الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول الحق في مشاجرات الصحابة

وقد سئل الإمام العلامة الرباني محمد بن علي الشوكاني -رضي الله عنه- عن المذهب الحق في شأن ما شجر بين الصحابة في الخلافة وما يترتب عليها، فقال: أقول: إن كان هذا السائل طالبا النجاة، مستفهما عن أقرب الأقوال إلى مطابقة مراد مولاه، كما يشعر بذلك تصرفه في سؤاله، فليدع الاشتغال بهذا الأمر، ويترك المرور في هذا السبيل، الذي تاهت فيه الأفكار، وتحيرت عنده أبصار أهل الأبصار، فإن هؤلاء الذين يبحث عن حوادثهم، ويتطلع لمعرفة ما شجر بينهم، قد صاروا تحت أطباق الثرى، ولقوا ربهم تعالى في المائة الأولى من البعثة، وها نحن الآن في المائة الثالثة عشرة، فما لنا والاشتغال بهذا الشأن [ ص: 491 ] الذي لا يعنينا، ومن حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه. وأي فائدة لنا في الدخول في الأمور التي فيها ريبة، وقد أرشدنا الله إلى أن ندع ما يريبنا إلى ما لا يريبنا. ويكفينا من تلك القلاقل والزلازل، أن نعتقد أنهم خير القرون، وأفضل الناس، وأن الخارجين على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب -كرم الله وجهه- المحاربين له، المصرين على ذلك، الذين لم تصح توبتهم، بغاة، وأنه على الحق، وهم المبطلون. وما زاد على هذا المقدار، فمن الفضول الذي يشتغل به من لا يبالي بدينه.

وقد تلاعب الشيطان بكثير من الناس، فأوقعهم في الاختلاف في خير القرون الذين قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في شأنهم لبعض من هو [من] جملتهم، لكن تأخر إسلامه عنهم: لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا، ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه»، فإذا كان مثل أحد ذهبا من المتأخرين من الصحابة، المخاطبين بهذا الخطاب مد أحد متقدميهم، فما أظنه يبلغ مثل أحد ذهبا منا مقدار حبة من أحدهم ولا نصيفها. فرحم الله امرأ اشتغل بالقيام بما أوجبه الله عليه، وطلبه منه، وترك ما لا يعود عليه بنفع، لا في دنياه، ولا أخراه، بل يعود عليه بالضر. ولو لم يكن من الضر إلا مجرد مخالفة ما أرشدنا إليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بقوله: من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه»، فهذا -والله- مما لا يعنينا. ومن ظن خلاف هذا، فهو مغرور ومخدوع، قاصر الباع عن إدراك الحقائق، ومعرفة الحق على وجهه، كائنا من كان.

والله! لو جاء أحدهم يوم القيامة بما يملأ الدنيا من الحسنات، ما كان لنا من ذلك شيء. [ ص: 492 ] ولو جاء أحدهم -وصانهم الله- بما يملأ الدنيا من السيئات، ما كان علينا من ذلك شيء. ففيم التعب؟ وعلام تضييع الأوقات في هذه الترهات؟ انتهى كلام الشوكاني -رضي الله عنه- وما أبلغه وأحسنه وأجزأه وأجمعه، وأقطعه للخصام في هذا المرام، عند من له بمدارك الدين إلمام، وبشأن الإسلام اهتمام! وأما من ذهبت بصيرته، وعمي بصره، فلا ينفعه كتاب، وإن كان كتاب الله تعالى، ولو تلوته عليه ألف مرة. ألا ترى هذه الطوائف المبتدعة من الرافضة، لا يرفعون إلى هذا رأسهم، ولا يسمعونه بسمع الرضا؟ وقد أطلقوا ألسنتهم الكاذبة بسبهم وشتمهم ولعنهم، واستطالوا في إزالة أعراضهم المصونة عن كل وصمة، بما لا يأتي عليه الحصر؟!

التالي السابق


الخدمات العلمية