( ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض ) قال قتادة والسدي : لما نزل ( للذكر مثل حظ الأنثيين ) قال الرجال : إنا لنرجو أن نفضل على النساء في الحسنات كالميراث .
وقال النساء : إنا لنرجو أن يكون الوزر علينا نصف ما على الرجال كالميراث . وقال عكرمة : قال النساء : وددنا أن الله جعل لنا الغزو فنصيب من الأجر مثل ما يصيب الرجال . وزاد مجاهد : أن ذلك عن . وأنها قالت : وإنما لنا نصف الميراث ، فنزلت . وروي عنها أنها قالت : ليتنا كنا رجالا ، فنزلت . أم سلمة
ومناسبة هذه الآية لما قبلها : أنه تعالى لما نهى عن أكل المال بالباطل ، وعن قتل الأنفس ، وكان ما نهى عنه مدعاة إلى التبسط في الدنيا والعلو فيها وتحصيل حطامها ، نهاهم عن تمني ما فضل الله به بعضهم على بعض ، إذ التمني لذلك سبب مؤثر في تحصيل الدنيا وشوق النفس إليها بكل طريق ، فلم يكتف بالنهي عن تحصيل المال بالباطل وقتل الأنفس ، حتى نهى عن السبب المحرض على ذلك ، وكانت المبادرة إلى النهي عن المسبب آكد لفظاعته ومشقته ، فبدئ به ، ثم أتبع بالنهي عن السبب حسما لمادة المسبب ، وليوافق العمل القلبي العمل الخارجي فيستوي الباطن والظاهر في الامتناع عن الأفعال القبيحة . وظاهر الآية يدل على النهي أن يتمنى الإنسان لنفسه ما فضل به عليه غيره ، بل عليه أن يرضى بما قسم الله له .
وتمني ذلك هو أن يكون له مثل ما لذلك المفضل . وقال ابن عباس وعطاء : هو أن يتمنى مال غيره . وقال : نهوا عن الحسد ، وعن تمني ما فضل الله به بعض الناس على بعض من الجاه والمال ، لأن ذلك التفضيل قسمة من الله تعالى صادرة عن حكمة وتدبير وعلم بأحوال العباد ، وبما يصلح للمقسوم له من بسط في الرزق أو قبض انتهى . وهو كلام حسن . وظاهر النهي إنما يتناول ما فضل الله به بعضهم على بعض . أما تمني أشياء من أحوال صالحة له في الدنيا وأعمال يرجو بها الثواب في الآخرة فهو حسن لم يدخل في الآية . وقد جاء في الحديث ( الزمخشري ) في آخر الآية : ( وددت أن أقتل في سبيل الله ثم أحيى ثم أقتل واسألوا الله من فضله ) فدل على جواز ذلك . وإذا كان مطلق تمني ما فضل الله به بعضهم على بعض منهيا عنه ، فأن يكون ذلك بقيد زوال نعمة من فضل عليه عنه - بجهة الأحرى . والأولى إذ هو الحسد المنهي عنه في الشرع ، والمستعاذ بالله منه في نص القرآن . وقد اختلفوا إذا تمنى حصول مثل نعمة المفضل عليه له من غير أن تذهب عن المفضل ، فظاهر الآية المنع ، وبه قال المحققون ، لأن تلك النعمة ربما كانت مفسدة في حقه في الدين ، ومضرة عليه في الدنيا ، فلا يجوز أن يقول : اللهم أعطني دارا مثل دار فلان ، ولا زوجا مثل زوجه ، بل يسأل الله ما شاء من غير تعرض لمن فضل عليه . وقد أجازه بعض الناس .