الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              2713 [ ص: 391 ] باب منه

                                                                                                                              وهو في النووي في الباب المتقدم.

                                                                                                                              حديث الباب

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 100 - 101 جـ 10 المطبعة المصرية

                                                                                                                              [عن ابن شهاب أن أبا سلمة بن عبد الرحمن بن عوف أخبره أن فاطمة بنت قيس أخبرته: أنها كانت تحت أبي عمرو بن حفص بن المغيرة فطلقها آخر ثلاث تطليقات، فزعمت أنها جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم تستفتيه في خروجها من بيتها، فأمرها أن تنتقل إلى ابن أم مكتوم الأعمى، فأبى مروان أن يصدقه في خروج المطلقة من بيتها، وقال عروة: إن عائشة أنكرت ذلك على فاطمة بنت قيس ].

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، أن فاطمة بنت قيس أخبرته: أنها كانت تحت أبي عمرو بن حفص بن المغيرة.

                                                                                                                              وقيل: أبو حفص بن عمرو. وقيل: أبو حفص بن المغيرة.

                                                                                                                              [ ص: 392 ] واختلفوا في اسمه. والأكثرون على أن اسمه: عبد الحميد. وقال النسائي: اسمه: أحمد. وقال آخرون: اسمه كنيته.

                                                                                                                              (فطلقها آخر ثلاث تطليقات) . هذا هو الصحيح المشهور، والذي رواه الحفاظ، واتفق على روايته الثقات على اختلاف ألفاظهم، في أنه: طلقها ثلاثا أو البتة. أو آخر ثلاث تطليقات.

                                                                                                                              (فزعمت: أنها جاءت رسول الله صلى الله عليه) وآله (وسلم تستفتيه في خروجها من بيتها، فأمرها أن تنتقل إلى ابن أم مكتوم الأعمى) .

                                                                                                                              احتج به بعض الناس بهذا: على جواز نظر المرأة إلى الأجنبي، بخلاف نظره إليها. وهذا قول ضعيف.

                                                                                                                              بل الصحيح الذي عليه جمهور العلماء، وأكثر الصحابة: أنه يحرم على المرأة النظر إلى الأجنبي. كما يحرم عليه النظر إليها. لقوله تعالى: { قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم } { وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن } . ولأن الفتنة مشتركة. وكما يخاف الافتتان بها، تخاف الافتتان به.

                                                                                                                              ويدل عليه من السنة: حديث نبهان: " مولى أم سلمة"، عن أم سلمة: (أنها كانت هي وميمونة، عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم. فدخل ابن أم مكتوم، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم:

                                                                                                                              [ ص: 393 ] "احتجبا منه". فقالتا: إنه أعمى لا يبصر. فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "أفعمياوان أنتما، فليس تبصرانه؟") .

                                                                                                                              وهذا الحديث حسن. رواه أبو داود، والترمذي، وغيرهما.

                                                                                                                              قال الترمذي: هو حديث حسن. ولا يلتفت إلى قدح من قدح فيه، بغير حجة معتمدة.

                                                                                                                              وأما حديث فاطمة بنت قيس، مع ابن أم مكتوم: فليس فيه إذن لها في النظر إليه. بل فيه: أنها تأمن عنده من نظر الأجنبي إليها. وهي مأمورة بغض بصرها، فيمكنها الاحتراز عن النظر بلا مشقة. بخلاف مكثها في بيت أم شريك، فإن الصحابة كانوا يزورون أم شريك، ويكثرون التردد إليها لصلاحها. فرأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أن على فاطمة من الاعتداد عندها حرجا، من حيث إنه يلزمها التحفظ من نظرهم إليها، ونظرها إليهم.

                                                                                                                              (فأبي مروان: أن يصدقه في خروج المطلقة من بيتها. وقال عروة: إن عائشة أنكرت ذلك على فاطمة بنت قيس)

                                                                                                                              ذكر في النيل: أن المتوفى عنها، تعتد في المنزل الذي بلغها نعي زوجها وهي فيه، ولا تخرج منه إلى غيره.

                                                                                                                              ثم قال: وخرج من عمومهن البائنة، بحديث فاطمة بنت قيس إلا أن تكون حاملا.

                                                                                                                              [ ص: 394 ] قال: وخرجت أيضا: المطلقة قبل الدخول، بآية الأحزاب. انتهى.

                                                                                                                              وقال في السيل: وهكذا خروجها بغير إذنه، فإنها لما لم تكن أحكام الزوجية باقية عليها: كان لها الخروج بغير إذنه. انتهى.

                                                                                                                              وقال النووي : هذا محمول على أنه أذن لها في الانتقال لعذر. وهو البذاءة على أحمائها، أو خوفها أن يقتحم عليها، أو نحو ذلك.

                                                                                                                              قال: وأما لغير حاجة، فلا يجوز لها الخروج والانتقال. ولا يجوز نقلها. قال تعالى: { لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة }

                                                                                                                              قال ابن عباس، وعائشة: المراد بالفاحشة هنا: النشوز، وسوء الخلق.

                                                                                                                              وقيل: هو البذاءة على أهل زوجها.

                                                                                                                              وقيل: معناه: الزنا. فيخرجن لإقامة الحد، ثم ترجع إلى المسكن.

                                                                                                                              انتهى.

                                                                                                                              أقول: وفي رواية للبخاري: "أن عائشة عابت ذلك، أشد العيب.

                                                                                                                              [ ص: 395 ] وقالت: إن فاطمة كانت في مكان وحش، فخيف على ناحيتها، فلذلك أرخص لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ". رواه أبو داود، وابن ماجه أيضا.

                                                                                                                              وفي الباب أحاديث.

                                                                                                                              قال في النيل: وأما دعوى: أن سبب خروجها، كان لفحش في لسانها، فمع كون "مروان" ليس من أهل الانتقاد على أجلاء الصحابة والطعن فيهم، فقد أعاذ الله "فاطمة" عن ذلك الفحش الذي رماها به. فإنها من خيرة نساء الصحابة: فضلا وعلما. ومن المهاجرات الأوليات

                                                                                                                              ولهذا ارتضاها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لحبه وابن حبه [ ص: 396 ] "أسامة". وممن لا يحملها رقة الدين على فحش اللسان، الموجب لإخراجها من دارها.

                                                                                                                              ولو صح شيء من ذلك، لكان أحق الناس بإنكار ذلك عليها:

                                                                                                                              رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. انتهى.

                                                                                                                              وأجاب عن إنكار عمر وغيره، على فاطمة. فإن شئت فراجع.

                                                                                                                              قال: وفي الحديث: دليل على أنه يجوز للمطلقة البائنة، الانتقال من المنزل الذي وقع عليها الطلاق البائن وهي فيه. فيكون مخصصا لقوله تعالى: { ولا يخرجن } كما خصص ذلك حديث جابر.

                                                                                                                              قال: ولا يعارض هذا حديث "فريعة". لأنه في عدة الوفاة. انتهى وقد تقدم الخلاف; في جواز الخروج وعدمه، للمطلقة بائنا.




                                                                                                                              الخدمات العلمية