الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وأما إذا قيد بسلب الأمور الثبوتية والعدمية معا، كان أقرب إلى الوجود من أن يمتاز بسلب الوجود دون العدم، وإن كان هذا ممتنعا فذاك ممتنع أيضا، وهو أقرب إلى العدم، فلزمهم أن يكون الوجود الواجب الذي لا يقبل العد هو الممتنع الذي لا يتصور وجوده في الخارج، وإنما يقدره الذهن تقديرا، كما يقدر كون الشيء موجودا معدوما، أو لا موجودا ولا معدوما، فلزم الجمع بين النقيضين، والخلو عن النقيضين.

وهذا من أعظم الممتنعات باتفاق العقلاء، بل قد يقال: إن جميع الممتنعات ترجع إلى الجمع بين النقيضين، فلهذا كان ابن سينا وأمثاله من أهل دعوة القرامطة الباطنية من أتباع الحاكم الذي كان بمصر، وهؤلاء وأمثالهم من رؤوس الملاحدة الباطنية، وقد ذكر ذلك عن نفسه، وأنه كان هو وأهل بيته من أهل دعوة هؤلاء [ ص: 290 ] المصريين الذين يسميهم المسلمون الملاحدة، لإلحادهم في أسماء الله وآياته إلحادا أعظم من إلحاد اليهود والنصاري.

وأما ملاحدة المتصوفة: كابن عربي الطائي، وصاحبه الصدر القونوي، وابن سبعين، وابن الفارض وأمثالهم، فقد يقولون: هو الوجود المطلق، كما قاله القونوي، وجعله هو الوجود من حيث هو هو، مع قطع النظر عن كونه واجبا وممكنا وواحدا وكثيرا، وهذا معنى قول ابن سبعين وأمثاله القائلين بالإحاطة.

ومعلوم أن المطلق لا بشرط ـ كالإنسان المطلق لا بشرط ـ يصدق على هذا الإنسان وهذا الإنسان، وعلى الذهني والخارجي، فالوجود المطلق لا بشرط يصدق على الواجب والممكن، والواحد والكثير، والذهني، والخارجي، وحينئذ فهذا الوجود المطلق ليس موجودا في الخارج مطلقا بلا ريب.

ومن قال: إن الكلي الطبيعي موجود في الخارج فقد يريد به حقا وباطلا، فإن أراد بذلك أن ما هو كلي في الذهن موجود في الخارج معينا: أي تلك الصورة الذهنية مطابقة للأعيان الموجودة في الخارج، كما يطابق الاسم لمسماه، والمعنى الذهني الموجود الخارجي، فهذا صحيح.

وإن أراد بذلك أن نفس الموجود [ ص: 291 ] في الخارج كلي حين وجوده في الخارج، فهذا باطل، مخالف للحس والعقل، فإن الكلي هو الذي لا يمنع تصوره من وقوع الشركة فيه.

وكل موجود في الخارج معين متميز بنفسه عن غيره يمنع تصوره من وقوع الشركة فيه، أعني هذه الشركة التي يذكرونها في هذا الموضع، وهي اشتراك الأعيان في النوع، واشتراك الأنواع في الجنس، وهي اشتراك الكليات في الجزئيات.

والقسمة المقابلة لهذه الشركة، هي قسمة الكلي إلى جزئياته، كقسمة الجنس إلى أنواع، والنوع إلى أعيانه.

التالي السابق


الخدمات العلمية