الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                              السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

                                                                                                                              صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              2302 [ ص: 553 ] باب من حلق قبل النحر ، أو نحر قبل الرمي

                                                                                                                              وقال النووي: (باب جواز تقديم الذبح على الرمي ، والحلق على الذبح وعلى الرمي. وتقديم الطواف عليها كلها) .

                                                                                                                              حديث الباب

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم النووي ص 55-56 ج والمطبعة المصرية

                                                                                                                              [عن ابن شهاب. حدثني عيسى بن طلحة التيمي، أنه سمع عبد الله بن عمرو بن العاص يقول: وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على راحلته، فطفق ناس يسألونه، فيقول القائل منهم: يا رسول الله! إني لم أكن أشعر أن الرمي قبل النحر، فنحرت قبل الرمي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فارم ولا حرج" قال: وطفق آخر يقول: إني لم أشعر أن النحر قبل الحلق، فحلقت قبل أن أنحر. فيقول: "انحر ولا حرج" قال: فما سمعته يسأل يومئذ عن أمر مما ينسى المرء ويجهل من تقديم بعض الأمور قبل بعض، وأشباهها، إلا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "افعلوا ذلك ولا حرج" .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              (عن عبد الله بن عمرو بن العاص) رضي الله عنهما: (قال: وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على راحلته ، فطفق ناس يسألونه) . [ ص: 554 ] وفي رواية: (بينا هو يخطب يوم النحر ، فقام إليه رجل) .

                                                                                                                              وفي رواية: (وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بمنى للناس يسألونه ، فجاء رجل) .

                                                                                                                              وفي رواية: (هو واقف عند الجمرة) .

                                                                                                                              قال بعضهم: الجمع بين هذه الروايات: أنه موقف واحد.

                                                                                                                              ومعنى (خطب) : علمهم. قال عياض: ويحتمل أن ذلك في موضعين;

                                                                                                                              أحدهما: وقف على راحلته عند الجمرة. ولم يقل في هذا: (خطب) .

                                                                                                                              إنما فيه: أنه: وقف وسئل.

                                                                                                                              والثاني: بعد صلاة الظهر يوم النحر: وقف للخطبة فخطب. " وهي إحدى خطب الحج المشروعة " يعلمهم فيها: ما بين أيديهم من المناسك. انتهى.

                                                                                                                              قال النووي: هذا الاحتمال الثاني ، هو الصواب.

                                                                                                                              قال: وخطب الحج المشروعة عندنا أربع ;

                                                                                                                              أولها: بمكة عند الكعبة ، في اليوم السابع من ذي الحجة.

                                                                                                                              والثانية: بنمرة يوم عرفة.

                                                                                                                              والثالثة: بمنى يوم النحر.

                                                                                                                              [ ص: 555 ] والرابعة: بمنى في الثاني من أيام التشريق.

                                                                                                                              وكلها: خطبة فردة ، وبعد صلاة الظهر. إلا التي (بنمرة) فإنها: خطبتان ، وقبل صلاة الظهر ، وبعد الزوال.

                                                                                                                              قال: وقد ذكرت أدلتها كلها من الأحاديث الصحيحة ، في (شرح المهذب) .

                                                                                                                              وفي الحديث: دليل لجواز القعود على الراحلة للحاجة.

                                                                                                                              (فيقول القائل منهم: يا رسول الله ! إني لم أكن أشعر أن الرمي قبل النحر، فنحرت قبل الرمي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فارم ولا حرج ".

                                                                                                                              قال: وطفق آخر يقول: إني لم أشعر أن النحر قبل الحلق ، فحلقت قبل أن أنحر. فيقول: " انحر ولا حرج ".

                                                                                                                              قال: فما سمعته يسأل يومئذ عن أمر ، مما ينسى المرء ويجهل: من تقديم بعض الأمور قبل بعض ، وأشباهها ، إلا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " افعلوا ذلك ولا حرج ") .

                                                                                                                              وفي رواية: (يا رسول الله ! لم أشعر ، حلقت قبل أن أنحر. فقال: " اذبح ولا حرج ". ثم جاءه رجل آخر فقال: يا رسول الله: ! لم أشعر ، فنحرت قبل أن أرمي. فقال: " ارم ولا حرج".

                                                                                                                              [ ص: 556 ] قال: فما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء قدم ولا أخر ، إلا قال: " افعل ولا حرج ".)
                                                                                                                              وفي أخرى: (حلقت قبل أن أرمي. فقال: " ارم ولا حرج ") .

                                                                                                                              وفي أخرى: (قيل له: في الذبح ، والحلق ، والرمي ، والتقديم ، والتأخير ، فقال: " لا حرج".) .

                                                                                                                              ومعنى هذه العبارة: افعل ما بقي عليك ، وقد أجزأك ما فعلته ، ولا حرج عليك ; في التقديم والتأخير.

                                                                                                                              وقد سبق: أن أفعال يوم النحر أربعة: رمي جمرة العقبة ، ثم الذبح ، ثم الحلق ، ثم طواف الإفاضة. وأن السنة ترتيبها هكذا. فلو خالف ; وقدم بعضها على بعض ، جاز ولا فدية عليه. لهذه الأحاديث.

                                                                                                                              قال النووي: وبهذا قال جماعة من السلف. وهو مذهب الشافعي.

                                                                                                                              قلت: وهو إجماع. كما قال ابن قدامة في (المغني) .

                                                                                                                              قال (في فتح الباري) : إلا أنهم اختلفوا في وجوب الدم ، في بعض المواضع. قال القرطبي: روي عن ابن عباس " ولم يثبت عنه ": أن من قدم شيئا على شيء ، فعليه دم. وبه قال سعيد بن جبير ، وقتادة ، والحسن ، والنخعي ، وأصحاب الرأي.

                                                                                                                              [ ص: 557 ] وتعقبه الحافظ: بأن نسبة ذلك: إلى النخعي وأصحاب الرأي ، فيها نظر.

                                                                                                                              قال: وذهب جمهور العلماء: من الفقهاء ، وأهل الحديث: إلى الجواز ، وعدم وجوب الدم.

                                                                                                                              قالوا: لأن قوله: (ولا حرج) ، يقتضي: رفع الإثم والفدية معا.

                                                                                                                              لأن المراد بنفي الحرج: نفي الضيق. وإيجاب أحدهما ، فيه ضيق.

                                                                                                                              ولو كان الدم واجبا ، لبينه صلى الله عليه وسلم .لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة; لا يجوز.

                                                                                                                              وبهذا يندفع ما قاله الطحاوي: من أن الرخصة مختصة بمن كان جاهلا أو ناسيا ، لا من كان عامدا: فعليه الفدية.

                                                                                                                              قال الطبري: لم يسقط النبي صلى الله عليه وسلم الحرج ، إلا وقد أجزأ الفعل. إذ لو لم يجزئ ، لأمره بالإعادة.

                                                                                                                              قال: والعجب ممن يحمل قوله: (ولا حرج) ، على نفي الإثم فقط ، ثم يخص ذلك ببعض الأمور دون بعض.

                                                                                                                              فإن كان الترتيب واجبا يجب بتركه دم ، فليكن في الجميع.

                                                                                                                              وإلا فما وجه تخصيص بعض دون بعض ، مع تعميم الشارع الجميع بنفي الحرج؟ انتهى.




                                                                                                                              الخدمات العلمية