الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 3494 ) فصل : وإن صالح عن المنكر أجنبي ، صح ، سواء اعترف للمدعي بصحة دعواه أو لم يعترف ، وسواء كان بإذنه أو غير إذنه . وقال أصحاب الشافعي : إنما يصح إذا اعترف للمدعي بصدقه ، وهذا مبني على صلح المنكر ، وقد ذكرناه .

                                                                                                                                            ثم لا يخلو الصلح ، إما أن يكون عن دين أو عين ، فإن كان عن دين ، صح سواء كان بإذن المنكر ، أو بغير إذنه ، لأن قضاء الدين عن غيره جائز بإذنه وبغير إذنه ، فإن { عليا وأبا قتادة رضي الله عنهما قضيا عن الميت ، فأجازه النبي صلى الله عليه وسلم } وإن كان الصلح عن عين بإذن المنكر ، فهو كالصلح منه ; لأن الوكيل يقوم مقام الموكل . وإن كان بغير إذنه ، فهو افتداء للمنكر من الخصومة ، وإبراء له من الدعوى ، وذلك جائز . وفي الموضعين ، إذا صالح عنه بغير إذنه ، لم يرجع عليه بشيء لأنه أدى عنه مالا يلزمه أداؤه .

                                                                                                                                            وخرجه القاضي وأبو الخطاب على الروايتين . فيما إذا قضى دينه الثابت بغير إذنه ، وليس هذا بجيد ; لأن هذا لم يثبت وجوبه على المنكر ، ولا يلزمه أداؤه إلى المدعي ، فكيف يلزمه أداؤه إلى غيره ، ولأنه أدى عنه ما لا يجب عليه ، فكان متبرعا ، كما لو تصدق عنه .

                                                                                                                                            ومن قال برجوعه ، فإنه يجعله كالمدعي في الدعوى على المنكر لا غير ، أما أن يجب له الرجوع بما أداه حتما ، فلا وجه له أصلا ; لأن أكثر ما يجب لمن قضى دين غيره أن يقوم مقام صاحب الدين ، وصاحب الدين هاهنا لم يجب له حق ، ولا لزم الأداء إليه ، ولا يثبت له أكثر من جواز الدعوى ، فكذلك هذا . ويشترط في جواز الدعوى أن يعلم صدق المدعي ، فأما إن لم يعلم ، لم يحل له دعوى بشيء لا يعلم ثبوته ، وأما ما إذا صالح عنه بإذنه ، فهو وكيله ، والتوكيل في ذلك جائز .

                                                                                                                                            ثم إن أدى عنه بإذنه ، رجع إليه ، وهذا قول الشافعي . وإن أدى عنه بغير إذنه متبرعا ، لم يرجع بشيء وإن قضاه محتسبا بالرجوع ، خرج على الروايتين في من قضى دين غيره بغير إذنه ; لأنه قد وجب عليه أداؤه بعقد الصلح ، بخلاف ما إذا صالح وقضى بغير إذنه ، فإنه قضى ما لا يجب على المنكر قضاؤه .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية