الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                      صفحة جزء
                                                      مسألة [ أحكام الشرع ثابتة إلى يوم القيامة ] كل حكم ثبت لنا بقول الله أو بقول رسوله أو بإجماع أو قياس فهو دائم إلى يوم القيامة ، وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم : { ينزل عيسى ابن مريم حكما عدلا فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية } فقيل : يضعها عليهم بعد أن يرفعها ، فلا يقبل منهم إلا الإسلام ، واستشكل بأنه نزل مقررا لشريعة نبينا ومن شريعته إقرارهم بالجزية ، وقيل : بل من شريعته في ذلك الوقت عدم التقرير ، لا يصح ; لأن شريعته ما أتى بها وهو قبل شرع الجزية ، وقضيته بقاؤه إلى يوم القيامة لما سلف .

                                                      [ ص: 218 ] وفي الباب حديث رواه أبو القاسم الطبراني في معجمه : حدثنا يحيى بن عثمان بن صالح البصري حدثنا نعيم بن حماد المروزي حدثنا سفيان بن عيينة عن أبي الزناد عن الأعرج . عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { أنتم في زمان من ترك عشر ما أمر به هلك ، وسيأتي عليكم زمان من عمل بعشر ما أمر به نجا } وهذا الحديث تفرد به عن [ ص: 219 ] سفيان نعيم بن حماد المروزي ، وكان يقول : هذا الحديث ينكرونه علي ، وإنما كنت مع سفيان فمر يمشي فأنكره ، ثم حدثني به ، وحكى العباس بن مصعب أن نعيما هذا ناقض محمد بن الحسن ووضع ثلاثة عشر كتابا في الرد على الجهمية . وخرج إلى مصر وأقام بها نيفا وأربعين سنة ، ثم حمل إلى العراق مع البويطي في امتحان القرآن مقيدين فمات نعيم في الحبس بسر من رأى سنة تسع وعشرين ومئتين . ونقل عن الشيخ عز الدين بن عبد السلام أنه قال : يحدث للناس في كل زمان من الأحكام ما يناسبهم

                                                      ، وقد يتأيد هذا بما في البخاري عن عائشة أنها قالت : لو علم النبي صلى الله عليه وسلم ما أحدثته النساء بعده لمنعهن [ ص: 220 ] من المساجد ، وقول عمر بن عبد العزيز يحدث للناس أقضية على قدر ما أحدثوا من الفجور أي يجددون أسبابا يقضي الشرع فيها أمورا لم تكن قبل ذلك ; لأجل عدمه منها قبل ذلك ، لا لأنها شرع مجدد . فلا نقول : إن الأحكام تتغير بتغير الزمان بل باختلاف الصورة الحادثة . وقال الشيخ نجم الدين البالسي : وكنت أنفر من هذا القول ، وأعلل فساده بأن صاحب الشرع شرع شرعا مستمرا إلى قيام الساعة مع علمه بفساد الأمر فيهم . ثم رأيت في " النهاية " قد قرر ما في نفسي ، فقال قدس الله روحه : لو كانت قضايا الشرع تختلف باختلاف الناس وتناسخ العصور لانحل رباط الشرع . قال : ولما ذكر صاحب التقريب " مقالات الأصحاب في التعزير ، روي الحديث في نفي الزيادة على عشرة أسواط ، ثم قال : ولو بلغ الشافعي لقال به . انتهى . [ ص: 221 ]

                                                      وقد أكثر الروياني في " الحلية " من اختيارات خلاف مذهب الشافعي ويقول : في هذا الزمان . وقال العبادي في فتاويه " : الصدقة أفضل من حج التطوع في قول أبي حنيفة ، وهي تحتمل في هذا الزمان . وأفتى الشيخ عز الدين بالقيام للناس ، وقال : لو قيل بوجوبه في هذه الأزمنة لما كان بعيدا ، وكل ذلك فإنما هو استنباط من قواعد الشرع لا أنه خارج عن الأحكام المشروعة . فاعلم ذلك فإنه عجيب .

                                                      التالي السابق


                                                      الخدمات العلمية