الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ومن كفر فإن الله غني عن العالمين ) قال ابن عباس بوجوب الحج ، فمن زعم أنه ليس بفرض عليه فقد كفر . وقال مثله : الضحاك ، وعطاء ، والحسن ، ومجاهد ، وعمران القطان . وقال ابن عمر وغيره : ومن كفر بالله واليوم الآخر . وقال ابن زيد : ومن كفر بهذه الآيات التي في البيت . وقال السدي وجماعة : ومن كفر بأن وجد ما يحج به فلم يحج ، فهذا كفر معصية ، بخلاف القول الأول فإنه كفر جحود . ويصير على قول السدي ؛ لقوله : " من ترك الصلاة فقد كفر " ، " لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض " . على أحد التأويلين . وقال الزمخشري : ومنها - يعني من أنواع التأكيد والتشديد - قوله : ومن كفر ، مكان ومن لم يحج ، تغليظا على تارك الحج ؛ ولذلك قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " من مات ولم يحج فليمت إن شاء يهوديا أو نصرانيا " ونحوه من التغليظ : من ترك الصلاة متعمدا فقد كفر . انتهى كلامه ، وهو من معنى كلام السدي . وقال سعيد بن المسيب : ومن كفر بكون البيت قبلة الحق ، فعلى هذا يكون راجعا إلى اليهود الذين قالوا حين حولت القبلة : ( ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها ) وكفروا بها وقالوا : لا نحج إليها أبدا . و " من " شرطية ، [ ص: 13 ] وجواب الشرط الجملة المصدرة بالفاء ، والرابط لها بجملة الشرط هو العموم الذي في قوله : ( عن العالمين ) إذ من كفر فهو مندرج تحت هذا العموم . وفي هذا اللفظ وعيد شديد لمن كفر . قال ابن عطية : والقصد بالكلام : فإن الله غني عنهم ، ولكن عم اللفظ ليبرع المعنى ويتنبه الفكر على قدرة الله وسلطانه واستغنائه عن جميع الوجوه ، حتى ليس به افتقار إلى شيء ، لا رب سواه . انتهى . وقال الزمخشري : ومنها - يعني من أنواع التأكيد - ذكر الاستغناء عنه ، وذلك مما يدل على المقت والسخط والخذلان . ومنها قوله : عن العالمين ، ولم يقل عنه ، وما فيه من الدلالة على الاستغناء عنه ببرهان ؛ لأنه إذا استغنى عن العالمين تناوله الاستغناء عنه لا محالة ، ولأنه يدل على الاستغناء الكامل ، فكان أدل على عظم السخط الذي وقع عبارة عنه . وقيل : في الكلام محذوف تقديره : فإن الله غني عن حج العالمين .

التالي السابق


الخدمات العلمية