الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله عز وجل:

ومن لم يؤمن بالله ورسوله فإنا أعتدنا للكافرين سعيرا ولله ملك السماوات والأرض يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء وكان الله غفورا رحيما سيقول المخلفون إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها ذرونا نتبعكم يريدون أن يبدلوا كلام الله قل لن تتبعونا كذلكم قال الله من قبل فسيقولون بل تحسدوننا بل كانوا لا يفقهون إلا قليلا

لما قال تعالى لهم: وكنتم قوما بورا توعدهم بعد ذلك بقوله تعالى: ومن لم يؤمن بالله ورسوله الآية، وأنتم هكذا فأنتم ممن أعدت لهم السعير، وهي النار المؤججة، والمسعر: ما يحرك به النار، ومنه قوله عليه الصلاة والسلام: "ويل أمه مسعر حرب".

[ ص: 675 ] ثم رجى بقوله تعالى: ولله ملك السماوات والأرض الآية; لأن القوم لم يكونوا مجاهرين بالكفر، فلذلك جاء وعيدهم وتوبيخهم ممزوجا فيه بعض الإمهال والترجية; لأن الله تعالى قد كان علم منهم أنهم سيؤمنون.

ثم إن الله تعالى أمر نبيه صلى الله عليه وسلم - على ما روي - بغزو خيبر ووعده بفتحها، وأعلمه أن المخلفين إذا رأوا مسيره إلى يهود - وهم عدو مستضعف - طلبوا الكون معه رغبة في عرض الدنيا والغنيمة، وكان كذلك. وقوله تعالى: يريدون أن يبدلوا كلام الله معناه: يريدون أن يغيروا وعده لأهل الحديبية بغنيمة خيبر، وقال عبد الله بن زيد بن أسلم : كلام الله تعالى هو قوله: فقل لن تخرجوا معي أبدا ولن تقاتلوا معي عدوا ، وهذا قول ضعيف; لأن هذه الآية نزلت في رجوع رسول الله صلى الله عليه وسلم من تبوك، وهذا في آخر عمره صلى الله عليه وسلم، وآية هذه السورة نزلت سنة الحديبية، وأيضا فقد غزت جهينة ومزينة بعد هذه المدة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد فضلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم - بعد ذلك - على تميم وغطفان وغيرهم من العرب، الحديث المشهور، فأخبره الله تعالى أن يقول لهم في هذه الغزوة إلى خيبر: لن تتبعونا ، وخص الله بها أهل الحديبية.

وقوله تعالى: كذلكم قال الله من قبل يريد وعده قبل باختصاصهم بها، وقول الأعراب: بل تحسدوننا معناه: بل يعز عليكم أن نصيب مغنما ومالا، فرد الله تعالى على هذه المقالة بقوله سبحانه: بل كانوا لا يفقهون إلا قليلا ، أي: لا يفقهون من الأمور مواضع الرشد، وذلك هو الذي خلفهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كان ذلك سببا إلى منعهم من غزوة خيبر، وقرأ أبو حيوة: "تحسدوننا" بكسر السين، وقرأ الجمهور من القراء: "كلام"، قال أبو علي : هو أخص بما كان مفيدا حديثا، وقرأ الكسائي ، وحمزة ، وابن مسعود وطلحة ، وابن وثاب : "كلم"، والمعنى فيهما متقارب.

التالي السابق


الخدمات العلمية