3621 (28) كتاب الأضاحي
(1) باب في التسمية على الأضحية وفي وقتها وأن من ذبح قبله أعاد
[ 1953 ] عن قال: جندب بن سفيان ومن كان لم يذبح فليذبح باسم الله. من كان ذبح أضحيته قبل أن يصلي - أو: نصلي - فليذبح مكانها أخرى، شهدت الأضحى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أن صلى وفرغ من صلاته، سلم; فإذا هو يرى لحم أضاحي قد ذبحت قبل أن يفرغ من صلاته. فقال:
رواه (4 \ 312) أحمد (985) والبخاري (1960) (1 و 2) ومسلم (3152). وابن ماجه
كتاب الأضاحي
- باب في التسمية على الأضحية وفي وقتها
- باب إعادة ما ذبح بعد الصلاة وقبل ذبح الإمام
- باب ما يجوز في الأضاحي من السن
- باب ما يختار في الأضحية
- باب الذبح بما أنهر الدم والنهي عن السن والظفر
- باب النهي عن أكل لحوم الأضاحي فوق ثلاث
- باب الرخصة في ذلك
- باب إذا دخل العشر وأراد أن يضحي فلا يمس من شعره ولا بشره
التالي
السابق
[ ص: 347 ] (28) كتاب الضحايا
(1 و 2 و 3) ومن باب التسمية على الأضحية وفي وقتها، وأين تذبح؟
قال : الأصمعي [ ص: 348 ] كما يقال: أرطاة، وأرطى. وبها سمي يوم الأضحى، وفي الصحاح: ضحوة النهار بعد طلوع الشمس، ثم بعده: الضحى، وهو حين تشرق الشمس، مقصورة، مؤنثة، وتذكر. فمن أنث ذهب إلى أنها جمع ضحوة، ومن ذكر ذهب إلى أنه اسم على فعل، مثل: نغر، وصرد، قال: وهو ظرف غير متمكن، مثل: سحر. تقول: لقيته ضحى وضحى; إذا أردت به ضحى يومك لم تنونه. في الأضحية أربع لغات: أضحية، وإضحية، والجمع: أضاحي. وضحية - على وزن فعيلة - والجمع ضحايا. وأضحاة، والجمع أضحى،
قلت: قياسه: ضحى على سحر قد أخذ عليه فيه ابن بري وهي مؤاخذة صحيحة; لأن الظروف التي لا تنصرف إذا عينت هي: سحر - كما ذكر - وغدوة، وبكرة لا غير، فسحر: إذا أريد به يوم بعينه لم ينصرف للتعريف والعدل. وفي غدوة وبكرة للتعريف والتأنيث. فأما بكير، وعشاء، وعتمة، وضحوة، وعشية، وضحى ونحوها فإنها منصرفة على كل حال. فإن أريد بها وقت بعينه كانت نكرات اللفظ معرفة بالمعنى على غير وجه التعريف. وهكذا ذكره الحسن بن خروف وغيره.
وقوله - صلى الله عليه وسلم -: ( ) هذا اللفظ بظاهره يفيد حكمين: من كان ذبح أضحيته قبل أن يصلي فليذبح مكانها أخرى
أحدهما: وجوب الأضحية من حيث إنه أمر بالإعادة.
وثانيهما: وقت الذبح عند الفراغ من صلاة الإمام.
وقد اختلف في الحكمين، فلنذكرهما.
فأما الأول: فالجمهور من السلف والخلف على أنها سنة مؤكدة. وهو مشهور مذهب ; متمسكين في ذلك بمداومة النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه - رضي الله عنهم - على فعلها، وأنه لم يرد نص في وجوبها، بل ولا ظاهر صحيح سليم عن [ ص: 349 ] القوادح. وقد روى مالك عن الترمذي : أنه قال: ابن عمر بالمدينة عشر سنين يضحي . أقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الأضحية: أواجبة هي؟ فقال: ضحى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وضحى المسلمون ابن عمر . قال وسئل : إنهما حديثان حسنان. قال: والعمل على هذا عند أهل العلم: أن الأضحية ليست بواجبة، ولكنها سنة من سنن النبي - صلى الله عليه وسلم - وما روي عن بعض السلف من تركه الأضحية مع تمكنه، فذلك محمول على أنهم إنما تركوها مخافة أن يعتقد أنها واجبة. الترمذي
وقال ابن عبد الحكم : سألت عن الأضحية: أواجبة هي؟ فقال: إنها سنة. ثم قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ( مالكا أمرت بالأضحى، وهي لكم سنة ).
قلت : فأفتى، واستدل; وهذا يدل على صحة هذا الحديث عند ; إذ قد استدل به، ولا يجوز الاستدلال بما لا يصح. مالك
وقد ذهب إلى وجوب الأضحية طائفة، منهم: ، الأوزاعي ، والليث ; غير أنه اشترط في الوجوب أن يملك المضحي نصابا. وقد روي القول بالوجوب عن وأبو حنيفة ، وبعض أصحابه. وقد تمسك القائلون بالوجوب بقوله تعالى: مالك فصل لربك وانحر ، وبما رواه وغيره من حديث أبو داود مخنف بن سلم ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: وبظاهر الأمر بالإعادة في الحديث المتقدم. (يا أيها الناس! إن على كل بيت في كل عام [ ص: 350 ] أضحية، وعتيرة. أتدرون ما العتيرة؟ هذه التي يقول الناس: الرجبية)
قلت: ولا حجة في شيء من ذلك. أما الآية: فلأنها محتملة لأمور متعددة، ولذلك اختلفت أقوال العلماء فيها. فقيل: معناهما: صل الصلوات المعهودة، وضع يمينك على شمالك، وضعهما على نحرك. قاله - رضي الله عنه -. وقال علي : ارفع يديك في التكبير إلى نحرك. وقيل: استقبل القبلة بنحرك في الصلاة. وقال أبو الأحوص : صل مجاهد بالمزدلفة ، وانحر الهدي. وقال : صل العيد، وانحر الأضحية. ونحوه قال عطاء . وقال مالك : ادع لربك، وارفع يديك إلى نحرك عند الدعاء. وقال ابن جبير : استو بين السجدتين حتى يبدو نحرك. عطاء
قلت: وهذه الأقوال كلها; الآية قابلة لها; على أن الأظهر منها قول من قال: إن المراد بها: صل الصلوات المعهودة، وانحر الهدايا الواجبة; تمسكا بالعرف المستعمل في ذينك اللفظين، والله أعلم. وعند هذا ظهر: أن لا حجة في الآية.
وأما قوله: ( ): فليس بصحيح. قيل: هو حديث ضعيف على ما قاله على أهل كل بيت أضحية، وعتيرة أبو محمد عبد الحق وغيره، ولو سلمت صحته فلا حجة فيه لوجهين:
أحدهما: أنه ليس صريحا في الوجوب، بل قد يقال مثله في المندوب، كما قال في السواك: وليس السواك واجبا في الجمعة بالاتفاق، وإنما يحمل ذلك على أن من أراد تحصيل الأجر الكثير، وإقامة السنة، فعليه [ ص: 351 ] بالأضحية والسواك. (وعليكم بالسواك)،
وهذا نحو قوله - صلى الله عليه وسلم -: (من أراد أن يضحي فلا يأخذ من شعره ولا بشره شيئا).
والثاني: عطف العتيرة على الأضحية. والعتيرة ليست بواجبة باتفاق على ما ذكره . وقال المازري : العتيرة منسوخة. وهذا من قول أبو داود يدل على أن العتيرة كانت مشروعة في أول الإسلام، ثم نسخت، وكذلك قال أبي داود ، قال: العتيرة شاة كانت تذبح في رجب في الجاهلية يتقرب بها، وكان ذلك في صدر الإسلام أيضا. والعتر: الذبح. قال غيره: وهي فعيلة بمعنى مفعولة، كذبيحة بمعنى مذبوحة. يقال: عتر الرجل يعتر عترا، بالفتح: إذا ذبح العتيرة. ويقال: هذه أيام ترجيب وتعتار. ابن دريد
قلت: وظاهر قول في العتيرة: إنها منسوخة: أنها لم تبق لها مشروعية على جهة الوجوب ولا الجواز. قال أبي داود القاضي أبو الفضل : وعامة أهل العلم على تركها للنهي عنها، إلا فإنه كان يذبح العتيرة في رجب، ولم يره منسوخا; يعني: الجواز. وأما الوجوب فمتفق على تركه على ما حكاه ابن سيرين . المازري
فإن قيل: لا نسلم أن نسخ وجوب العتيرة يلزم منه نفي وجوب الأضحية; لأن الحديث تضمن أمرين:
أحدهما: الأضحية - ولم يقل أحد: إنها منسوخة - والعتيرة - وهي المنسوخة - فلا يلزم من نسخها نسخها. فالجواب: إنهما وإن كانا أمرين متغايرين، لكنهما قد اجتمعا في مفيد الوجوب، وهو: على الذي استدللتم بها على الوجوب; لأنه لما عطف العتيرة على الأضحية بالواو من غير إعادة "على" علمنا أن العتيرة دخلت مع الأضحية في معنى "على" وهو معنى واحد، فإذا رفع ذلك المعنى عن العتيرة ارتفع عن الأضحية; لضرورة الاتحاد. وهذا حكم حروف [ ص: 352 ] العطف المشركة في المعنى إذا عطف بها المفردات . فإنك إذا قلت: قام زيد وعمرو; استحال أن يرفع القيام عن عمرو، ويبقى لزيد، فلو أعاد العامل لصح أن يرفع حكم أحدهما ويثبت حكم الآخر; لأنه يكون من باب عطف الجمل، ويجوز عطف الجمل المختلفة بعضها على بعض، وقد أشبعنا القول في هذا في الأصول، وهو أصل حسن يجب الاعتناء به.
وأما الاستدلال بقوله - صلى الله عليه وسلم -: (اذبح مكانها أخرى): فقد عضدوه بما جاء في بعض طرق هذا الحديث، في قوله: (أعد نسكا) وقوله: ضح بها - يعني: الجذعة من المعز - ولا تجزي عن أحد بعدك) ولا حجة في شيء من ذلك واضحة; لأن المقصود بيان كيفية مشروعية الأضحية لمن أراد أن يفعلها، أو من التزمها فأوقعها على غير الوجه المشروع غلطا، أو جهلا، فبين له النبي - صلى الله عليه وسلم - وجه تدارك ما فرط فيه. وهذا هو المعني بقوله: ( لا تجزي ) أي: لا يحصل لك مقصود القربة ولا الثواب. وهذا كما يقال في صلاة النفل: لا تجزي إلا بطهارة، وستر عورة; أي: لا تصح في نفسها; إذ لا يحصل مقصود القربة إلا بتمام شروطها. وهذا واضح جدا.
وقد استدل بعض من رأى الوجوب: أن الأضحية من شريعة إبراهيم - عليه السلام - وقد أمرنا باتباعه؛ لقوله تعالى: ملة أبيكم إبراهيم وهذا ترد عليه أسئلة كثيرة، قد ذكرناها في الأصول، فلا حجة فيه; لأنا نقول بموجب ذلك، ونسألهم: هل كانت الأضحية واجبة في شرعه أو سنة؟ وليس هناك ما يدل على شيء من ذلك، فإن استدلوا بقصة الذبيح; فتلك قضية خاصة، أو منسوخة، ولا حجة في شيء منها. والله تعالى أعلم.
وأما بعد صلاة الإمام، وذبحه، مالك إلا أن يؤخر [ ص: 353 ] تأخيرا يتعدى فيه فيسقط الاقتداء به، معتمدا في ذلك على حديث وقت ذبحها: فهو عند المذكور في الأصل. وهو نص في ذلك. وعند جابر : الفراغ من الصلاة دون مراعاة ذبح الإمام، ويشهد له حديث أبي حنيفة ; فإنه قال فيه: البراء فعلق الذبح على الصلاة، ولم يذكر الذبح للإمام. (من ذبح بعد الصلاة فقد تم نسكه)
وعند : وقتها دخول وقت الصلاة، ومقدار ما توقع فيه. فاعتبر الوقت دون الصلاة، وهو خروج عن ظواهر هذه الأحاديث، غير أنه لما صح عنده: أن الأضحية مخاطب بها أهل البوادي، ومن لا إمام له، ومن لا يخاطب بصلاة عيد، ظهر له أن حكمها متعلق بمقدار وقت الصلاة لأهل المصر وغيرهم. والله تعالى أعلم. الشافعي
وأما على مذهب : فرد مطلق حديث مالك إلى مقيد حديث البراء ; لأنه قد اتحد الموجب والموجب، وقد قلنا في أصول الفقه: إن هذا النوع متفق عليه عند الأصوليين. جابر
وأما قبل الصلاة: فقال : أجمع المسلمون أن الذبح لأهل المصر لا يجوز قبلها; وإنما اختلفوا إذا ذبح بعدها وقبل ذبح الإمام. واختلفت فيه الآثار. وأما أهل البوادي، ومن لا إمام له، أو إذا لم يبرز الإمام أضحيته: فمشهور مذهب القاضي عياض يتحرى وقت ذبح الإمام، أو أقرب الأئمة إليه. وقال مالك ربيعة فيمن لا إمام له: إن ذبح قبل طلوع الشمس لم يجزه، ويجزيه إن ذبح بعده. وقال أهل الرأي: يجزيهم من بعد الفجر، وكأن هؤلاء تمسكوا في ذلك بقوله: وعطاء ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فأضاف النحر إلى اليوم، وهل اليوم من بعد طلوع الفجر أو من طلوع الشمس؟ هذا سبب اختلافهم. وهذا لا تعويل عليه هنا; لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد عين للأضحية وقتا من اليوم بفعله، وقوله; فإنه ذبح بعدما صلى، وقال: وهذا اللفظ عام يتناول كل مضح، وأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حديث (إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا أن نصلي، ثم ننحر، فمن فعل ذلك فقد أصاب سنتنا، ومن [ ص: 354 ] لم يفعل فإنما هو لحم قدمه لأهله، ليس من النسك في شيء) من ذبح قبله أن يعيد أضحية أخرى، ونهى أن يذبح قبل ذبحه. فإذا: أحسن المسالك ما ذهب إليه جابر . مالك
هذا القول في مبدأ زمان الذبح. فأما منتهاه: فهو عند : يوم النحر، ويومان بعده. وعند مالك : وثلاثة بعده. وعند غيرهما: يوم النحر خاصة. وقاله الشافعي سليمان بن يسار ، ورويا حديثا مرسلا. وأبو سلمة بن عبد الرحمن
ومعتمد أصحابنا قوله تعالى: ويذكروا اسم الله في أيام معلومات الآية، قالوا: والمعلومات: جمع قلة، لكن المتيقن منه الثلاثة، فإنه أقل الجمع على ما تقرر في الأصول. وما بعد الثلاثة غير متيقن، فلا يعمل به، فإن تعيين عدد بعد ذلك تحكم; إذ لم يعينه الشرع.
وأما القول الثالث: فلا وجه له - في علمي - غير التمسك بإضافة النحر إلى اليوم الأول خاصة، وهو ضعيف مع قوله: في أيام معلومات
واختلف في ليالي أيام النحر: هل تدخل مع الأيام فيجوز فيها الذبح أو لا؟ فروي عن في المشهور: أنها لا تدخل. فلا يجوز الذبح بالليل، وعليه جمهور أصحابه. وقال مالك ، أبو حنيفة ، والشافعي ، وأحمد وإسحاق ، : الليالي داخلة في الأيام، ويجزي الذبح فيها، وروي عن وأبو ثور ، مالك نحوه. وأشهب تفريق بين الهدي والضحية، فأجاز الهدي ليلا، ولم يجز الضحية ليلا. وقد تمسك ولأشهب بأصل وضع الأيام; فإنه الحقيقة في الكلام. وقد روي في ذلك نهي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث مالك مرسلا، ولا يصح; لأنه من حديث عطاء بن يسار مبشر بن عبيد ، وهو متروك.
[ ص: 355 ] و(قوله: ومن لم يذبح فليذبح باسم الله ) فيه دليل على وجوب وقد ذكر الخلاف فيه في الصيد. التسمية عند الذبح،
وكونه - صلى الله عليه وسلم - صلى يوم الأضحى ثم خطب: دليل واضح على من أجاز وقد تقدم ذلك في كتاب الإيمان. تقديم الخطبة على الصلاة.
(1 و 2 و 3) ومن باب التسمية على الأضحية وفي وقتها، وأين تذبح؟
قال : الأصمعي [ ص: 348 ] كما يقال: أرطاة، وأرطى. وبها سمي يوم الأضحى، وفي الصحاح: ضحوة النهار بعد طلوع الشمس، ثم بعده: الضحى، وهو حين تشرق الشمس، مقصورة، مؤنثة، وتذكر. فمن أنث ذهب إلى أنها جمع ضحوة، ومن ذكر ذهب إلى أنه اسم على فعل، مثل: نغر، وصرد، قال: وهو ظرف غير متمكن، مثل: سحر. تقول: لقيته ضحى وضحى; إذا أردت به ضحى يومك لم تنونه. في الأضحية أربع لغات: أضحية، وإضحية، والجمع: أضاحي. وضحية - على وزن فعيلة - والجمع ضحايا. وأضحاة، والجمع أضحى،
قلت: قياسه: ضحى على سحر قد أخذ عليه فيه ابن بري وهي مؤاخذة صحيحة; لأن الظروف التي لا تنصرف إذا عينت هي: سحر - كما ذكر - وغدوة، وبكرة لا غير، فسحر: إذا أريد به يوم بعينه لم ينصرف للتعريف والعدل. وفي غدوة وبكرة للتعريف والتأنيث. فأما بكير، وعشاء، وعتمة، وضحوة، وعشية، وضحى ونحوها فإنها منصرفة على كل حال. فإن أريد بها وقت بعينه كانت نكرات اللفظ معرفة بالمعنى على غير وجه التعريف. وهكذا ذكره الحسن بن خروف وغيره.
وقوله - صلى الله عليه وسلم -: ( ) هذا اللفظ بظاهره يفيد حكمين: من كان ذبح أضحيته قبل أن يصلي فليذبح مكانها أخرى
أحدهما: وجوب الأضحية من حيث إنه أمر بالإعادة.
وثانيهما: وقت الذبح عند الفراغ من صلاة الإمام.
وقد اختلف في الحكمين، فلنذكرهما.
فأما الأول: فالجمهور من السلف والخلف على أنها سنة مؤكدة. وهو مشهور مذهب ; متمسكين في ذلك بمداومة النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه - رضي الله عنهم - على فعلها، وأنه لم يرد نص في وجوبها، بل ولا ظاهر صحيح سليم عن [ ص: 349 ] القوادح. وقد روى مالك عن الترمذي : أنه قال: ابن عمر بالمدينة عشر سنين يضحي . أقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الأضحية: أواجبة هي؟ فقال: ضحى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وضحى المسلمون ابن عمر . قال وسئل : إنهما حديثان حسنان. قال: والعمل على هذا عند أهل العلم: أن الأضحية ليست بواجبة، ولكنها سنة من سنن النبي - صلى الله عليه وسلم - وما روي عن بعض السلف من تركه الأضحية مع تمكنه، فذلك محمول على أنهم إنما تركوها مخافة أن يعتقد أنها واجبة. الترمذي
وقال ابن عبد الحكم : سألت عن الأضحية: أواجبة هي؟ فقال: إنها سنة. ثم قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ( مالكا أمرت بالأضحى، وهي لكم سنة ).
قلت : فأفتى، واستدل; وهذا يدل على صحة هذا الحديث عند ; إذ قد استدل به، ولا يجوز الاستدلال بما لا يصح. مالك
وقد ذهب إلى وجوب الأضحية طائفة، منهم: ، الأوزاعي ، والليث ; غير أنه اشترط في الوجوب أن يملك المضحي نصابا. وقد روي القول بالوجوب عن وأبو حنيفة ، وبعض أصحابه. وقد تمسك القائلون بالوجوب بقوله تعالى: مالك فصل لربك وانحر ، وبما رواه وغيره من حديث أبو داود مخنف بن سلم ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: وبظاهر الأمر بالإعادة في الحديث المتقدم. (يا أيها الناس! إن على كل بيت في كل عام [ ص: 350 ] أضحية، وعتيرة. أتدرون ما العتيرة؟ هذه التي يقول الناس: الرجبية)
قلت: ولا حجة في شيء من ذلك. أما الآية: فلأنها محتملة لأمور متعددة، ولذلك اختلفت أقوال العلماء فيها. فقيل: معناهما: صل الصلوات المعهودة، وضع يمينك على شمالك، وضعهما على نحرك. قاله - رضي الله عنه -. وقال علي : ارفع يديك في التكبير إلى نحرك. وقيل: استقبل القبلة بنحرك في الصلاة. وقال أبو الأحوص : صل مجاهد بالمزدلفة ، وانحر الهدي. وقال : صل العيد، وانحر الأضحية. ونحوه قال عطاء . وقال مالك : ادع لربك، وارفع يديك إلى نحرك عند الدعاء. وقال ابن جبير : استو بين السجدتين حتى يبدو نحرك. عطاء
قلت: وهذه الأقوال كلها; الآية قابلة لها; على أن الأظهر منها قول من قال: إن المراد بها: صل الصلوات المعهودة، وانحر الهدايا الواجبة; تمسكا بالعرف المستعمل في ذينك اللفظين، والله أعلم. وعند هذا ظهر: أن لا حجة في الآية.
وأما قوله: ( ): فليس بصحيح. قيل: هو حديث ضعيف على ما قاله على أهل كل بيت أضحية، وعتيرة أبو محمد عبد الحق وغيره، ولو سلمت صحته فلا حجة فيه لوجهين:
أحدهما: أنه ليس صريحا في الوجوب، بل قد يقال مثله في المندوب، كما قال في السواك: وليس السواك واجبا في الجمعة بالاتفاق، وإنما يحمل ذلك على أن من أراد تحصيل الأجر الكثير، وإقامة السنة، فعليه [ ص: 351 ] بالأضحية والسواك. (وعليكم بالسواك)،
وهذا نحو قوله - صلى الله عليه وسلم -: (من أراد أن يضحي فلا يأخذ من شعره ولا بشره شيئا).
والثاني: عطف العتيرة على الأضحية. والعتيرة ليست بواجبة باتفاق على ما ذكره . وقال المازري : العتيرة منسوخة. وهذا من قول أبو داود يدل على أن العتيرة كانت مشروعة في أول الإسلام، ثم نسخت، وكذلك قال أبي داود ، قال: العتيرة شاة كانت تذبح في رجب في الجاهلية يتقرب بها، وكان ذلك في صدر الإسلام أيضا. والعتر: الذبح. قال غيره: وهي فعيلة بمعنى مفعولة، كذبيحة بمعنى مذبوحة. يقال: عتر الرجل يعتر عترا، بالفتح: إذا ذبح العتيرة. ويقال: هذه أيام ترجيب وتعتار. ابن دريد
قلت: وظاهر قول في العتيرة: إنها منسوخة: أنها لم تبق لها مشروعية على جهة الوجوب ولا الجواز. قال أبي داود القاضي أبو الفضل : وعامة أهل العلم على تركها للنهي عنها، إلا فإنه كان يذبح العتيرة في رجب، ولم يره منسوخا; يعني: الجواز. وأما الوجوب فمتفق على تركه على ما حكاه ابن سيرين . المازري
فإن قيل: لا نسلم أن نسخ وجوب العتيرة يلزم منه نفي وجوب الأضحية; لأن الحديث تضمن أمرين:
أحدهما: الأضحية - ولم يقل أحد: إنها منسوخة - والعتيرة - وهي المنسوخة - فلا يلزم من نسخها نسخها. فالجواب: إنهما وإن كانا أمرين متغايرين، لكنهما قد اجتمعا في مفيد الوجوب، وهو: على الذي استدللتم بها على الوجوب; لأنه لما عطف العتيرة على الأضحية بالواو من غير إعادة "على" علمنا أن العتيرة دخلت مع الأضحية في معنى "على" وهو معنى واحد، فإذا رفع ذلك المعنى عن العتيرة ارتفع عن الأضحية; لضرورة الاتحاد. وهذا حكم حروف [ ص: 352 ] العطف المشركة في المعنى إذا عطف بها المفردات . فإنك إذا قلت: قام زيد وعمرو; استحال أن يرفع القيام عن عمرو، ويبقى لزيد، فلو أعاد العامل لصح أن يرفع حكم أحدهما ويثبت حكم الآخر; لأنه يكون من باب عطف الجمل، ويجوز عطف الجمل المختلفة بعضها على بعض، وقد أشبعنا القول في هذا في الأصول، وهو أصل حسن يجب الاعتناء به.
وأما الاستدلال بقوله - صلى الله عليه وسلم -: (اذبح مكانها أخرى): فقد عضدوه بما جاء في بعض طرق هذا الحديث، في قوله: (أعد نسكا) وقوله: ضح بها - يعني: الجذعة من المعز - ولا تجزي عن أحد بعدك) ولا حجة في شيء من ذلك واضحة; لأن المقصود بيان كيفية مشروعية الأضحية لمن أراد أن يفعلها، أو من التزمها فأوقعها على غير الوجه المشروع غلطا، أو جهلا، فبين له النبي - صلى الله عليه وسلم - وجه تدارك ما فرط فيه. وهذا هو المعني بقوله: ( لا تجزي ) أي: لا يحصل لك مقصود القربة ولا الثواب. وهذا كما يقال في صلاة النفل: لا تجزي إلا بطهارة، وستر عورة; أي: لا تصح في نفسها; إذ لا يحصل مقصود القربة إلا بتمام شروطها. وهذا واضح جدا.
وقد استدل بعض من رأى الوجوب: أن الأضحية من شريعة إبراهيم - عليه السلام - وقد أمرنا باتباعه؛ لقوله تعالى: ملة أبيكم إبراهيم وهذا ترد عليه أسئلة كثيرة، قد ذكرناها في الأصول، فلا حجة فيه; لأنا نقول بموجب ذلك، ونسألهم: هل كانت الأضحية واجبة في شرعه أو سنة؟ وليس هناك ما يدل على شيء من ذلك، فإن استدلوا بقصة الذبيح; فتلك قضية خاصة، أو منسوخة، ولا حجة في شيء منها. والله تعالى أعلم.
وأما بعد صلاة الإمام، وذبحه، مالك إلا أن يؤخر [ ص: 353 ] تأخيرا يتعدى فيه فيسقط الاقتداء به، معتمدا في ذلك على حديث وقت ذبحها: فهو عند المذكور في الأصل. وهو نص في ذلك. وعند جابر : الفراغ من الصلاة دون مراعاة ذبح الإمام، ويشهد له حديث أبي حنيفة ; فإنه قال فيه: البراء فعلق الذبح على الصلاة، ولم يذكر الذبح للإمام. (من ذبح بعد الصلاة فقد تم نسكه)
وعند : وقتها دخول وقت الصلاة، ومقدار ما توقع فيه. فاعتبر الوقت دون الصلاة، وهو خروج عن ظواهر هذه الأحاديث، غير أنه لما صح عنده: أن الأضحية مخاطب بها أهل البوادي، ومن لا إمام له، ومن لا يخاطب بصلاة عيد، ظهر له أن حكمها متعلق بمقدار وقت الصلاة لأهل المصر وغيرهم. والله تعالى أعلم. الشافعي
وأما على مذهب : فرد مطلق حديث مالك إلى مقيد حديث البراء ; لأنه قد اتحد الموجب والموجب، وقد قلنا في أصول الفقه: إن هذا النوع متفق عليه عند الأصوليين. جابر
وأما قبل الصلاة: فقال : أجمع المسلمون أن الذبح لأهل المصر لا يجوز قبلها; وإنما اختلفوا إذا ذبح بعدها وقبل ذبح الإمام. واختلفت فيه الآثار. وأما أهل البوادي، ومن لا إمام له، أو إذا لم يبرز الإمام أضحيته: فمشهور مذهب القاضي عياض يتحرى وقت ذبح الإمام، أو أقرب الأئمة إليه. وقال مالك ربيعة فيمن لا إمام له: إن ذبح قبل طلوع الشمس لم يجزه، ويجزيه إن ذبح بعده. وقال أهل الرأي: يجزيهم من بعد الفجر، وكأن هؤلاء تمسكوا في ذلك بقوله: وعطاء ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فأضاف النحر إلى اليوم، وهل اليوم من بعد طلوع الفجر أو من طلوع الشمس؟ هذا سبب اختلافهم. وهذا لا تعويل عليه هنا; لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد عين للأضحية وقتا من اليوم بفعله، وقوله; فإنه ذبح بعدما صلى، وقال: وهذا اللفظ عام يتناول كل مضح، وأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حديث (إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا أن نصلي، ثم ننحر، فمن فعل ذلك فقد أصاب سنتنا، ومن [ ص: 354 ] لم يفعل فإنما هو لحم قدمه لأهله، ليس من النسك في شيء) من ذبح قبله أن يعيد أضحية أخرى، ونهى أن يذبح قبل ذبحه. فإذا: أحسن المسالك ما ذهب إليه جابر . مالك
هذا القول في مبدأ زمان الذبح. فأما منتهاه: فهو عند : يوم النحر، ويومان بعده. وعند مالك : وثلاثة بعده. وعند غيرهما: يوم النحر خاصة. وقاله الشافعي سليمان بن يسار ، ورويا حديثا مرسلا. وأبو سلمة بن عبد الرحمن
ومعتمد أصحابنا قوله تعالى: ويذكروا اسم الله في أيام معلومات الآية، قالوا: والمعلومات: جمع قلة، لكن المتيقن منه الثلاثة، فإنه أقل الجمع على ما تقرر في الأصول. وما بعد الثلاثة غير متيقن، فلا يعمل به، فإن تعيين عدد بعد ذلك تحكم; إذ لم يعينه الشرع.
وأما القول الثالث: فلا وجه له - في علمي - غير التمسك بإضافة النحر إلى اليوم الأول خاصة، وهو ضعيف مع قوله: في أيام معلومات
واختلف في ليالي أيام النحر: هل تدخل مع الأيام فيجوز فيها الذبح أو لا؟ فروي عن في المشهور: أنها لا تدخل. فلا يجوز الذبح بالليل، وعليه جمهور أصحابه. وقال مالك ، أبو حنيفة ، والشافعي ، وأحمد وإسحاق ، : الليالي داخلة في الأيام، ويجزي الذبح فيها، وروي عن وأبو ثور ، مالك نحوه. وأشهب تفريق بين الهدي والضحية، فأجاز الهدي ليلا، ولم يجز الضحية ليلا. وقد تمسك ولأشهب بأصل وضع الأيام; فإنه الحقيقة في الكلام. وقد روي في ذلك نهي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث مالك مرسلا، ولا يصح; لأنه من حديث عطاء بن يسار مبشر بن عبيد ، وهو متروك.
[ ص: 355 ] و(قوله: ومن لم يذبح فليذبح باسم الله ) فيه دليل على وجوب وقد ذكر الخلاف فيه في الصيد. التسمية عند الذبح،
وكونه - صلى الله عليه وسلم - صلى يوم الأضحى ثم خطب: دليل واضح على من أجاز وقد تقدم ذلك في كتاب الإيمان. تقديم الخطبة على الصلاة.