الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                              السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

                                                                                                                              صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              2240 [ ص: 399 ] باب الطواف بين الصفا والمروة . وقوله تعالى:

                                                                                                                              إن الصفا والمروة من شعائر الله

                                                                                                                              وقال النووي : (باب بيان: أن السعي "بين الصفا والمروة ركن، لا يصح) الحج إلا به).

                                                                                                                              حديث الباب

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 22 ج 9 المطبعة المصرية

                                                                                                                              [عن هشام بن عروة، أخبرني أبي: قال: (قلت لعائشة ) رضي الله عنها: (ما أرى علي جناحا: أن لا أتطوف "بين الصفا والمروة " قالت: لم؟ قلت: لأن الله عز وجل يقول: {إن الصفا والمروة من شعائر الله الآية. فقالت: لو كان كما تقول، لكان: "فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما". إنما أنزل هذا، في أناس من الأنصار ، كانوا إذا أهلوا: أهلوا "لمناة" في الجاهلية، فلا يحل لهم أن يطوفوا بين الصفا والمروة. فلما قدموا مع النبي صلى الله عليه وسلم للحج، ذكروا ذلك له. فأنزل الله تعالى، هذه الآية. فلعمري! ما أتم الله، حج من لم يطف بين الصفا والمروة ) ]. [ ص: 400 ]

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              قال النووي : قال العلماء: هذا، من دقيق علمها، وفهمها الثاقب، وكبير معرفتها بدقائق الألفاظ. لأن الآية الكريمة: إنما دل لفظها، على رفع الجناح، عمن يطوف بهما.

                                                                                                                              وليس فيه دلالة: على عدم وجوب السعي، ولا على وجوبه.

                                                                                                                              فأخبرته ( عائشة ): أن الآية: ليست فيها دلالة للوجوب، ولا لعدمه. وبينت السبب في نزولها. والحكمة في نظمها.

                                                                                                                              وأنها: نزلت في الأنصار ، حين تحرجوا من السعي بينهما، في الإسلام.

                                                                                                                              وأنها: لو كانت كما يقول عروة ، لكانت: (فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما).

                                                                                                                              وقد يكون الفعل واجبا، ويعتقد إنسان: أنه يمنع إيقاعه على صفة مخصوصة. وذلك، كمن عليه صلاة الظهر، وظن أنه: لا يجوز فعلها عند غروب الشمس، فسأل عن ذلك، فيقال في جوابه: لا جناح عليك، إن صليتها في هذا الوقت. فيكون جوابا صحيحا. ولا يقتضي نفي وجوب صلاة الظهر. انتهى.

                                                                                                                              ومذهب جماهير العلماء: من الصحابة، والتابعين، ومن بعدهم: أن السعي (بين الصفا والمروة ) ، ركن من أركان الحج. لا يصح إلا به. ولا يجبر بدم ولا غيره.

                                                                                                                              [ ص: 401 ] وممن قال بهذا: مالك ، والشافعي ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبو ثور .

                                                                                                                              وقال بعض السلف: هو تطوع.

                                                                                                                              وقال أبو حنيفة : هو واجب. فإن تركه، عصى. وجبره بالدم، وصح حجه.

                                                                                                                              دليل الجمهور: أن النبي -صلى الله عليه وسلم - سعى، وقال: "خذوا عني مناسككم" .

                                                                                                                              قال (في السيل الجرار): هذا نسك، ثابت بفعله -صلى الله عليه وسلم -، الذي وقع بيان لمجمل القرآن والسنة. مع ما ورد من حديث حبيبة بنت أبي تجراة قالت: ( رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم - يطوف "بين الصفا والمروة "، والناس بين يديه، وهو وراءهم، وهو يسعى: حتى أرى ركبتيه "من شدة السعي"، تدور به إزاره، وهو يقول: "اسعوا، فإن الله كتب عليكم السعي" ). أخرجه أحمد ، والشافعي . وفي إسناده: ( عبد الله بن المؤمل ).

                                                                                                                              وهو ضعيف. ولكن قد روي من طريق أخرى: في صحيح ابن خزيمة ، والطبراني : من حديث ابن عباس (رضي الله عنهما).

                                                                                                                              وأخرج ( أحمد ) ، من حديث صفية بنت شيبة : ( أن امرأة، أخبرتها: [ ص: 402 ] أنها سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم -: (بين الصفا والمروة) ، يقول: "كتب الله تعالى عليكم: السعي فاسعوا" ). وفي إسناده: ( موسى بن عبيدة ) ، وهو ضعيف.

                                                                                                                              وقد أخرج ( النسائي ) عنه -صلى الله عليه وسلم -: ( أنه استلم الركن، ثم خرج فقال: إن الصفا والمروة من شعائر الله، فابدءوا بما بدأ الله" .) وأخرج ( مسلم ) من حديث جابر (رضي الله عنه): ( أن النبي -صلى الله عليه وسلم -، لما دنا من الصفا ، قرأ: (" إن الصفا والمروة من شعائر الله . أبدأ بما بدأ الله به". فبدأ بالصفا ) الحديث. انتهى.

                                                                                                                              وهذه الأحاديث، تدل على: وجوب هذا النسك، دلالة لا تخفى على ذي عينين.

                                                                                                                              قال ابن المنذر : إن ثبت (يعني: حديث حبيبة ): فهو حجة في الوجوب.

                                                                                                                              قال في (فتح الباري): والعمدة في الوجوب، قوله -صلى الله عليه وسلم -: "خذوا عني مناسككم" .

                                                                                                                              قال (في النيل): وأظهر من هذا، في الدلالة على الوجوب: حديث مسلم : ( ما أتم الله حج امرئ ولا عمرته، لم يطف بين الصفا والمروة ) انتهى.

                                                                                                                              [ ص: 403 ] وفي رواية أخرى عن ( عائشة ) رضي الله عنها: ( ما أتم الله حج امرئ ولا عمرته، لم يطف بين الصفا والمروة ). قال في (نيل الأوطار): قد أغرب الطحاوي ، فقال: قد أجمع العلماء على أنه: لو حج ولم يطف ( بالصفا والمروة ) : أن حجه قد تم. وعليه دم.

                                                                                                                              قال: والذي حكاه صاحب (الفتح) وغيره، عن الجمهور: أنه (ركن) ، لا يجبر بالدم. ولا يتم الحج بدونه.

                                                                                                                              وأغرب ( ابن العربي ) فحكى: أن السعي، ركن في العمرة بالإجماع. وإنما الخلاف في الحج.




                                                                                                                              الخدمات العلمية