الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
811 - ثنا أبو بكر ، ثنا محمد بن بشر ، ثنا أبو حيان ، عن أبي زرعة ، عن أبي هريرة ، قال : أتي النبي صلى الله عليه وسلم ، يوما بلحم ، قال : فرفع إليه الذراع وكانت تعجبه ، فنهس منها نهسة ، ثم قال : " أنا سيد الناس يوم القيامة ، هل تدرون بم ذاك ؟ يجمع الله يوم القيامة الأولين والآخرين في صعيد واحد ، فيسمعهم الداعي ، وينفذهم البصر ، وتدنو الشمس ، فتبلغ الناس من الغم والكرب ما لا يطيقون وما لا يحتملون ، فيقول بعض الناس لبعض : ألا ترون ما قد بلغكم ، ألا تنظرون من يشفع لكم إلى ربكم ؟ فيقول بعض الناس لبعض : أبوكم آدم ، فيأتون آدم ، فيقولون : يا آدم ، أنت أبو البشر ، خلقك الله بيده ، ونفخ فيك من روحه ، وأمر الملائكة فسجدوا لك ، اشفع لنا إلى ربك ، ألا ترى ما نحن فيه ، ألا ترى إلى ما قد بلغنا ؟ فيقول لهم : إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ، ولن يغضب بعده مثله ، وإنه كان نهاني عن الشجرة ، فعصيته ، نفسي نفسي ، اذهبوا إلى غيري ، [ ص: 380 ] اذهبوا إلى نوح . فيأتون نوحا ، فيقولون : يا نوح ، أنت أول الرسل إلى أهل الأرض ، وسماك الله عبدا شكورا ، اشفع لنا إلى ربك ، ألا ترى إلى ما نحن فيه ، ألا ترى إلى ما قد بلغنا ؟ فيقول نوح : إن ربي قد غضب غضبا لم يغضب قبله مثله ، ولن يغضب بعده مثله ، إنه كانت لي دعوة دعوت بها على قومي ، نفسي نفسي ، اذهبوا إلى غيري ، اذهبوا إلى إبراهيم ، فيقولون : يا إبراهيم ، أنت نبي الله وخليله من أهل الأرض ، اشفع لنا إلى ربك ، ألا ترى إلى ما نحن فيه ، ألا ترى إلى ما قد بلغنا ؟ فيقول لهم إبراهيم : إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ، ولن يغضب بعده مثله ، وذكر كذباته ، نفسي نفسي ، اذهبوا إلى غيري ، اذهبوا إلى موسى . فيأتون موسى ، فيقولون : يا موسى ، اشفع لنا إلى ربك ، ألا ترى إلى ما نحن فيه ، ألا ترى ما قد بلغنا ؟ فيقول لهم موسى : إن ربي غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ، وإني قتلت نفسا لم أومر بقتلها ، نفسي نفسي ، اذهبوا إلى غيري ، اذهبوا إلى عيسى . فيأتون عيسى ، فيقولون : يا عيسى ، أنت رسول الله ، كلمت الناس في المهد وكلمته ألقاها إلى مريم ، وروح منه اشفع لنا إلى ربك ، ألا ترى ما نحن فيه ، ألا ترى ما قد بلغنا ؟ فيقول لهم عيسى : إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب مثله قبله ، ولم يذكر له ذنبا ، نفسي نفسي ، اذهبوا إلى غيري ، اذهبوا إلى محمد ، فيأتوني فيقولون : يا محمد ، أنت رسول الله وخاتم الأنبياء ، قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ، اشفع لنا إلى ربك ، أما ترى ما نحن فيه ، ألا ترى ما قد بلغنا ؟ فأنطلق حتى آتي تحت العرش ، فأقع ساجدا لربي عز وجل ، ثم يفتح الله علي من محامده وحسن الثناء عليه شيئا لم يفتحه لأحد من قبلي ، ثم يقول : يا محمد ، ارفع رأسك ، سل تعطه ، واشفع تشفع ، فأرفع رأسي فأقول : يا رب أمتي ، ثلاث مرات ، فيقال : يا محمد ، أدخل الجنة من أمتك من لا حساب عليهم من الباب الأيمن من أبواب الجنة ، وهم شركاء الناس فيما سوى ذلك من الأبواب " . [ ص: 381 ] ثم قال : " والذي نفسي بيده ، إن ما بين المصراعين من مصاريع الجنة لكما بين مكة وهجر ، وكما بين مكة وبصرى " .

التالي السابق


الخدمات العلمية