله الجمهور منهم: على الندب، وكراهة ترك الإعلام.

                                                                                                                              وفي الحديث: دليل على ثبوت الشفعة للشريك، الذي لم يؤذنه شريكه بالبيع.

                                                                                                                              وأما إذا أعلمه الشريك بالبيع، فأذن فيه فباع، ثم أراد الشريك أن يأخذه بالشفعة؛

                                                                                                                              فقال مالك، والشافعي، وأبو حنيفة، وجمهور أهل العلم: إن له أن يأخذه بالشفعة. ولا يكون مجرد الإذن مبطلا لها.

                                                                                                                              وقال الثوري، وطائفة من أهل الحديث: ليس له أن يأخذه بالشفعة، بعد وقوع الإذن منه بالبيع.

                                                                                                                              [ ص: 98 ] وعن أحمد: روايتان، كالمذهبين.

                                                                                                                              ودليل الآخرين: مفهوم الشرط. فإنه يقتضي عدم ثبوت الشفعة، مع الإيذان من البائع.

                                                                                                                              ودليل الأولين: الأحاديث الواردة في شفعة الشريك، والجار، من غير تقييد. وهي منطوقات، لا يقاومها ذلك المفهوم.

                                                                                                                              ويجاب: بأن المفهوم المذكور، صالح لتقييد تلك المطلقات، عند من عمل بمفهوم الشرط من أهل العلم والترجيح.

                                                                                                                              وإنما يصار إليه: عند تعذر الجمع. وقد أمكن ههنا: بحمل المطلق على المقيد.

                                                                                                                              وفي رواية عن جابر، عند البخاري، بلفظ: "فإذا وقعت الحدود، وصرفت الطرق: فلا شفعة".

                                                                                                                              وفي حديث أبي هريرة يرفعه: "إذا قسمت الدار، وحدت: فلا شفعة". رواه أبو داود.

                                                                                                                              والمعنى: إذا حصلت قسمة الحدود في المبيع، واتضحت بها مواضعها، وبينت مصارفها، وخلصت وبانت: فلا شفعة.

                                                                                                                              واستدل بهذا، من قال: إن الشفعة لا تثبت إلا بالخلطة، لا بالجوار.

                                                                                                                              [ ص: 99 ] وقال أبو حنيفة: بالجوار. ودليله: حديث "سمرة" رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، قال: "جار الدار أحق بالدار، من غيره".

                                                                                                                              وأجيب: بأن المراد بالجار "في الحديث الوارد في الجوار": الجار الأخص. وهو الشريك المخالط. لأن كل شيء قارب شيئا، يقال له: "جار". كما قيل لامرأة الرجل: "جارة"، لما بينهما من المخالطة.

                                                                                                                              وبهذا يندفع ما قيل: إنه ليس في اللغة، ما يقتضي تسمية الشريك: " جارا".

                                                                                                                              ولفظ "الشريك" عام؛ يتناول المسلم، والكافر، والذمي. فثبت للذمي الشفعة على المسلم، كما ثبتت للمسلم على الذمي. هذا قول الشافعي، ومالك، وأبي حنيفة، والجمهور.

                                                                                                                              وقال الشعبي، والحسن، وأحمد: لا شفعة للذمي على المسلم.

                                                                                                                              وفيه: ثبوت الشفعة للأعرابي، كثبوتها لمقيم في البلد. وبه قال الجمهور، والشافعي، وأبو حنيفة، وأحمد، والثوري، وإسحاق، وابن المنذر.

                                                                                                                              قال الشعبي: لا شفعة، لمن لا يسكن بالمصر. والله أعلم.




                                                                                                                              الخدمات العلمية