الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                      صفحة جزء
                                                      تنبيه [ العقل مدرك للحكم لا حاكم ] إدراك الحكم الشرعي في القياس أو دخول الفرع الخاص تحت القاعدة الكلية ، وإن كان بالعقل ، فالمراد به أن العقل مدرك للحكم ، لا أنه حاكم ، وكذلك ترتب النتيجة بعد المقدمتين حكم شرعي أدركه العقل ، ولا يقال : أوجبه [ ص: 194 ] وقد أطلق الشافعي في " المختصر " القول بتعصية الناجش ، وهو الذي يزيد في السلعة لا لغرض بل ليخدع غيره . وشرط في تعصية من باع على بيع أخيه العلم بورود النهي عنه . فقال الشارحون : السبب في ذلك أن النجش خديعة ، وتحريم الخديعة واضح لكل أحد ، وإن لم يعلم فيه خبر بخصوصه ، والبيع على بيع الأخ إنما عرف من الخبر الوارد فيه فلا يعرفه من لا يعرف الخبر . وذكر بعضهم أن تحريم الخداع يعرف بالعقل ، وإن لم يرد شرع . قال الرافعي في " شرح الوجيز " : وهذا ليس من معتقدنا . انتهى .

                                                      وإذا فهمته على أن العقل يدرك تحريم الخداع من غير استقلال في ذلك لم يبق اعتراض ، ومن فروع هذا الأصل عدم صحة إسلام الصبي عندنا ; لأن صحته فرع تقدم الإلزام به ، ولا إلزام مع الصبي شرعا . وقال أبو حنيفة : يصح بناء على أن العقل يوجب على الصبي والبالغ . ثم المعتمد في إبطال الحسن والقبح عدم وجوب رعاية المصالح والمفاسد بأن يقال : خلق العالم إما أن يكون لمصلحة ، أو لا ، فإن كان ، فقد أجرى الله تعالى فعل المصالح دهورا لا نهاية لها ، وإن لم يكن كان خلقه عريا عن المصالح ، فإن الله تعالى لا يجب أن يكون تصرفه ملزوما للمصالح ، أو لا تكون رعايتها واجبة ، وإذا تقرر عدم وجوبها فلا يجب في العقل أن الله يربط أحكامه فيها [ ص: 195 ] بل يجوز ذلك ويقتضيه ، فبطل قاعدة التحسين والتقبيح ; لأن وجوب ربط الأحكام بالمصالح والمفاسد عقلا هو عين الحسن والقبح العقليين ، وقد فرع الأصحاب على هذا الأصل مسألتين .

                                                      التالي السابق


                                                      الخدمات العلمية