الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                              السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

                                                                                                                              صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              2320 باب الصدقة بلحوم الهدي ، وجلالها ، وجلودها

                                                                                                                              وقال النووي: (باب الصدقة: بلحوم الهدايا... إلخ) . وزاد: (ولا يعطي الجزار منها شيئا. وجواز الاستنابة في القيام عليها) .

                                                                                                                              حديث الباب

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم النووي ص 64 ج9 المطبعة المصرية

                                                                                                                              [عن علي. قال أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقوم على بدنه وأن أتصدق بلحمها وجلودها وأجلتها. وأن لا أعطي الجزار منها. قال: (نحن نعطيه من عندنا) . ].

                                                                                                                              [ ص: 580 ]

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              [ ص: 580 ] (الشرح)

                                                                                                                              (عن علي) رضي الله عنه ، (قال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن أقوم على بدنه) .

                                                                                                                              قال أهل اللغة ; سميت (البدنة) : لعظمها. ويطلق: على الذكر ، والأنثى. ويطلق: على الإبل ، والبقر ، والغنم. هذا قول أكثر أهل اللغة.

                                                                                                                              ولكن معظم استعمالها في الأحاديث ، وكتب الفقه: (في الإبل خاصة) .

                                                                                                                              قاله النووي.

                                                                                                                              وفي حديث جابر عند مسلم: (وما هي إلا من البدن) . يعني: البقرة.

                                                                                                                              وفي (النهاية) : البدنة: تقع على الجمل والناقة ، وهي بالإبل أشبه.

                                                                                                                              وفي القاموس: (البدنة) محركة: من الإبل والبقر.

                                                                                                                              وعن الشافعي: تختص بالإبل.

                                                                                                                              وعن أبي حنيفة ، وأصحابه: أنها تطلق على البقر.

                                                                                                                              وعن بعض الشافعية: أنها تطلق على الشاة. وقال الحافظ في (الفتح) :

                                                                                                                              ولا وجه له. انتهى.

                                                                                                                              ومعنى: (أقوم على بدنه) . أي: عند نحرها للاحتفاظ بها.

                                                                                                                              ويحتمل أن يريد: ما هو أعم من ذلك. أي: على مصالحها في علفها ، ورعيها ، وسقيها ، وغير ذلك.

                                                                                                                              [ ص: 581 ] ولم يقع في هذه الرواية: عدد البدن. ووقع في أخرى للبخاري وغيره: أنها مائة بدنة.

                                                                                                                              (وأن أتصدق بلحمها ، وجلودها ، وأجلتها) . جمع: (جلال) بضم الجيم وتخفيف اللام. وهو ما يطرح على ظهر البعير: من كساء ونحوه. ويجمع أيضا على: (جلال) بكسر الجيم.

                                                                                                                              (وأن لا أعطي الجزار منها شيئا. قال: "نحن نعطيه من عندنا ") .

                                                                                                                              وفيه: استحباب سوق الهدي. وجواز النيابة في نحره ، والقيام عليه ، وتفرقته. وأنه يتصدق بلحومها ، وجلودها ، وجلالها.

                                                                                                                              وأنها تجلل. واستحبوا: أن يكون جلا حسنا ،

                                                                                                                              وأن لا يعطى الجزار " لأجل الجزارة " منها ألبتة. لا لغير ذلك. لأن عطيته عوض عن عمله ، فيكون في معنى بيع جزء منها. وذلك لا يجوز.

                                                                                                                              قال ابن خزيمة: المراد أنه يقسمها كلها على المساكين ، إلا ما أمره به: من أن يأخذ من كل بدنة بضعة ، كما تقدم في حديث جابر الطويل.

                                                                                                                              وفيه: جواز الاستئجار ، على النحر ونحوه.

                                                                                                                              قال النووي: ومذهبنا: أنه لا يجوز بيع جلد الهدي ، ولا الأضحية ، [ ص: 582 ] ولا شيء من أجزائهما ، لأنها لا ينتفع بها في البيت ، ولا بغيره. سواء كانا تطوعا أو واجبتين. لكن إن كانا تطوعا ، فله الانتفاع بالجلد ، وغيره: باللبس وغيره.

                                                                                                                              ولا يجوز إعطاء الجزار منها شيئا ، بسبب جزارته.

                                                                                                                              قال: هذا مذهبنا. وبه قال عطاء ، والنخعي ، ومالك ، وأحمد ، وإسحاق.

                                                                                                                              وحكى ابن المنذر: عن ابن عمر ، وأحمد ، وإسحاق: أنه لا بأس ببيع جلد هديه ، ويتصدق بثمنه.

                                                                                                                              قال: ورخص في بيعه أبو ثور.

                                                                                                                              وقال النخعي ، والأوزاعي: لا بأس أن يشتري به الغربال ، والمنخل ، والفأس ، والميزان ، ونحوها.

                                                                                                                              وقال الحسن البصري: يجوز أن يعطي الجزار جلدها. وهذا منابذ للسنة.

                                                                                                                              قال عياض: التجليل سنة ، وهو عند العلماء: مختص بالإبل.

                                                                                                                              وهو ما اشتهر من عمل السلف.

                                                                                                                              قال: وممن رآه: مالك ، والشافعي ، وأبو ثور ، وإسحاق. قالوا: ويكون بعد الإشعار ، لئلا يتلطخ بالدم.

                                                                                                                              [ ص: 583 ] قالوا: ويستحب أن يكون قيمتها ، ونفاستها ، بحسب حال المهدي.

                                                                                                                              وكان بعض السلف يجلل بالوشي. وبعضهم بالحبرة. وبعضهم بالقباطي والملاحف والأزر.

                                                                                                                              قال مالك: وتشق على الأسنمة ، إن كانت قليلة الثمن ، لئلا تسقط.

                                                                                                                              قال: وما علمت من ترك ذلك ، إلا ابن عمر استبقاء للثياب ، لأنه كان يجلل الجلال المرتفعة: من الأنماط ، والبروز ، والحبر.

                                                                                                                              قال: وكان لا يجلل ، حتى يغدو من منى إلى عرفات.

                                                                                                                              قال: وروي عنه ، أنه كان يجلل من ذي الحليفة.

                                                                                                                              وكان يعقد أطراف (الجلال) ، على أذنابها. فإذا مشى ليلة نزعها.

                                                                                                                              فإذا كان يوم عرفة جللها. فإذا كان عند النحر نزعها: لئلا يصيبها الدم.

                                                                                                                              قال مالك: أما الجل فينزع في الليل ، لئلا يخرقها الشوك.

                                                                                                                              قال: واستحب إن كانت الجلال مرتفعة: أن يترك شقها. وأن لا يجللها حتى يغدو إلى عرفات.

                                                                                                                              فإن كانت بثمن يسير ، فمن حين يحرم: يشق ويجلل.

                                                                                                                              قال عياض: وفي شق (الجلال) على الأسنمة ، فائدة أخرى ; وهي: إظهار الإشعار ، لئلا يستتر تحتها.

                                                                                                                              [ ص: 584 ] قال النووي: وفي هذا الحديث: الصدقة بالجلال. وهكذا قاله العلماء.

                                                                                                                              وكان ابن عمر أولا: يكسوها الكعبة ، فلما كسيت الكعبة تصدق بها. والله أعلم.




                                                                                                                              الخدمات العلمية