الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( المسألة السادسة ) نص الأصحاب على أن الطلاق يتكرر في قوله كل امرأة أتزوجها من هذا البلد فهي طالق قالوا : إن الطلاق يتكرر بتكرر النساء من ذلك البلد وأن القائل كل امرأة أتزوجها فهي علي كظهر أمي أن الكفارة لا تتكرر عليه وأنه بزواج امرأة واحدة تنحل يمينه مع تصريحه بالعموم في الصورتين وفي التهذيب إن تزوجتكن فإنكن علي كظهر أمي لا يتكرر الظهار ومن دخلت منكن الدار فهي علي كظهر أمي تتكرر الكفارة وكلما تزوجت فالمرأة التي أتزوجها هي علي كظهر أمي وكذلك أيتكن كلمتها فهذه الفروع مشتركة في صيغ العموم مع اختلاف الأحكام فيحتاج إلى سر الفرق بينها باعتبار القواعد والجواب أن الطلاق حكم يثبت لأفراد العموم كثبوت القتل لجميع أفراد المشركين والحل لجميع أفراد البيع .

وأما الظهار فالكفارة فيه للنطق بالكلام الزور عقوبة لقائله فإذا قال : كل امرأة أتزوجها فهي علي كظهر أمي فقد كذب كذبة واحدة فتجب عليه كفارة واحدة ولا نظهر إلى العموم الذي هو متعلق القول الكذب كما لو قال : والله إن كل إنسان جماد فإنها كذبة واحدة متعلقة بعموم أو قال : والله ليس في الدار أحد من إخوتك فوجد الجميع فيها فإنما تلزمه كفارة واحدة نظرا لاتحاد اليمين والحنث فكذلك ها هنا وأما تكرر الكفارة في كلما وقوله منكن وأيتكن فعلى خلاف القياس .

والقاعدة تقتضي أن لا تتكرر عليه الكفارة غير أنه لما اشتهر لفظ الظهار في موجب الكفارة لوحظت الكفارة في مقصد المظاهر كأنها حقيقة عرفية فيكون قد التزم تكررها في كلمة كلما وأشار بمن إلى التبعيض فكأنه قال : علي الكفارة في كل بعض منكن وأي الأفراد فيكون قد التزم الكفارة في كل فرد وأما كل فهي ظاهرة في الإحاطة والشمول والكل في بعض أحوالها ألا ترى أن النفي إذا تقدم عليها كان معناها الكل فلو قلت : ما قبضت كل المال لكان معنى كلامك أنك لم تقبض الجميع بل بعضه وكذلك ما كل عدد زوج وما كل حيوان إنسان نص النحاة على أنك ناف للمجموع من حيث هو مجموع لا لكل واحد واحد بخلاف أي فإنها للحكم على كل واحد واحد وهذه كلها تكلفات والفقه يقتضي [ ص: 102 ] عدم التكرار بناء على أن الكذب هو الموجب كما تقدم تقريره في فرق الإنشاء والإخبار .

التالي السابق


حاشية ابن الشاط

قال : ( المسألة السادسة نص الأصحاب على أن الطلاق يتكرر في قوله كل امرأة أتزوجها فهي طالق إلى آخر المسألة ) قلت : بنى جوابه على ما تقدم قبل من أن الظهار خبر وقد سبق القول في أن ذلك موضع احتمال ونظر وما ذكره فارقا بين كل امرأة أتزوجها فهي علي كظهر أمي وكلما تزوجت فالمرأة التي أتزوجها علي كظهر أمي [ ص: 102 ] لا يقوى وفي تلك المسائل كلها وفي الفرق بينها نظر .



حاشية ابن حسين المكي المالكي

( المسألة السادسة ) السر في فرق أصحابنا بين قوله في الطلاق كل امرأة أتزوجها فهي طالق قالوا : لا يلزمه شيء للضيق بالتعميم أو كل امرأة أتزوجها من هذه البلد فهي طالق قالوا : إن الطلاق يتكرر بتكرر النساء من ذلك البلد وبين قوله في الظهار كل امرأة أتزوجها فهي علي كظهر أمي قالوا : لا يلغى التعميم هنا وإنما يلزمه كفارة واحدة في أول من يتزوجها مع تصريحه بالعموم في البابين هو كما في عبق والخرشي وغيرهما أن الظهار له فيه مخرج بالكفارة أي خروج بالكفارة أو مخرج مصور بالكفارة ينفي عنه ضيق التعميم بخلاف الطلاق وأن الظهار كاليمين بالله فكفارة يمين واحدة كفارة عن جميع الأيمان المتعددة ضمنا لأن قوله المذكور في قوة فلانة كظهر أمي فلانة كظهر أمي وهكذا فلا تعطى حكم الصريحة كما أن كفارة يمين واحدة على جميع النساء كفارة عن الجميع فافهم وقيل : سر الفرق هو أن الطلاق حكم يثبت لأفراد العموم كثبوت القتل لجميع أفراد المشركين والحل لجميع أفراد البيع وأما الظهار فالكفارة فيه للنطق بالكلام الزور عقوبة لقائله فإذا قال : كل امرأة أتزوجها فهي علي كظهر أمي فقد كذب كذبة واحدة فتجب عليه كفارة واحدة .

ولا نظر للعموم الذي هو متعلق القول الكذب فكما لا تلزمه إلا كفارة واحدة إذا قال : والله إن كل إنسان جماد فإنها كذبة واحدة متعلقة بعموم أو قال : والله ليس في الدار [ ص: 109 ] أحد من أخوتك فوجد الجميع فيها لاتحاد اليمين والحنث كذلك ها هنا ا هـ وهو مبني على ما تقدم قبل من أن الظهار خبر لا إنشاء وهو موضع احتمال ونظر كما مر التنبيه عليه والسر في تفرقة ابن المواز بين كل امرأة أتزوجها فهي علي كظهر أمي ، وبين من تزوجت من النساء فهي علي كظهر أمي ، وكذا أي حيث قال بعدم تعدد الكفارة في كل ، وبتعددها في من ، وكذا أي مع أنه لا فرق بينهما في المعنى هو ما في البناني .

قال ابن عرفة : قال عياض الفرق أن أصل وضع من وأي للآحاد فعرض لهما العموم فعمت الآحاد من حيث إنها آحاد وأصل وضع كل للاستغراق فكانت كاليمين على فعل أشياء يحنث بفعل أحدها فحاصل كلام عياض أن من وأي لكل فرد لا بقيد الجمعية ، ومدلول كل كذلك بقيد الجمعية منضما إلى التحنيث بالأقل ا هـ .

فلا دلالة لمن وأي إلا على معنى الكلية بخلاف كل فإن فيها معنى الكلية ومعنى الكل المجموعي فلذا وقع خلاف الأصحاب في قوله لنسائه : كل من دخلت الدار فهي علي كظهر أمي وقوله لنساء أجنبيات : كل امرأة أتزوجها فهي علي كظهر أمي أو كلما تزوجت فالتي أتزوجها علي كظهر أمي هل تتعدد الكفارة في كل من المسألتين نظرا لمعنى الكلية أو لا تتعدد نظرا لمعنى الكل المجموعي .

قال البناني : وما ذكره خليل من عدم التعدد في كل امرأة مثله في المدونة وما ذكره من التعدد في : كل من دخلت .

قال الباجي : هو ظاهر المذهب نقله في التوضيح نعم قد قيل في كل من المسألتين مثل ما درج عليه في الأخرى فكان من حقه أن يحكي الخلاف في الفرعين معا أو يقتصر على التعدد فيهما أو عدمه وإلا فكلامه مشكل انظر التوضيح ا هـ .

وقال عبق وما نقله عج عن ق حيث قال : لا تتعدد عليه الكفارة إذا قال : كل امرأة أتزوجها فهي علي كظهر أمي وإنما يلزمه كفارة واحدة في أول من يتزوجها ولذا لو قال لزوجته : كل من أتزوجها عليك فهي علي كظهر أمي فإنه لا يلزمه إلا كفارة واحدة بتزوج واحدة على المعتمد كما يفيده ق ا هـ هو المعتمد لا ما نقله عن الجلاب وأبي الحسن من أنه إذا قال : كلما تزوجت فالتي أتزوجها علي كظهر أمي فإنه يلزمه في كل من يتزوجها كفارة بخلاف قوله كل امرأة أتزوجها طالق ا هـ وقد .

قال عبق إذا قال لنساء أجنبيات : إن تزوجتكن فأنتن علي [ ص: 110 ] كظهر أمي فتزوجهن في عقد أو عقود لم يلزمه غير كفارة واحدة فإن تزوج واحدة لزمته ولا يقر بها حتى يكفر فإن كفر ثم تزوج البواقي فلا شيء عليه لأن حنث اليمين يسقطها بخلاف ما لو قال لنسائه : إن دخلتن الدار فأنتن علي كظهر أمي فدخلت واحدة أو الجميع إلا واحدة فلا شيء عليه حتى يدخل جميعهن .

قاله اللخمي عن ابن القاسم وقيل : يحنث بواحدة على قاعدة التحنيث بالبعض ذكره القرافي ولعل وجه قول ابن القاسم أنه كقول خليل في العتق وإن قال : إن دخلتما فدخلت واحدة فلا شيء عليه فيهما ا هـ .

والفرق بين المسألتين أنهن في المسألة الأولى أجنبيات وفي الثانية نساؤه وليس قوله إن تزوجتكن مثل قوله من تزوجتها منكن بل يلزمه في هذه لكل من تزوجها منهن كفارة لإيهام يمينه وخطاب كل واحدة وفي المسألة الأولى قد أوقع الظهار على جميع النساء فأجزأته كفارة واحدة ا هـ بتصرف وحذف وبالجملة فأصل مذهبنا إلحاق الظهار باليمين بخلاف الشافعي فإن أصله إلحاقه بالطلاق ففي الرهوني قال أبو الحسن عند قول المدونة : ومن تظاهر من أربع نسوة له في كلمة واحدة فكفارة واحدة تجزئه ما نصه وقال الشافعي عليه لكل واحدة منهن كفارة كما لو قال : لهن أنتن طوالق الشيخ فهو على طرفين وواسطة ، الطلاق طرف واليمين طرف والظهار وهو الواسطة فيه شائبة لشبه اليمين بالله وهو اتحاد الظهار وشائبة لشبه الطلاق وهو تعدد المظاهر منهما ابن يونس ودليلنا قوله تعالى { والذين يظاهرون من نسائهم } الآية فجميع النساء إذا ظاهر منهن الرجل فإنما عليه كفارة واحدة ولأن الظهار يمين يكفر كالإيلاء وقد قال صلى الله تعالى عليه وسلم { كفر عن يمينك } فدل أنه يمين كالإيلاء الشيخ ؛ ولأن المراعى قول القائل كاليمين بالله تعالى ا هـ منه بلفظه ا هـ .

وقول الأصل والفقه يقتضي عدم التكرار في جميع ما ذكر بناء على أن الكذب هو الموجب كما تقدم تقريره في فرق الإنشاء والإخبار لكن لما اشتهر لفظ الظهار في موجب الكفارة لوحظت الكفارة في مقصد المظاهر كأنها حقيقة عرفية فيكون قد التزم تكرارها في كلمة كلما وأي فإنهما للحكم على كل واحد واحد وأشار بمن فيمن دخلت منكن إلى التبعيض فكأنه قال علي .

[ ص: 111 ] الكفارة في كل بعض منكن وأي الأفراد وأما كل فهي ظاهرة في الإحاطة والشمول والكل في بعض أحوالها ألا ترى أن النفي إذا تقدم عليها كان معناها الكل فمعنى ما قبضت كل المال أنك لم تقبض الجميع بل البعض ا هـ بتلخيص هو مبني أيضا على ما تقدم وقد علمت ما فيه ولا يقوى فرق بين كلما وكل وفي تلك المسائل كلها وفي الفرق بينها نظر ظاهر مما قدمناه فتأمل ذلك والله أعلم .




الخدمات العلمية