الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                        صفحة جزء
                        المسألة السادسة عشرة

                        الخطاب الخاص بواحد من الأمة إن صرح فيه بالاختصاص به ، كما في قوله صلى الله عليه وآله وسلم تجزئك ولا تجزئ أحدا بعد فلا شك في اختصاصه بذلك المخاطب ، وإن لم يصرح فيه بالاختصاص بذلك المخاطب ، فذهب الجمهور إلى أنه مختص بذلك المخاطب ، ولا يتناول غيره إلا بدليل من خارج .

                        [ ص: 378 ] وقال بعض الحنابلة وبعض الشافعية : إنه يعم بدليل ما روي من قوله صلى الله عليه وآله وسلم حكمي على الواحد كحكمي على الجماعة ، وما روي عنه صلى الله عليه وآله وسلم إنما قولي لامرأة واحدة كقولي لمائة امرأة ، ونحو ذلك .

                        ولا يخفاك أن الاستدلال بهذا خارج عن محل النزاع ، فإنه لا خلاف أنه إذا دل دليل من خارج على أن حكم غير ذلك المخاطب كحكمه كان له حكمه بذلك الدليل ، وإنما النزاع في نفس تلك الصيغة الخاصة ، هل تعم بمجردها أم لا ؟ فمن قال : إنها تعمها بلفظها فقد جاء بما لا تفيده لغة العرب ، ولا تقتضيه بوجه من الوجوه .

                        قال القاضي أبو بكر : هو عام بالشرع ، لا بوضع اللغة للقطع باختصاصه به لغة .

                        قال إمام الحرمين الجويني : لا ينبغي أن يكون في هذه المسألة خلاف إذ لا شك أن الخطاب خاص لغة بذلك الواحد ، ولا خلاف أنه عام بحسب العرف الشرعي ، وقيل : بل الخلاف معنوي لا لفظي ; لأنا نقول : الأصل ما هو ؟ هل هو مورده الشرع أو مقتضى اللغة .

                        قال الصفي الهندي : لا نسلم أن الخطاب عام في العرف الشرعي .

                        قال الزركشي : والحق أن التعميم منتف لغة ثابت شرعا ، والخلاف في أن العادة هل تقضي بالاشتراك بحيث يتبادر فهم أهل العرب إليها أو لا ؟ فأصحابنا - يعني الشافعية - يقولون : لا قضاء للعادة في ذلك ، كما لا قضاء لللغة ، والخصم يقول إنها تقضي بذلك . انتهى .

                        والحاصل في هذه المسألة على ما يقتضيه الحق ، ويوجبه الإنصاف عدم التناول لغير المخاطب من حيث الصيغة ، بل بالدليل الخارجي ، وقد ثبت عن الصحابة فمن بعدهم [ ص: 379 ] الاستدلال بأقضيته صلى الله عليه وآله وسلم الخاصة بالواحد أو الجماعة المخصوصة على ثبوت مثل ذلك لسائر الأمة . فكان هذا مع الأدلة الدالة على عموم الرسالة ، وعلى استواء أقدام هذه الأمة في الأحكام الشرعية مفيدا لإلحاق غير ذلك المخاطب به في ذلك الحكم عند الإطلاق إلا أن يقوم الدليل الدال على اختصاصه بذلك .

                        فعرفت بهذا أن الراجح التعميم حتى يقوم دليل التخصيص ، لا كما قيل : إن الراجح التخصيص حتى يقوم دليل التعميم ; لأنه قد قام كما ذكرناه .

                        التالي السابق


                        الخدمات العلمية