الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن ) قال ابن عباس والسدي : معناه من الميراث ، لأن العرب كانت لا تورث النساء . وضعف هذا القول ؛ لأن لفظ الاكتساب ينبو عنه ، لأن الاكتساب [ ص: 236 ] يدل على الاعتمال والتطلب للمكسوب ، وهذا لا يكون في الإرث ، لأنه مال يأخذه الوارث عفوا بغير اكتساب فيه ، وتفسير قتادة هذا متركب على ما قاله في سبب نزول الآية . وقيل : يعبر بالكسب عن الإصابة ، كما روي أن بعض العرب أصاب كنزا فقال له ابنه : بالله يا أبة أعطني من كسبك نصيبا ، أي مما أصبت . ومنه قول خديجة رضي الله عنها : وتكسب المعدوم . قالوا : ومنه قول الشاعر :


فإن أكسبوني نزر مال فإنني كسبتهم حمدا يدوم مع الدهر



وقالت فرقة : المعنى أن الله تعالى جعل لكل من الصنفين مكاسب تختص به ، فلا يتمنى أحد منها ما جعل للآخر . فجعل للرجال الجهاد والإنفاق في المعيشة وحمل التكاليف الشاقة كالأحكام والإمارة والحسبة وغير ذلك . وجعل للنساء الحمل ومشقته ، وحسن التبعل ، وحفظ غيب الزوج ، وخدمة البيوت . وقيل : المعنى مما اكتسب من نعيم الدنيا ، فينبغي أن يرضى بما قسم الله له . وهذه الأقوال الثلاثة هي بالنسبة لأحوال الدنيا . وقالت فرقة : المعنى نصيب من الأجر والحسنات . وقال الزمخشري : جعل ما قسم لكل من الرجال والنساء على حسب ما عرف الله من حاله الموجبة للبسط والقبض كسبا له انتهى . وفي قوله : عرف الله نظره ، فإنه لا يقال في الله عارف ، نص الأئمة على ذلك ، لأن المعرفة في اللغة تستدعي قبلها جهلا بالمعروف ، وذلك بخلاف العلم ، فإنه لا يستدعي جهلا قبله . وتسمية ما قسم الله كسبا له فيه نظر أيضا ، فإن الاكتساب يقتضي الاعتمال والتطلب كما قلناه ، إلا إن قلنا أن أكثر ما قسم له يستدعي اكتسابا من الشخص ، فأطلق الاكتساب على جميع ما قسم له تغليبا للأكثر . وفي تعليق النصيب بالاكتساب حض على العمل ، وتنبيه على كسب الخير .

التالي السابق


الخدمات العلمية