الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                      في الرجل يكتري الأرض وفيها زرع ربها يقبضها إلى أجل ، والنقد في ذلك قلت : أرأيت إن تكاريت منك أرضك السنة المستقبلة ، ولك فيها زرع أيجوز لي [ ص: 542 ] هذا الكراء أم لا في قول مالك ؟

                                                                                                                                                                                      قال : ذلك جائز إذا كانت الأرض مأمونة مثل أرض مصر ، فذلك جائز والنقد فيها جائز ; لأنها مأمونة وليست بمنزلة الحيوان التي يخاف موتها وإن كانت غير مأمونة فالكراء جائز ولا يصلح اشتراط النقد فيها . وقال سحنون ، وقال غيره : لا يجوز في غير المأمونة كراء إلا قرب الحرث وإن كان بغير نقد ; لأن ذلك يدخل على رب الأرض فيما أوجب من الكراء أن لا ينتفع بماله فيما يريد من بيعه وتصريفه بما يجوز لذوي الملك في ملكه في غير مدخل يكون للمتكاري ينتفع به فهذا موضع الضرر ، ولا خير في الضرر .

                                                                                                                                                                                      وكذلك هذا الأصل في كل ما يكترى ، وإن لم ينقد فيه الكراء إذا كان لا يقبض إلا بعد طول مما يخاف عليه مثل العبد بعينه والدابة بعينها وكل ما هو مخوف .

                                                                                                                                                                                      قلت وكذلك لو كنت قد اكتريتها من رجل فزرع فيها زرعه أو لم يزرع ثم اكتريتها السنة المستقبلة من رجل غيره ؟

                                                                                                                                                                                      قال : ذلك جائز بحال ما وصفت لك إلا أن تكون من الأرضين التي إنما حياتها بالآبار أو العيون المخوفة غير المأمونة فلا خير في النقد في هذه ; لأنه لا يدري أتسلم العيون إلى ذلك الأجل أو الآبار ; لأنها مثل الحيوان . وقال مالك : لا بأس بكراء الدور وتقبض إلى سنة والنقد فيها ; لأنها مأمونة ، فإن بعد الأجل لم يكن بالكراء بأس ولا أحب النقد فيها .

                                                                                                                                                                                      قال سحنون : وقد وصفنا ما كره من طول هذا وشبهه وإن لم ينقد الكراء . قال ابن القاسم : فالبئر والعيون بهذه المنزلة هذا إذا لم تكن مأمونة أو كانت مأمونة إلى ذلك الأجل لبعده ولا خير فيه في غير ذلك من العروض والحيوان أن يشتريه الرجل إلى أجل ويشترط أخذه مع النقد ; لأن هذا بيع العروض بعينها إلى أجل ، وهي غير مأمونة فهذا إنما يشتري هذه السلعة بذلك الثمن على أن يضمن له البائع هذه السلعة إلى ذلك الأجل فلا خير في ذلك الكراء ، فكراء الدار إن انهدمت الدار لم يضمنها مكتريها .

                                                                                                                                                                                      قلت : والسلعة أيضا لو هلكت لم يضمنها مشتريها ؟

                                                                                                                                                                                      قال : إنما أجيز هذا في الدور ; لأنها مأمونة ولا تشبه غيرها من العروض .

                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية