الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
ولو أن رجلا مات وترك ابنين ، وألفي درهم فأخذ كل واحد منهما ألفا ثم أقر أحدهما بأخ من أبيه ، وأنكره صاحبه فإنه يأخذ من المقر نصف ما في يده ; لأنه أقر أن حقهما في التركة سواء ، وإقراره حجة فيما في يده ، وإن لم يكن حجة فيما في يد أخيه فيدفع إليه نصف ما في يد أخيه ، فإن أعطاه ذلك ثم أقر بأخ آخر من أبيه ، وصدقه فيه الأخ المعروف ، وأنكره المقر به الأول فإن كان الابن المعروف دفع نصف ما في يده إلى الأول بقضاء القاضي أخذ منه المقر به الثاني خمس ما في يده فيضمه إلى ما في يد الابن الآخر المعروف فيقتسمانه نصفين فإن كان دفع النصف إلى الأول بغير قضاء قاض أخذ منه المقر به الثاني خمس ما في يده فيضمه إلى ما في يد الابن الآخر المعروف فيقتسمانه نصفين في قول أبي يوسف ، وقال محمد رحمه الله إن كان دفع النصف إلى الأول بقضاء القاضي أخذ الباقي منه ثلث ما في يده ، وإن كان دفعه بغير قضاء أخذ منه خمس جميع ما كان في يده فيضمه إلى ما في يد [ ص: 191 ] الابن المعروف فيقتسمانه نصفين ، وهذا بناء على مسألة الإقرار التي بيناها . وجه تخريج أبي يوسف أن المقر لو أقر بهما جميعا ، وصدقه المعروف في أحدهما لكان المتفق عليه يأخذ منه ربع ما في يده في قول أبي يوسف رحمه الله ; لأنه يقول له : أنا قد أقررت بأن حقك في ربع التركة ، ونصف التركة في يد أخي ، وهو مقر بنصيبك فإنما يبقى حقك فيما في يدي في الربع ، وهو سهم من أربعة ، وما بقي وهو ثلاثة بيني وبين المجحود نصفان فإذا أقررت به أولا ، ودفعت إليه نصف ما في يدي فما دفعته زيادة على حقه لا يكون مضموما علي لأني دفعته بقضاء القاضي فيبقى حقك فيما في يدي في سهم ، وحقي في سهم ، ونصف فلهذا يعطيه خمس ما في يده .

وإن كان دفع النصف إلى الأول بغير قضاء القاضي فما دفعه زيادة على حقه يكون محسوبا عليه ، ويجعل كالقائم في يده فيدفع إلى الثاني جميع حقه إذ لو أقر بهما معا ، وذلك ربع النصف ثمن جميع المال فيضمه إلى ما في يد الابن المعروف فيقتسمانه نصفين ; لأنهما تصادقا أن حقهما في التركة سواء . وجه تخريج محمد رحمه الله أنه لو أقر بهما معا لكان المتفق عليه يأخذ من المقر خمس ما في يده ; لأنه يقول حقك في سهم ، وحقي في سهم ، وحق المجحود في سهم إلا أن السهم الذي هو حقك نصفه في يدي ، ونصفه في يد شريكي ، وهو مقر لك بذلك ، وإنما تضرب فيما في يدي بنصف سهم ، وأنا بسهم ، والمجحود بسهم فلهذا يأخذ خمس ما في يده ، فإذا أقر بالمجحود أولا ، ودفع إليه نصف ما في يده بقضاء القاضي لم يكن ذلك مضمونا فإنما يضرب هو فيما بقي في يده بسهم ، والمتفق عليه بنصف سهم فلهذا يأخذ ثلث ما في يده .

وإن كان الدفع بغير قضاء القاضي فما دفعه زيادة على حقه محسوب عليه فيدفع إلى المتفق عليه جميع ما كان يدفع أن لو أقر بهما معا ، وذلك خمس نصف المال فيضمه إلى ما في يد المعروف فيقتسمانه نصفين

ولو تصادق المقر بهما فيما بينهما أخذ الثاني من الابن المعروف الذي أقر به خاصة ; لأنه يحتاج إلى قسمة ما يأخذ مع الآخرين أيضا فيما بينهم ثم يأخذ منه ثلث ما في يده ; لأنه أقر له بثلث التركة نصف في يده ، ونصف في يد أخيه ، وهو يقر له بذلك فلا يأخذ منه إلا ما أقر له به مما في يده ، وذلك الثالث بمنزلة ابن للميت أقر بابنته فإنها تأخذ منه ثلث ما في يده فإذا أخذ كل ضمه إلى ما في يد الأول والمعروف الذي أقر بهما ; لأنهم تصادقوا أن حقهم في التركة سواء فما يصل إليهم يقسم بينهم أثلاثا باعتبار تصادقهم ، وإنما يتوى بأخذ الابن الآخر زيادة على حقه ، ويكون عليهم بالحصة ، وما يبقى يبقى لهم بالحصة كما هو الحكم في المال المشترك .

التالي السابق


الخدمات العلمية