الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
187 [ ص: 217 ] حديث ثالث للعلاء بن عبد الرحمن .

مالك ، عن العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب أن أبا سعيد مولى عامر بن كريز أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نادى أبي بن كعب وهو يصلي ، فلما فرغ من صلاته لحقه فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على يده وهو يريد أن يخرج من باب المسجد ، فقال : إني لأرجو أن لا تخرج من المسجد حتى تعلم سورة ما أنزل الله في التوراة ، ولا في الإنجيل ، ولا في الفرقان مثلها . قال أبي : فجعلت أبطئ في المشي رجاء ذلك ، ثم قلت : يا رسول الله ، السورة التي وعدتني ؟ قال : كيف تقرأ إذا افتتحت الصلاة ؟ قال : فقرأت عليه ( الحمد لله رب العالمين ) حتى أتيت على آخرها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هي هذه السورة وهي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أعطيت .

التالي السابق


قال أبو عمر :

أبو سعيد مولى عامر بن كريز لا يوقف له على اسم وهو معدود في أهل المدينة ، روى عنه محمد بن عجلان ، وداود بن قيس ، وصفوان بن سليم ، والعلاء بن عبد الرحمن ، وأسامة بن زيد ، وروايته عن أبي هريرة ، وحديثه هذا مرسل .

وقد روي هذا الحديث ، عن أبي سعيد بن المعلى ، وأبو سعيد بن المعلى رجل من الصحابة لا يوقف له أيضا على اسم ، روى عنه حفص بن عاصم ، وسعيد بن جبير ، وقد ذكرناه في كتاب الصحابة ، والحمد لله .

[ ص: 218 ] ولم يختلف الرواة على مالك ، عن العلاء في إسناد هذا الحديث ، وخالفه فيه غيره جماعة ، عن العلاء ، فرواه ابن جريج ، وابن عجلان ، ومحمد بن إسحاق ، عن العلاء مرسلا ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ورواه إسماعيل ، ومحمد ابنا جعفر بن أبي كثير ، وعبد العزيز بن أبي سلمة ، وروح بن القاسم ، وعبد السلام بن حفص ، عن العلاء ، عن أبي ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم مسندا .

ورواه عبد الحميد بن جعفر ، عن العلاء ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، عن أبي بن كعب ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو الأشبه عندي ، والله أعلم .

حدثنا يونس بن عبد الله قال : حدثنا محمد بن معاوية قال : حدثنا جعفر بن محمد الفريابي قال : حدثنا أبو كريب قال : حدثنا خالد بن مخلد قال : حدثنا عبد السلام بن حفص قال : حدثنا العلاء بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بن كعب : ألا أعلمك سورة لم ينزل في التوراة ، ولا في الإنجيل ، ولا في الزبور ، ولا في الفرقان مثلها ؟ قال : نعم يا رسول الله ، فذكر الحديث .

وذكر محمد بن إسحاق السراج في تاريخه قال : حدثنا أحمد بن المقدام ، حدثنا يزيد بن زريع ، حدثنا روح بن القاسم ، عن العلاء بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن أبي هريرة قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي بن كعب وهو يصلي فقال : السلام عليك أبي ، فالتفت إليه ولم يجبه ، ثم إن أبي بن كعب خفف الصلاة ، ثم انصرف إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : السلام عليك يا رسول الله ، قال : وعليك [ ص: 219 ] السلام ، ما منعك يا أبي أن تجيبني إذ دعوتك ؟ قال : يا رسول الله ، كنت أصلي ، قال : أفلست تجد فيما أوحي إلي أن ( استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم ) ، قال : بلى يا رسول الله ، ولا أعود أبدا ، قال : أي أبي ، أتحب أن أعلمك سورة لم ينزل في التوراة ، ولا في الإنجيل ، ولا في الزبور ، ولا في الفرقان مثلها ؟ قال : نعم يا رسول الله ، قال : فإني لا أخرج من هذا الباب حتى تعلمها ، قال : ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي يحدثني ، وأنا أتبطأ مخافة أن يبلغ الباب ، فلما دنونا من الباب قلت : يا رسول الله ، السورة التي وعدتني ؟ قال : كيف تقرأ في الصلاة ؟ قال : فقرأت عليه أم القرآن ، قال : هي هذه السورة ، وهي السبع المثاني والقرآن العظيم .

حدثنا أحمد بن قاسم بن عيسى المقرئ قال : حدثنا عمر بن إبراهيم المقرئ قال : حدثنا الحسين بن إسماعيل المحاملي قال : حدثنا يوسف بن موسى بن راشد القطان قال : حدثنا أبو أسامة قال : حدثنا عبد الحميد بن جعفر ، عن العلاء بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، عن أبي بن كعب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ألا أعلمك سورة ما أنزل الله في التوراة ، ولا في الزبور ، ولا في الإنجيل ، ولا في الفرقان مثلها ؟ قلت : بلى يا رسول الله ، قال : فقال : لعلك ألا تخرج من هذا الباب حتى تعلمها ، قال : وقام فأخذ بيدي يمشي فجعلت أتباطأ به مخافة أن يخرج قبل أن يخبرني ، فلما تقرب من الباب قلت : يا رسول الله ، السورة التي وعدتني ؟ قال : كيف تقرأ إذا قمت تصلي ؟ فقرأت بفاتحة الكتاب ، فقال : هي هي ، وهي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أعطيت .

[ ص: 220 ] قال أبو عمر :

في هذا الحديث جواز مناداة من في الصلاة ليجيب إذا فرغ من صلاته ، وفيه أن من دعي به وهو في الصلاة لا يجيب حتى يفرغ من صلاته ، وقد تقدم في هذا الكتاب من الأصول في الكلام في الصلاة وما يجوز فيها ما يضبط به مثل هذا وشبهه من الفروع . وفيه وضع اليد على اليد ، وهذا يستحسن من الكبير للصغير ; لأن فيه تأنيسا ، وتأكيدا للود . وفيه ما كان عليه أبي بن كعب من الحرص على العلم ، وحرصه حمله على قوله : يا رسول الله ، السورة التي وعدتني ؟ واستدل بعض أصحابنا بقوله : كيف تقرأ إذا افتتحت الصلاة ؟ قال : فقرأت عليه ( الحمد لله رب العالمين ) فقال : في ذلك دليل على سقوط الاستعاذة في أول السورة قبل القراءة ، قال : ودليل أيضا على سقوط قراءة بسم الله الرحمن الرحيم ، وفي ذلك اعتراض للمخالف لقوله في هذا الحديث : كيف تقرأ ؟ فأجابه بما يفتتح به القراءة ، لكن الظاهر ما قال به أصحابنا ; لأن الاستعاذة قراءة والتوجيه قراءة .

قال أبو عمر :

في هذا الحديث دليل على أن فاتحة الكتاب تقرأ في أول ركعة ، وحكم كل ركعة كحكم أول ركعة في القياس ، والنظر ، وظاهر قوله : فقرأت عليه ( الحمد لله رب العالمين ) والأغلب منه أنه افتتحها بذلك ، والله أعلم .

وقد تقدم في الباب قبل هذا من وجوه القول في ذلك ما فيه كفاية ، وهذا الحديث يخرج في التفسير المسند في تأويل قول الله عز وجل ( ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم ) أن السبع المثاني فاتحة الكتاب ، قيل لها ذلك لأنها تثنى في كل ركعة كذلك قال أهل العلم بالتأويل .

[ ص: 221 ] وقد روي عن ابن عباس في قوله : ( ولقد آتيناك سبعا من المثاني ) أنها فاتحة الكتاب . وروي عنه أنها السبع الطول : البقرة ، وآل عمران ، والنساء ، والمائدة ، والأنعام ، والأعراف ، والأنفال ، وبراءة ، وهو قول مجاهد ، وسعيد بن جبير ; لأنها تثنى فيها حدود القرآن والفرائض ، والقول الأول أثبت عنه ، وهو الصحيح في تأويل الآية ; لأنه قد ثبت ، عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه صحاح أحسنها حديث شعبة ، عن حبيب بن عبد الرحمن ، عن حفص بن عاصم ، عن أبي سعيد بن المعلى ، وقد ذكرناه في الباب قبل هذا ، وعند شعبة في هذا حديث آخر رواه ، عن العلاء بن عبد الرحمن :

حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا محمد بن عبد السلام قال : حدثنا محمد بن المثنى ، ومحمد بن بشار قالا : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا شعبة قال : سمعت العلاء بن عبد الرحمن يحدث ، عن أبيه ، عن أبي بن كعب قالا : السبع المثاني الحمد لله رب العالمين ، وهو قول قتادة .

وروى معمر ، عن قتادة : سبعا من المثاني ، قال : هي فاتحة الكتاب تثنى في كل ركعة مكتوبة وتطوع .

وأخبرنا سعيد بن نصر قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا ابن وضاح قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال : حدثنا أبو أسامة ، عن عبد الحميد بن جعفر ، عن العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، عن أبي بن كعب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما في التوراة ، ولا في الإنجيل مثل أم القرآن ، وهي السبع المثاني ، وهي مقسومة بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل .

[ ص: 222 ] اختلف على العلاء في هذا الحديث كما ترى في الإسناد ، والمتن ، وأظنه كان في حفظه شيء ، والله أعلم .

وقد جوده ابن أبي شيبة ويوسف بن موسى ، عن أبي أسامة ، عن عبد الحميد بن جعفر ، وبالله التوفيق .




الخدمات العلمية