الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  1947 6 - حدثنا محمد بن كثير قال: أخبرنا سفيان قال: أخبرنا عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين قال: حدثنا عبد الله بن أبي مليكة، عن عقبة بن الحارث رضي الله عنه أن امرأة سوداء جاءت فزعمت أنها أرضعتهما فذكر للنبي صلى الله عليه وسلم فأعرض عنه، وتبسم النبي صلى الله عليه وسلم قال: كيف وقد قيل، وقد كانت تحته ابنة أبي إهاب التميمي.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة في قوله: "كيف وقد قيل" لأنه مشعر بإشارته صلى الله عليه وسلم إلى تركها ورعا؛ ولهذا فارقها، ففيه توضيح الشبهة وحكمها، وهو الاجتناب عنها، وعبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين القرشي النوفلي المكي وسفيان هو الثوري.

                                                                                                                                                                                  والحديث أخرجه البخاري أيضا في كتاب العلم في باب الرحلة في المسألة النازلة، وأخرجه هناك عن محمد بن مقاتل عن عبد الله، عن عمر بن سعيد بن أبي حسين، عن عبد الله بن أبي مليكة إلى آخره، وقد مر الكلام فيه هناك مستوفى.

                                                                                                                                                                                  قوله: "أرضعتهما" أي: أرضعت عقبة وامرأته ابنة أبي إهاب بكسر الهمزة وتخفيف الهاء وبالباء الموحدة، واسم هذه المرأة غنية بنت أبي إهاب ذكره الزبير، وروى الترمذي هذا الحديث ولفظه: "قال عقبة: تزوجت امرأة فجاءتنا امرأة سوداء فقالت: إني أرضعتكما فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: تزوجت فلانة بنت فلان فجاءتنا امرأة سوداء فقالت: إني أرضعتكما، وهي كاذبة، قال: فأعرض عني فقال: فأتيته من قبل وجهه فقلت: إنها كاذبة! قال: وكيف بها فقد زعمت أنها أرضعتكما دعها عنك" ثم قال الترمذي: والعمل على هذا الحديث عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وغيرهم أجازوا [ ص: 167 ] شهادة المرأة الواحدة في الرضاع، وقال ابن عباس: تجوز شهادة امرأة واحدة في الرضاع، ويؤخذ بيمينها، وبه يقول أحمد وإسحاق، وقد قال بعض أهل العلم: لا تجوز شهادة امرأة واحدة في الرضاع حتى يكون أكثر، وهو قول الشافعي.

                                                                                                                                                                                  وقال صاحب التلويح: ذهب جمهور العلماء إلى أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أفتاه بالتحرز من الشبهة، وأمره بمجانبة الريبة؛ خوفا من الإقدام على فرج يخاف أن يكون الإقدام عليه ذريعة إلى الحرام; لأنه قد قام دليل التحريم بقول المرأة لكن لم يكن قاطعا ولا قويا لإجماع العلماء على أن شهادة امرأة واحدة لا تجوز في مثل ذلك، لكنه أشار عليه بالأحوط، يدل عليه أنه لما أخبره أعرض عنه، فلو كان حراما لما أعرض عنه، بل كان يجيبه بالتحريم، لكنه لما كرر عليه مرة بعد أخرى أجابه بالورع، انتهى.

                                                                                                                                                                                  قلت: قوله: "لإجماع العلماء على أن شهادة امرأة واحدة لا تجوز في مثل ذلك" غلط، يظهر من كلام الترمذي، وأنه متبع في ذلك ابن بطال.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية