الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          ( الثاني : اللوث ، وهو العداوة الظاهرة ولو مع سيد عبد ) قال في الرعاية : وعصبة مقتول ( كنحو ما كان بين الأنصار وأهل خيبر ، [ ص: 33 ] وكما بين القبائل التي يطلب بعضها بعضا بثأر في ظاهر المذهب ) وكما بين البغاة وأهل العدل ، وبين الشرطة واللصوص على الأشهر ، لأن مقتضى الدليل أن لا تشرع القسامة ، ترك العمل به في العداوة الظاهرة ، ونقل علي بن سعيد : أو عصبية للخبر ، وظاهره : أنه لا يشترط مع العداوة ألا يكون في الموضع الذي به العدو ، نص عليه ، وهو ظاهر الخرقي ، ونصره المؤلف ، لأنه عليه السلام لم يسأل الأنصار : هل كان بخيبر غير اليهود أم لا ؛ مع أن الظاهر وجود غيرهم فيها ، لأنها كانت أملاكا للمسلمين يقصدونها لأخذ غلال أملاكهم ، وشرطه القاضي ، لأن الأنصاري قتل في خيبر ، ولم يكن بها إلا اليهود ، وهم أعداء ، ثم ناقض قوله بأن قال : في قوم ازدحموا في مضيق وتفرقوا عن قتيل ، فقال : إن كان في القوم من بينه وبينه عداوة وأمكن أن يكون هو قتله فهو لوث ، فجعل العداوة لوثا مع وجود غير العدو ( وعنه : ما يدل على أنه يغلب على الظن صحة الدعوى به كتفرق جماعة عن قتيل ، ووجود قتيل عند من معه سيف ملطخ بدم ، وشهادة جماعة ممن لا يثبت القتل بشهادتهم ، كالنساء والصبيان ) ويعتبر مجيئهم متفرقين لئلا يتطرق إليهم التواطؤ على الكذب ( ونحو ذلك ) كشهادة عدل واحد ، اختارهأبو محمد الجوزي وابن تقي الدين ، لأنه يغلب على الظن صدق المدعي ، أشبهت العداوة ، ورد بأن هذا ليس بلوث لقوله في الذي قتل في الزحام يوم الجمعة : ديته في بيت المال ، وقال فيمن وجد مقتولا في المسجد الحرام : ينظر من كان بينه وبينه في حياته عداوة ، لأن اللوث إنما يثبت بالعداوة ، لقضية الأنصاري ، ولا يجوز القياس عليها لأن الحكم يثبت [ ص: 34 ] بالمظنة ولا يقاس في المظان ، لأن الحكم إنما يتعدى بتعدي سببه ، والقياس في المظان جمع بمجرد الحكمة وغلبة الظنون .

                                                                                                                          فرع : إذا شهدا أنه قتل أحد هذين القتيلين لم تثبت الشهادة ولم يكن لوثا بغير خلاف علمناه ، وإن شهدا أن هذا القتيل قتله أحد هذين ، أو شهد أحدهما أن هذا قتله وشهد الآخر أنه أقر بقتله ، أو شهد أحدهما أنه قتله بسيف وشهد الآخر أنه قتله بسكين لم تكمل الشهادة ولم يكن لوثا ، اختاره القاضي ، لكن المنصوص أنه إذا شهد أحدهما بقتله والآخر بالإقرار بقتله أنه يثبت القتل ، واختاره أبو بكر هنا ، وفيما إذا شهد أحدهما أنه قتله بسيف والآخر بسكين على القتل ، لأنهما اتفقا على القتل ، واختلفا في صيغته ( فأما قول القتيل : فلان قتلني ، فليس بلوث ) في قول أكثرهم ، لقوله عليه السلام : لو يعطى الناس بدعواهم الخبر . وكالولي ، وقال : هو لوث ، لأن قتيل بني إسرائيل قال : فلان قتلني فكان حجة ، وجوابه أنه لا قسامة فيه ، فإن ذلك كان من آيات الله تعالى ومعجزات نبيه موسى عليه السلام ، ثم ذاك في تبرئة المتهمين فلا يجوز تعديته إلى تهمة البريئين ، لكن نقل الميموني : أذهب إلى القسامة إذا كان ثم لطخ ، إذا كان سبب بين ، إذا كان ثم عداوة ، إذا كان مثل المدعى عليه يفعل ذلك .

                                                                                                                          تنبيه : إذا وجد قتيل في موضع فادعى أولياؤه على رجل أو جماعة وليس بينهم عداوة ولا لوث فهي كسائر الدعاوى ، وإن كان لهم بينة حكم بها ، وإلا قبل قول المنكر ، وقال الحنفية : إذا ادعى أولياؤه قتله على أهل المحلة أو على معين فللولي أن يختار من الموضع خمسين رجلا يحلفون خمسين يمينا : [ ص: 35 ] والله ما قتلناه ولا علمنا قاتله ، فإن نقصوا عن الخمسين كررت الأيمان عليهم حتى تتم ، فإن حلفوا وجبت الدية على باني الخطة ، فإن لم يكن ، وجبت على سكان الموضع ، فإن لم يحلفوا حبسوا حتى يقروا أو يحلفوا ، لأثر عن عمر على أنه محتمل ، قال ابن المنذر : سن النبي صلى الله عليه وسلم البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه ، وسن القسامة في القتيل الذي وجد بخيبر ، وعلم مما سبق أنه لا تسمع الدعوى على غير معين كسائر الدعاوى ، وأنه لا يشترط أن يكون بالقتيل أثر في قول الجماعة ، لأنه عليه السلام لم يسأل الأنصار هل بقتيلهم أثر أم لا ؛ مع أن القتل يحصل بما لا أثر له كغم الوجه ، وعنه : يشترط ذلك ، اختاره أبو بكر ، لأنه إذا لم يكن به أثر احتمل أنه مات حتف أنفه ، فعلى هذه إن خرج دم من أذنه فهو لوث ، وكذا إن خرج من أنفه في وجه ، وقيل : أو شفته ، وجوابه ما تقدم ( ومتى ادعى القتل مع عدم اللوث عمدا ، فقال الخرقي : لا يحكم له بيمين ولا غيرها ) هذا رواية قال في الفروع ، وهي أشهر ، سواء كانت الدعوى خطأ أو عمدا ، لأنها دعوى فيما لا يجوز بذله ، أشبه الحدود ، ولا يحكم له بالقسامة ، لأن من شرطها المرتب عليها القتل أو الدية ووجود اللوث ، وهو منتف هنا ( وعن أحمد : يحلف يمينا واحدة ) قدمه في المحرر وجزم به في الوجيز ، لقوله عليه السلام : ولكن اليمين على المدعى عليه . رواه مسلم . وكدعوى المال ( وهي الأولى ) والأصح ، فعلى هذه : إن حلف المدعى عليه فظاهر ، وإن امتنع لم يقض عليه بقود ، بل بدية ، وقيل : لا يجب ويخلى سبيله ، وعنه : يحلف خمسين يمينا ، لأنه دعوى في قتل أشبه ما لو كان بينهم لوث ( وإن كان خطأ [ ص: 36 ] حلف يمينا واحدة ) لأن النكول هنا يقضى به ، لأن موجبه مال بخلاف القصاص .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          الخدمات العلمية