الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية

                                                                                        ابن حجر العسقلاني - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        [ ص: 137 ] 24 - باب عهد الإمام إلى عماله كيف يسيرون في أهل الإسلام والكفر

                                                                                        2171 - قال الحارث : حدثنا داود بن المحبر ، ثنا أبي المحبر بن قحذم ، عن المسور بن عبد الله الباهلي ، عن بعض ولد الجارود ، عن الجارود أنه أخذ هذه النسخة [من نسخة] عهد العلاء بن الحضرمي الذي كتبه له النبي صلى الله عليه وسلم ، حين بعثه على البحرين : بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من محمد بن عبد الله النبي الأمي القرشي الهاشمي رسول الله ، ونبيه إلى خلقه كافة ؛ للعلاء بن الحضرمي ، ومن معه من المسلمين ، عهدا عهده إليكم ، اتقوا الله أيها المسلمون ما استطعتم فإني قد بعثت عليكم العلاء بن الحضرمي وأمرته ؛ أن يتقي الله وحده لا شريك له ، وأن يلين لكم الجناح ، ويحسن فيكم السيرة بالحق ، ويحكم بينكم وبين من لقي من الناس بما أنزل الله عز وجل في كتابه من العدل ، وأمرتكم بطاعته إذا فعل ذلك وقسم فقسط ، واسترحم فرحم ، فاسمعوا له وأطيعوا ، [ ص: 138 ] وأحسنوا مؤازرته ومعاونته ، فإن لي عليكم من الحق طاعة وحقا عظيما ، لا تقدرون كل قدره ، ولا يبلغ القول كنه [حق] عظمة الله ، وحق رسوله ، كما أن لله ولرسوله على الناس عامة ، وعليكم خاصة حقا واجبا ، فطاعته والوفاء بعهده [ورضي الله عمن اعتصم بالطاعة ، وعظم حق أهلها وحق ولاتها] كذلك للمسلمين على ولاتهم حقا [واجبا وطاعة ، فرض الله تعالى عمن اعتصم بالطاعة ، وعظم حق أهلها وحق ولاتها] ، فإن في الطاعة دركا لكل خير يبتغى ، ونجاة من كل شر يتقى ، وأنا أشهد الله على من وليته شيئا من أمور المسلمين قليلا أو كثيرا فلم يعدل فيهم أن لا طاعة له ، وهو خليع مما وليته ، وقد برئت ذمة الذين معه من المسلمين وأيمانهم وعهدهم [وذمتهم] ، وليستخيروا الله تعالى عند ذلك ثم ليستعملوا عليهم أفضلهم في أنفسهم ، ألا وإن أصابت العلاء من مصيبة ، فخالد بن الوليد رضي الله [ ص: 139 ] عنه سيف الله فيهم خلف للعلاء بن الحضرمي فاسمعوا له وأطيعوا ما عرفتم أنه على الحق ، حتى يخالف الحق إلى غيره ، فسيروا على بركة الله وعونه ونصره وعافيته ورشده وتوفيقه ، فمن لقيتم من الناس فادعوهم إلى كتاب الله المنزل وسننه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وإحلال ما أحل الله لهم في كتابه ، وتحريم ما حرم الله عليهم في كتابه ، وأن يخلعوا الأنداد ويبرؤوا من الشرك والكفر ، ويكفروا بعبادة الطاغوت واللات والعزى ، وأن يتركوا [عبادة] عيسى ابن مريم ، وعزير بن حروة . ، والملائكة والشمس والقمر [والنيران] وكل شيء يتخذ ضدا من دون الله تعالى ، وأن يتولوا الله ورسوله ، وأن يتبرأوا مما برئ الله ورسوله منه ، فإذا فعلوا ذلك وأقروا به ودخلوا في الولاية ، فبينوا لهم عند ذلك ما في كتاب الله الذي تدعونهم إليه ، فإنه كتاب الله المنزل مع الروح الأمين على صفوته من العالمين محمد بن عبد الله [عبد الله] ورسوله ونبيه [وحبيبه] ، أرسله رحمة للعالمين [عامة] [ ص: 140 ] الأبيض [منهم] والأسود ، الإنس والجن ، كتاب الله فيه نبأ كل شيء كان قبلكم ، وما هو كائن بعدكم ، ليكون حاجزا بين الناس ، يحجز الله تعالى به بعضهم عن بعض ، [وفيه] إعراض بعضهم عن بعض ، وهو كتاب الله مهيمنا على الكتب ، مصدقا لما فيها من التوراة والإنجيل والزبور ، يخبركم فيه الله بما كان قبلكم مما فاتكم دركه في آبائكم الأولين ، الذين أتتهم رسل الله وأنبياؤه ، كيف كان جوابهم وبما أرسلهم ، وكيف كان تصديقهم بآيات الله تعالى أو تكذيبهم بهما ، وأخبر الله تعالى في كتابه بشأنهم وعملهم ، وعمل من هلك منهم بدينه ، لتجتنبوا ذلك ، وأن لا تعملوا مثله ، لئلا يحق عليكم في كتاب الله تعالى من [ ص: 141 ] عقابه وسخطه ونقمته مثل الذي حل عليهم من سوء أعمالهم ، [لتهاونهم بأمر الله عز وجل ، وأخبركم في كتابه بأعمال من مضى ممن كان قبلكم لتعملوا بمثل أعمالهم] بين لكم في كتابه هذا شأن ذلك كله ، رحمة منه بكم ، وشفقة من ربكم عليكم ، وهو هدى من الضلالة ، وتبيان من العمى ، وإقالة من العثرة ، ونجاة من الفتنة ، ونور من الظلمة ، وشفاء عند الأحداث ، وعصمة من التهلكة ، ورشد من الغواية ، وبيان من اللبس ، وفيصل ما بين الدنيا والآخرة ، فيه كمال دينكم ، فإذا عرضتم هذا عليهم ، فأقروا لكم به فاستكملوا الولاية ، فاعرضوا عليهم عند ذلك الإسلام ، وهو الصلوات الخمس ، وإيتاء الزكاة ، وحج البيت ، وصيام رمضان ، والغسل من الجنابة ، والطهور قبل الصلاة ، وبر الوالدين ، وصلة الرحم المسلمة ، وحسن الصحبة [حتى] للوالدين المشركين ، فإذا فعلوا ذلك فقد أسلموا ، فادعوهم بعد ذلك [ ص: 142 ] إلى الإيمان وانصبوا لهم شرائعه ومعالمه ، والإيمان بشهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده [ورسوله] ، وأن ما جاء به محمد الحق ، وأن ما سواه الباطل ، والإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله وأنبيائه واليوم الآخر ، والإيمان بما بين يديه وما خلفه من التوراة والإنجيل والزبور [والبعث والنشور والحساب] والجنة والنار والموت والحياة والإيمان بالله ورسوله وللمؤمنين كافة ، فإذا فعلوا ذلك وأقروا به فهم مسلمون مؤمنون ، ثم دلوهم بعد ذلك إلى الإحسان ، وعلموهم [أن] الإحسان أن يحسنوا فيما بينهم وبين الله تعالى في أداء الأمانة ، وعهده الذي عهده إلى رسله ، وعهد رسله إلى خلقه وأئمة المؤمنين ، والتسليم وسلامة المسلمين من كل غائلة لسان أو يد ، وأن يبتغي لبقية المسلمين كما يبتغي لنفسه ، والتصديق لمواعيد [ ص: 143 ] الرب ولقائه ومعاينته والوداع من الدنيا في كل ساعة ، والمحاسبة للنفس عند استيفاء كل يوم وليلة ، وتزود من الليل والنهار ، والتعاهد لما فرض الله تأديته إليه في السر والعلانية ، فإذا فعلوا ذلك فهم مسلمون مؤمنون محسنون ، ثم انعتوا لهم الكبائر ، ودلوهم عليهم ، وخوفوهم من الهلكة في الكبائر ، فإن الكبائر هي الموبقات ، وأولاهن : الشرك بالله إن الله لا يغفر أن يشرك به والسحر ، وما للساحر من خلاق ، وقطيعة الرحم لعنهم الله ، والفرار من الزحف ، فقد باء بغضب من الله ، والغلول يأت بما غل يوم القيامة فلا يقبل منهم ، وقتل النفس المؤمنة فجزاؤه جهنم ، وقذف المحصنة لعنوا في الدنيا والآخرة ، وأكل مال اليتيم يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا ، وأكل الربا فأذنوا بحرب من الله ورسوله .

                                                                                        [ ص: 144 ] فإذا انتهوا عن الكبائر فهم مسلمون مؤمنون محسنون متقون ، فادعوهم بمثل ذلك إلى العبادة ، والعبادة : الصيام ، والقيام ، والخشوع ، [والخضوع] ، والركوع ، والسجود ، والإنابة ، واليقين ، والإخبات ، والتهليل ، والتسبيح ، والتحميد ، والتكبير ، والصدقة بعد الزكاة ، والتواضع ، والسكون ، والمواساة ، والدعاء ، والتضرع ، والإقرار بالملك والعبودية ، والاستقلال بما كثر من العمل الصالح ، فإذا فعلوا ذلك فهم مؤمنون مسلمون محسنون متقون عابدون ، وقد استكملوا العبادة فادعوهم عند ذلك إلى الجهاد وبينوه لهم ، ورغبوهم فيما رغبهم الله فيه من فضيلة الجهاد وثوابه عند الله ، فإن انتدبوا فبايعوهم وادعوهم حتى تبايعوهم إلى سنة الله وسنة رسوله ، عليكم عهد الله وذمته سبع كفالات ، يعني : الله كفيل على الوفاء سبع مرات - لا تنكثون أيديكم من بيعة ولا تنقضون أمر وال من ولاة المسلمين ، فإذا أقروا بهذا فبايعوهم ، واستغفروا الله لهم ، فإذا خرجوا يقاتلون في سبيل الله غضبا لله عز وجل ونصرا لدينه ، فمن لقوا من الناس فليدعوهم إلى ما دعوا إليه من [ ص: 145 ] كتاب الله بإجابته ثم إسلامه وإيمانه وإحسانه وتقواه وعبادته وجهاده ، فمن اتبعهم فهو المستحث المستكثر [المسلم] المؤمن المحسن المتقي العابد المجاهد ، له ما لكم وعليه ما عليكم ، ومن أبى هذا عليكم فقاتلوهم حتى يفيء إلى أمر الله وإلى دينه ، ومن عاهدتم وأعطيتموه ذمة الله ففوا له بها ، ومن أسلم وأعطاكم الرضا فهو منكم وأنتم منه ، ومن قاتلكم على هذا من بعد ما سمعتموه له فاقتلوه ، ومن صال بكم فحاربوه ، ومن كايدكم فكايدوه ، ومن جمع لكم فاجمعوا له ، ومن غالكم فغيلوه ، أو خادعكم فاخدعوه من غير أن تعتدوا أو ماكركم فامكروا به من غير أن تعتدوا سرا أو علانية ، فإنه من انتصر بعد ظلمه [ ص: 146 ] فأولئك ما عليهم من سبيل واعلموا أن الله معكم يراكم ويرى أعمالكم ، ويعلم ما تصنعونه كله ، فاتقوا الله وكونوا على حذر ، فإنما هذه أمانة أمنني ربي عليها ، أبلغها عباده ، عذرا منه إليهم ، وحجة منه ، أحتج بها على من بلغه هذا الكتاب من الخلق جميعا فمن عمل بما فيه نجا ، ومن اتبع بما فيه اهتدى ، ومن خاصم به أفلح ، ومن قاتل به نصر ، ومن تركه ضل حتى يراجعه ، فتعلموا ما فيه ، وأسمعوا آذانكم ، وأوعوه أجوافكم ، واستحفظوه قلوبكم ; فإنه نور الأبصار ، وربيع القلوب وشفاء لما في الصدور ، وكفى بهذا أمرا ومعتبرا ، وزاجرا وعظة وداعيا إلى الله [ورسوله] ، فهذا هو الخير الذي لا شر فيه ، كتاب محمد عبد الله ورسوله ونبيه للعلاء بن الحضرمي حين بعثه إلى البحرين يدعو إلى الله ورسوله ، يأمره أن يدعو إلى ما فيه من حلال ، وينهى عما فيه من حرام ، ويدل على ما فيه من رشد ، وينهى عما فيه من غي ، كتاب ائتمن عليه نبي الله العلاء بن الحضرمي [ ص: 147 ] وخليفته سيف الله خالد بن الوليد ، وقد أعذر إليهما في الوصية بما في هذا الكتاب [و] إلى من معهما من المسلمين ، ولم يجعل لأحد منهم عذرا في إضاعة شيء منه ، لا الولاة ولا المتولى عليهم ، فمن بلغه هذا الكتاب من الخلق جميعا فلا عذر له ولا حجة ، ولا يعذر بجهالة شيء مما في هذا الكتاب ، كتب هذا الكتاب لثلاث من ذي القعدة ، لأربع سنين مضين من مهاجر نبي الله إلا شهرين ، شهد الكتاب يوم كتبه ابن أبي سفيان يمله عليه عثمان [ ابن عفان ] رضي الله عنه ، رسول الله صلى الله عليه وسلم [جالس] ، المختار بن قيس القرشي ، وأبو ذر الغفاري ، وحذيفة بن اليمان العبسي ، وقصي بن أبي عمر الحميري ، وشبيب بن أبي مرثد الغساني ، والمستنير ابن أبي صعصعة الخزاعي ، وعوانة بن شماخ [ ص: 148 ] الجهني ، وسعد بن مالك الأنصاري ، وسعد بن عبادة الأنصاري ، وزيد بن عمير ، والنقباء ، ورجل من قريش ، ورجل من جهينة ، وأربعة من الأنصار حتى دفعه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى العلاء بن الحضرمي وسيف الله خالد بن الوليد رضي الله عنهم
                                                                                        .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        الخدمات العلمية