[ ص: 39 ] بسم الله الرحمن الرحيم إياك نعبد وإياك نستعين ، يا من هو المحمود المشكور على الحقيقة ، إذ لا منعم سواه ، وكل نفع يجري على يد غيره فهو الذي أجراه ، وكل خير يصل إلى بعض مخلوقاته من بعض فهو الذي قدره وقضاه .
فأحمده حمدا يرضاه ، وأشكره شكرا يقابل نعماه ، وإن كانت غير محصاة ; امتثالا لأمره ، لا قياما بحق شكره ; فإن لساني وجناني وأركاني لا تقوم بشكر أقل نعمة من نعمه العظيمة ، ولا تؤدي بعض البعض مما يجب علي من شكر أياديه الجسيمة .
والصلاة والسلام على رسوله المصطفى ، محمد المبعوث إلى الأحمر من العباد والأسود ، صلاة وسلاما يتجددان بتجدد الأوقات ، ويتكرران بتكرر الآنات ، وعلى آله الأبرار وصحابته الأخيار .
( وبعد ) : فإن علم " أصول الفقه " لما كان هو العلم الذي يأوي إليه الأعلام ، والملجأ الذي يلجأ إليه عند تحرير المسائل ، وتقرير الدلائل في غالب الأحكام ، وكانت مسائله المقررة وقواعده المحررة ، تؤخذ مسلمة عند كثير من الناظرين ، كما نراه في مباحث الباحثين وتصانيف المصنفين ، فإن أحدهم إذا استشهد لما قاله بكلمة من كلام أهل الأصول ، أذعن له المنازعون ، وإن كانوا من الفحول ، لاعتقادهم أن مسائل هذا [ ص: 40 ] الفن قواعد مؤسسة على الحق الحقيق بالقبول ، مربوطة بأدلة علمية من المعقول والمنقول ، تقصر عن القدح في شيء منها أيدي الفحول ، وإن تبالغت في الطول ، وبهذه الوسيلة صار كثير من أهل العلم واقعا في الرأي ، رافعا له أعظم راية ، وهو يظن أنه لم يعمل بغير علم الرواية ، حملني ذلك بعد سؤال جماعة لي من أهل العلم على هذا التصنيف في هذا العلم الشريف ، قاصدا به إيضاح راجحه من مرجوحه ، وبيان سقيمه من صحيحه ، موضحا لما يصلح منه للرد إليه ، وما لا يصلح للتعويل عليه ، ليكون العالم على بصيرة في علمه ، يتضح له بها الصواب ، ولا يبقى بينه وبين درك الحق الحقيق بالقبول الحجاب .
فاعلم يا طالب الحق أن هذا كتاب تنشرح له صدور المنصفين ، ويعظم قدره بما اشتمل عليه من الفوائد الفرائد ، في صدور قوم مؤمنين ، ولا يعرف ما اشتمل عليه من المعارف الحقة إلا من كان من المحققين .
ولم أذكر فيه من المبادئ التي يذكرها المصنفون في هذا الفن إلا ما كان لذكره مزيد فائدة ، يتعلق به تعلقا تاما ، وينتفع بها فيه انتفاعا زائدا .
وأما المقاصد : فقد كشفت لك عنها الحجاب ، كشفا يتميز به الخطأ من الصواب ، بعد أن كانت مستورة عن أعين الناظرين بأكثف جلباب ، وإن هذا لهو أعظم فائدة يتنافس فيها المتنافسون من الطلاب ; لأن تحرير ما هو الحق هو غاية الطلبات ونهاية الرغبات ، لا سيما في مثل هذا الفن الذي رجع كثير من المجتهدين بالرجوع إليه إلى التقليد ، من حيث لا يشعرون ، ووقع غالب المتمسكين بالأدلة بسببه في الرأي البحت وهم لا يعلمون ، وسميته : ( إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول ) .
ورتبته على مقدمة ، وسبعة مقاصد ، وخاتمة :
أما المقدمة فهي مشتملة على فصول أربعة :