( ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا ) الإشارة بذلك إلى ما وقع النهي عنه في هذه الجملة من أكل المال بالباطل ، وقتل الأنفس . لأن النهي عنهما جاء متسقا مسرودا ، ثم ورد الوعيد حسب النهي . وذهب إلى هذا القول جماعة . وتقييد أكل المال بالباطل بالاعتداء والظلم على هذا القول ليس المعنى أن يقع على جهة لا يكون اعتداء وظلما ، بل هو من الأوصاف التي لا يقع الفعل إلا عليه . وقيل : إنما قال : عدوانا وظلما ليخرج منه السهو والغلط ، وما كان طريقه الاجتهاد في الأحكام . وأما تقييد قتل الأنفس على تفسير قتل بعضنا بعضا بقوله : عدوانا وظلما ، فإنما ذلك لأن القتل يقع كذلك ، ويقع خطأ واقتصاصا . وقيل الإشارة بذلك إلى أقرب مذكور وهو : قتل الأنفس ، وهو قول عطاء ، واختيار . قال : ذلك إشارة إلى القتل أي : ومن يقدم على قتل الأنفس عدوانا وظلما لا خطأ ولا اقتصاصا انتهى . ويكون نظير قوله : ( الزمخشري ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم ) وذهب إلى أن ذلك إشارة إلى ما سبق من النهي الذي لم يقترن به وعيد ، وهو من قوله : ( الطبري ياأيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن ) إلى هذا النهي الذي هو ولا تقتلوا أنفسكم ، فأما ما قبل ذلك من النهي فقد اقترن به الوعيد . وما ذهب إليه بعيد جدا لأن كل جملة قد استقلت بنفسها ، ولا يظهر لها تعلق بما بعدها إلا تعلق المناسبة ، ولا تعلق اضطرار المعنى . وأبعد من قول الطبري ما ذهب إليه جماعة من أن ذلك إشارة إلى كل ما نهى عنه من القضايا ، من أول السورة إلى النهي الذي أعقبه قوله : الطبري ومن يفعل ذلك . وجوز الماتريدي أن يكون ذلك إشارة إلى أكل المال بالباطل ، قال : وذلك يرجع إلى ما سبق من أكل المال بالباطل ، أو قتل النفس بغير حق ، [ ص: 233 ] أو إليهما جميعا . انتهى . فعلى هذا القول يكون في المشار إليه بذلك خمسة أقوال .
وانتصاب عدوانا وظلما على المفعول من أجله ، وجوزوا أن يكونا مصدرين في موضع الحال ، أي : معتدين وظالمين . وقرئ : ( عدوانا ) بالكسر . وقرأ الجمهور : نصليه بضم النون . وقرأ النخعي : بفتحها من صلاه ، ومنه شاة مصلية . وقرئ أيضا : ( نصليه ) مشددا . وقرئ : ( يصليه ) بالياء ، والظاهر أن الفاعل هو ضمير يعود على الله ، أي : فسوف يصليه هو ، أي الله تعالى . وأجاز والأعمش أن يعود الضمير على ذلك ، قال : لكونه سببا للمصلي ، وفيه بعد . ومدلول ( نارا ) مطلق ، والمراد - والله أعلم - تقييدها بوصف الشدة ، أو ما يناسب هذا الجرم العظيم من أكل المال بالباطل وقتل الأنفس . الزمخشري
( وكان ذلك على الله يسيرا ) ذلك إشارة إلى إصلائه النار ، ويسره عليه تعالى سهولته ، لأن حجته بالغة وحكمه لا معقب له . وقال : لأن الحكمة تدعو إليه ، ولا صارف عنه من ظلم أو نحوه . وفيه دسيسة الاعتزال . الزمخشري