الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ياأهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفو عن كثير ) قال محمد بن كعب القرظي : أول ما نزل من هذه السورة هاتان الآيتان في شأن اليهود والنصارى ، ثم نزل سائر السورة بعرفة في حجة الوداع . وأهل الكتاب يعم اليهود والنصارى . فقيل : الخطاب لليهود خاصة ، ويؤيده ما روى خالد الحذاء عن عكرمة قال : أتى اليهود الرسول ، صلى الله عليه وسلم ، يسألونه عن الرجم ، فاجتمعوا في بيت فقال : " أيكم أعلم ؟ " فأشاروا إلى ابن صوريا فقال : " أنت أعلمهم " قال : سل عما شئت ، قال : " أنت أعلمهم ؟ " قال إنهم يقولون ذلك ، قال : " فناشدتك الله الذي أنزل التوراة على موسى ، والذي رفع الطور ; فناشده بالمواثيق التي أخذت عليهم حتى أخذه أفكل ، فقال : إن نساءنا نساء حسان فكثر فينا القتل ، فاختصرنا فجلدنا مائة مائة ، وحلقنا الرءوس ، وخالفنا بين الرءوس على الدابرات - أحسبه قال : الإبل - قال : فأنزل الله ياأهل الكتاب قد جاءكم رسولنا . وقيل : الخطاب لليهود والنصارى الذين يخفون صفة رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، والرجم ونحوه . وأكثر نوازل الإخفاء إنما نزلت لليهود ، لأنهم كانوا مجاوري الرسول في مهاجره . والمعني بقوله : رسولنا محمد ، صلى الله عليه وسلم ، وأضيف إلى الله تعالى إضافة تشريف . وفي هذه الآية دلالة على صحة نبوته ، لأن إعلامه بما يخفون من كتابهم وهو أمي لا يقرأ ولا يكتب ولا يصحب القراء ، دلالة على أنه إنما يعلمه الله تعالى . وقوله : من الكتاب يعني ، [ ص: 448 ] التوراة ، ويعفو عن كثير ; أي : مما يخفون لا يبينه إذا لم تدع إليه مصلحة دينية ، ولا يفضحكم بذلك إبقاء عليكم . وقال الحسن : ويعفو عن كثير ، هو ما جاء به الرسول من تخفيف ما كان شدد عليهم ، وتحليل ما كان حرم عليهم . وقيل : لا يؤاخذكم بها ، وهذا المتروك الذي لا يبين هو في معنى افتخارهم ونحوه مما لا يتعين في ملة الإسلام فضحهم به وتكذيبهم ، والظاهر أن فاعل ( يبين ويعفو ) عائد على رسولنا ، ويجوز أن يعود على الله تعالى .

( قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين ) قيل : هو القرآن ; سماه نورا لكشف ظلمات الشرك والشك ، أو لأنه ظاهر الإعجاز . وقيل : النور الرسول . وقيل : الإسلام . وقيل : النور موسى ، والكتاب المبين : التوراة . ولو اتبعوها حق الاتباع لآمنوا بمحمد ، صلى الله عليه وسلم ، إذ هي آمرة بذلك مبشرة به . ( يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ) أي : رضا الله ، سبل السلام طرق النجاة ، والسلامة من عذاب الله . والضمير في ( به ) ظاهره أنه يعود على كتاب الله ، ويحتمل أن يكون عائدا على الرسول . قيل : ويحتمل أن يعود على الإسلام . وقيل : سبل السلام ، قيل : دين الإسلام . وقال الحسن والسدي : السلام : هو الله تعالى ، وسبله : دينه الذي شرعه . وقيل : طرق الجنة . وقرأ عبيد بن عمير ، والزهري ، وسلام ، وحميد ، ومسلم بن جندب : به الله ، بضم الهاء ، حيث وقع . وقرأ الحسن ، وابن شهاب : سبل ، ساكنة الباء . ( ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ) أي : من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان ; أي : بتمكينه وتسويغه . وقيل : ظلمات الجهل ونور العلم .

( ويهديهم إلى صراط مستقيم ) هو دين الله وتوحيده . وقيل : طريق الجنة . وقيل : طريق الحق ، وروي عن الحسن والظاهر أن هذه الجمل كلها متقاربة المعنى ، وتكرر للتأكيد ، والفعل فيها مسند إليه تعالى .

التالي السابق


الخدمات العلمية