الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله عز وجل:

ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة إلا من شهد بالحق وهم يعلمون ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله فأنى يؤفكون وقيله يا رب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون فاصفح عنهم وقل سلام فسوف يعلمون

قوله تعالى: ولا يملك الذين الآية مخاطبة لمحمد صلى الله عليه وسلم، و"الذين": هم المعبودون، والضمير في: "يدعون" هو للكفار الذين عبدوا غير الله تعالى، فأعلم تعالى أن كل من عبد من دون الله فإنه لا يملك شفاعة عند الله يوم القيامة، وقرأ الجمهور: "يدعون" بالياء من تحت. وقرأ ابن وثاب : "تدعون" بالتاء من فوق، ثم استثنى تعالى من هذه الأخبار، واختلف الناس في المستثنى، فقال قتادة : استثنى ممن عبد من [ ص: 567 ] دون الله: عيسى وعزيرا والملائكة عليهم السلام ، والمعنى: فإنهم يملكون شفاعة بأن يمكنهم الله تعالى إياهم، إذ هم ممن شهد بالحق وهم يعلمون في كل أحوالهم، فالاستثناء -على هذا التأويل- متصل، وقال مجاهد وغيره: استثنى من في المشفوع فيهم، كأنه قال: لا يشفع هؤلاء الملائكة وعزير وعيسى إلا فيمن شهد بالحق وهم يعلمون بالتوحيد، فالاستثناء -على هذا التأويل- منفصل، كأنه تعالى قال: لكن من شهد بالحق يشفع فيهم هؤلاء، والتأويل الأول أصوب، والله تعالى أعلم.

ثم أظهر تعالى عليهم الحجة من أقوالهم وإقرارهم بأن الله تعالى هو خالقهم وموجدهم بعد العدم، ثم وقفهم -على جهة التقرير والتوبيخ- بقوله: فأنى يؤفكون ، :أي فلأي جهة يصرفون؟ وقرأ جمهور القراء: "وقيله يا رب" بالنصب، وهو مصدر كالقول، والضمير فيه لمحمد صلى الله عليه وسلم ، وحكى مكي قولا أنه لعيسى عليه السلام، وهو ضعيف، واختلف الناس في الناصب له، فقالت فرقة: هو معطوف على قوله تعالى: سرهم ونجواهم ، وقالت فرقة: العامل فيه "يكتبون"، أي: أقوالهم وأفعالهم وقيله. وقالت فرقة: الناصب له ما في قوله تعالى: وعنده علم الساعة من قوة الفعل، أي: ويعلم قيله، ونزل قوله تعالى: وقيله يا رب بمنزلة: وشكوى محمد عليه الصلاة والسلام واستغاثته من كفرهم وعتوهم. وقرأ عاصم ، وحمزة ، وابن وثاب ، والأعمش : و "قيله يا رب" بالخفض عطفا على "الساعة". وقرأ الأعرج ، وأبو قلابة، ومجاهد : "وقيله يا رب" بالرفع على الابتداء، والخبر في قوله: يا رب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون أي: قيله هذا القول، أو يكون التقدير: وقيله يا رب مسموع ومتقبل، فـ "يا رب" -على هذا- منصوب الموضع بـ "قيله"، وقرأ أبو قلابة : "يا رب" بفتح الباء المشددة، وأراد: يا ربا، على لغة من يقول: يا غلاما، ثم حذف الألف تخفيفا واتباعا لخط المصحف.

وقوله تعالى: فاصفح عنهم موادعة منسوخة بآيات السيف، وقوله تعالى: "سلام" [ ص: 568 ] تقديره: وقل أمري سلام، أي: مسالمة، وقالت فرقة: المعنى: وقل سلام عليكم، على جهة الموادعة والملاينة، والنسخ قد أتى على هذا السلام، سواء كان تحية أو عبارة عن الموادعة، وقرأ جمهور القراء: "يعلمون" بالياء. وقرأ نافع ، وابن عامر ، -في رواية هشام عنه- والحسن ، والأعرج ، وأبو جعفر : "تعلمون" بالتاء من فوق.

كمل تفسير سورة الزخرف والحمد لله رب العالمين

التالي السابق


الخدمات العلمية