الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                      في العرية يبيعها صاحبها ثم يشتريها الذي أعراها قلت : أرأيت لو أن الرجل الذي أعرى هذه النخل باعها من غيره بعد ما أزهت وحل البيع ثم أراد صاحب النخل الذي له الثمرة أن يأخذ بخرصها من الذي اشتراها من الذي أعراها أيجوز ذلك في قول مالك ؟

                                                                                                                                                                                      قال : قول مالك : أنه جائز ; لأنه لو أن رجلا أسكن رجلا منزلا في دار له حياته ثم وهب ذلك السكنى لرجل غيره حياته لجاز لصاحب الدار أن يبتاع من الموهوب له ذلك السكنى كما كان يجوز له أن يشتري من الموهوبة له نفسه ذلك المسكن والذي أسكن حياته لا يبيع سكناه حياته ويجوز له أن يهبه ، فهبة السكنى بمنزلة بيع الثمرة وهبتها لمن أراد أن يشتريها منه .

                                                                                                                                                                                      قال : ولقد سألت مالكا عن الرجل يكون له الحائط ولرجل فيه نخلة فيريد بعد أن تطيب النخلة ويحل بيع الثمار أن يبتاعها منه بخرصها إلى الجداد فقال : قال لي مالك : إن كان على وجه ما يكره من دخوله وخروجه فلا يعجبني ذلك وأراه من بيع التمر بالرطب لأن هذا له الأصل ولم يعر وإن كان على وجه الكفاية له والمؤنة لم أر بأسا إذا كان على وجه المعروف .

                                                                                                                                                                                      فالعرايا قد تجوز على الوجهين جميعا على وجه الكفاية وكراهية الدخول والخروج وقد يشتريها منه على وجه الكفاية فلا يكون بذلك بأس فلا تبالي إذا خرجت من يد الذي أعريها إلى غيره بهبة أو بثمن أن يشتريها الذي له الثمرة لأن الرخصة فيها إنما هي للذي أعراها على وجه ما يكره من دخوله وخروجه أو على وجه كفاية المؤنة [ ص: 287 ] لصاحبه فلا بأس بهذا في الأمرين جميعا على ما سمعت من مالك والله أعلم ، ولو كان مكروها أن يشتريها من أعراها ممن اشتراها لكان مكروها لمن اشترى الثمرة أن يشتري ما أعراها بائعه ، فهذا يدلك وهذا أشد الكراهية ، ولكن لا بأس به ، وقد قال بعض كبار أصحاب مالك : إن العرية لا يجوز شراؤها لمن أعراها إلا لما يدخل عليه من المضرة من الدخول عليه في حائطه فصار ما كان منه من المعروف مضرة تدخل عليه فأرخص له في نفي المضرة وإلقائها ، ولذلك يجوز له أن يشتري النخلة تكون في حائطه وإن كان أصل ملكها ليس على عرية تشبه ذلك لما يخاف من إدخال المضرة على صاحب العرية فلذلك جوز أمر صاحب النخلة وخفف وليس يحمله قياس ولكنه موضع تخفيف .

                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية