الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 3495 ) فصل : وإن صالح الأجنبي المدعي لنفسه ; لتكون المطالبة له ، فلا يخلو من أن يعترف للمدعي بصحة دعواه ، أو لا يعترف له ، فإن لم يعترف له ، كان الصلح باطلا ; لأنه يشتري منه ما لم يثبت له ، ولم تتوجه إليه خصومة يفتدي منها ، فأشبه ما لو اشترى منه ملك غيره . وإن اعترف له بصحة دعواه ، وكان المدعى دينا ، لم يصح ; لأنه اشترى ما لا يقدر البائع على تسليمه ، ولأنه بيع للدين من غير من هو في ذمته . ومن أصحابنا من قال : يصح . وليس بجيد ; لأن بيع الدين المقر به من غير من هو في ذمته لا يصح ، فبيع دين في ذمة منكر معجوز عن قبضه أولى .

                                                                                                                                            وإن كان المدعى عينا ، فقال الأجنبي للمدعي : أنا أعلم أنك صادق ، فصالحني عنها ، [ ص: 311 ] فإني قادر على استنقاذها من المنكر . فقال أصحابنا : يصح الصلح . وهو مذهب الشافعي ; لأنه اشترى منه ملكه الذي يقدر على تسليمه . ثم إن قدر على انتزاعه ، استقر الصلح ، وإن عجز ، كان له الفسخ ; لأنه لم يسلم له المعقود عليه ، فكان له الرجوع إلى بدله .

                                                                                                                                            ويحتمل أنه إن تبين أنه لا يقدر على تسليمه ، تبين أن الصلح كان فاسدا ; لأن الشرط الذي هو القدرة على قبضه معدوم حال العقد ، فكان فاسدا ، كما لو اشترى عبده ، فتبين أنه آبق أو ميت . ولو اعترف له بصحة دعواه ، ولا يمكنه استيفاؤه ، لم يصح الصلح لأنه اشترى ما لا يمكنه قبضه منه ، فأشبه شراء العبد الآبق ، والجمل الشارد .

                                                                                                                                            فإن اشتراه وهو يظن أنه عاجز عن قبضه ، فتبين أن قبضه ممكن ، صح البيع ; لأن البيع تناول ما يمكن قبضه ، فصح ، كما لو علما ذلك . ويحتمل أن لا يصح ; لأنه ظن عدم الشرط فأشبه ما لو باع عبدا يظن أنه حر ، أو أنه عبد غيره ، فتبين أنه عبده .

                                                                                                                                            ويحتمل أن يفرق بين من يعلم أن البيع يفسد بالعجز عن تسليم المبيع ، وبين من لا يعلم ذلك ; لأن من يعلم ذلك يعتقد فساد البيع والشراء ، فكان بيعه فاسدا ; لكونه متلاعبا بقوله : معتقدا فساده ، ومن لا يعلم يعتقده صحيحا ، وقد تبين اجتماع شروطه ، فصح ، كما لو علمه مقدورا على تسليمه .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية